اليمن يحذّر من انهيار عملته

TT

اليمن يحذّر من انهيار عملته

في الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران تصعيدها غير المسبوق باتجاه مدينة مأرب المكتظة بأكثر من مليوني نازح، حذرت الحكومة اليمنية من انهيار العملة المحلية داعية المجتمع الدولي إلى توجيه مساعداته الإنسانية عبر القنوات الرسمية إسناداً للمؤسسات الحكومية.
تصريحات الحكومة اليمنية جاءت على لسان رئيسها معين عبد الملك، أمس، خلال اتصال أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ناقش فيه مستجدات الأوضاع على الساحة الوطنية ونتائج مؤتمر المانحين لليمن وأهمية مواصلة الجهود المشتركة لتغطية الفجوة التمويلية لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن.
ونقلت المصادر الرسمية أن النقاش مع غوتيريش «تطرق إلى الأوضاع السياسية والإنسانية، والتصعيد العسكري المستمر لميليشيا الحوثي الانقلابية، واستهدافها المتكرر للنازحين والمدنيين في مأرب وهجماتها ضد الأعيان المدنية في السعودية، والمواقف المطلوبة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتعامل مع ذلك».
وشرح عبد الملك للأمين العام للأمم المتحدة «طبيعة مشروع برنامج حكومته والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها والدعم الأممي والدولي المطلوب لمساندتها في إنجاح عام التعافي، بما ينعكس إيجاباً على تخفيف معاناة المواطنين جراء الأوضاع الإنسانية القائمة». ودعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى دعم الاقتصاد واستقرار العملة الوطنية، محذراً من خطورة استمرار انهيارها الذي «ينذر بحدوث مجاعة ينبغي تكاتف الجهود لتداركها سريعاً».
كما أشار، بحسب ما ذكرته وكالة «سبأ»، إلى الأولويات الملحة في الجانب الإغاثي والصحي والاقتصادي والتنموي، والمسارات التي اعتمدتها الحكومة لتسهيل عمل المنظمات وتيسير وصول المساعدات للمحتاجين وتحقيق الأثر والاستفادة منها، مع التركيز على الانتقال إلى المسار التنموي وعدم الركون طويلاً إلى المسار الإغاثي.
وأكد عبد الملك أن الوضع في بلاده «سيكون سيئاً مع استمرار تصاعد العمليات العسكرية للميليشيات الحوثية على مأرب واستهدافها المتكرر للنازحين والمدنيين». ونسبت المصادر الرسمية اليمنية إلى غوتيريش أنه «عبر عن قلقه لوضع مأرب والتداعيات الإنسانية على النازحين والمواطنين هناك، والضحايا الذين يسقطون نتيجة التصعيد على المحافظة... وكرر مطالبته بوقف إطلاق النار بشكل كامل وانخراط الجميع في نقاش سلام».
المخاوف التي أعلنتها الحكومة اليمنية للأمم المتحدة جاءت غداة انعقاد مؤتمر المانحين لدعم الاستجابة الإنسانية في 2021، حيث انتزعت الأمم المتحدة خلال المؤتمر الذي نظمته سويسرا والسويد عبر الاتصال المرئي تعهدات من المانحين بلغت 1.67 مليار دولار.
وقدمت المملكة العربية السعودية التعهد الأكبر بـ430 مليون دولار، تليها ألمانيا بـ244.8 مليون دولار، والإمارات العربية المتحدة بـ230 مليون دولار، ثم الولايات المتحدة بـ191 مليون دولار، فالمملكة المتحدة بـ123.23 مليون دولار، فالمفوضية الأوروبية بـ116.28 مليون دولار.
وخلال المؤتمر كان معين عبد الملك دعا إلى دعم الحكومة والاقتصاد والشراكة معها لتعزيز عمل مؤسسات الدولة، محذراً من خطورة التعامل خارج إطار المؤسسات الرسمية، لكون ذلك يهدد بتقويضها وانهيارها. وقال إن «هذا خطأ فادح يقود إلى الفوضى وأضرار طويلة الأمد». كما دعا بشكل واضح إلى «ضرورة وضع آلية لمصارفة الأموال المقدمة من المانحين للعمل الإغاثي في اليمن عبر البنك المركزي».
وشدد رئيس الحكومة اليمنية على استمرار دعم بلاده لنشاط المنظمات الإغاثية، لكنه قال إن «الحاجة ملحة لاستثمار المساعدات الإنسانية بصورة أكثر كفاءة»، داعياً إلى «عدم التسامح إطلاقاً مع إهدار هذه المساعدات أو نهبها أو حرفها عن مسارها ووصولها إلى مستحقيها».
وكانت تقارير يمنية وأخرى دولية اتهمت الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية بالسطو على كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية وتحويلها لمصلحة عناصرها ومجهودها الحربي أو بيعها في السوق السوداء.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».