«الشارقة الثقافية»: طه حسين وجائزة نوبل التي رشح لها 14 مرة

«الشارقة الثقافية»: طه حسين وجائزة نوبل التي رشح لها 14 مرة
TT

«الشارقة الثقافية»: طه حسين وجائزة نوبل التي رشح لها 14 مرة

«الشارقة الثقافية»: طه حسين وجائزة نوبل التي رشح لها 14 مرة

صدر أخيراً العدد 53 لشهر مارس (آذار) من مجلة «الشارقة الثقافية» التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. جاءت الافتتاحية بعنوان «إسهامات العرب في مسيرة الحضارة الإنسانية»، مشيرة إلى أن المجلة أفردت في كل عدد صفحات للإلقاء الضوء على العلم العربي وعصور التنوير التي شهدت أعظم الاختراعات والابتكارات والاكتشافات العلمية، فكان لها الفضل في التأسيس لعصر النهضة ومرحلة التقدم والرقي، في وقت كان يعيش فيه الغرب مرحلة «العصور الوسطى».
وفي تفاصيل العدد، كتب يقظان مصطفى عن إنجازات الحضارة العربية، خصوصاً في علم الفيزياء. وفي باب «أمكنة وشواهد» جال محمد العساوي في ربوع مدينة وجدة التي تعد من أعرق المدن المغربية، وقد شيدت منذ ألف عام، أما وليد رمضان فتوقف عند مدينة جبيل اللبنانية إحدى أقدم المدن المسكونة في العالم، التي تتميز بحضارتها وعراقتها وجمالها.
في باب «أدب وأدباء»، كتب محمود كحيلة عن طه حسين وجائزة نوبل التي رشح لها أربع عشرة مرة، ونشر د. همدان دماج مقالة عن عالم عبد العزيز المقالح الشعري، بينما أجرى أحمد اللاوندي حواراً مع الشاعر والمسرحي عادل سعد يوسف، وتناولت رويدا محمد تجربة وكتابات سمير سرحان الذي تميز بتنوع إنتاجه الأدبي والفكري، وألقى عبده وازن الضوء على أحد أهم مترجمي دوستويفسكي سامي الدروبي الذي رفع الترجمة إلى مصاف الإبداع، وتوقفت أميرة الخضري عند الشاعر والناقد البريطاني ت. س. إليوت الذي يعتبر من الذين أثروا في تشكيل وجدان عدة أجيال من الشعراء. أما عبير محمد فتناول سيرة عبد القادر القط أحد رواد الحركة الأدبية والنقدية الذي استوعب ثقافته وتراثه وانفتح على ثقافة الآخر.
ومن المواضيع الأخرى، كتبت عزت عمر عن ثنائية البصر والبصيرة في «الرواية العمياء» للروائي العراقي شاكر نوري، ونشر محمد ياسر منصور موضوعاً عن أجاثا كريستي التي وصلت مطبوعاتها إلى أكثر من ملياري نسخة، أما هبة الله إبراهيم فتناولت الكاتب نهاد شريف الذي ارتقى بأدب الخيال العلمي عربياً، وقدم د. محمد خليل محمود جوانب من سيرة محمد حسين هيكل أحد رواد النهضة العربية الحديثة، فيما قدم سمير أحمد الشريف قراءة في رواية «الشمس في يوم غائم» للكاتب حنا مينة، وحاور أحمد عساف، د. فاضل الكعبي الذي ألف 125 كتاباً واعتبر أن الكتابة للأطفال واجب وشغف حياة، وأجرى أشرف قاسم مقابلة مع الكاتبة عزة دياب التي أكدت أن القصة هي بوابة السرد، وقرأ د. رضا عطية نتاج الشاعر رفعت سلام الذي خرج على التقاليد الجمالية وبحث عن طريق آخر للشعر، كذلك حاور وحيد تاجا الشاعر نذير العظمة، وغيرها.
في باب «فن. وتر. ريشة» نقرأ الموضوعات التالية: «مهنا الدرة... تجربة ثرية ومتنوعة في الموضوع والأسلوب» لمحمد العامري، و«جهيدة هوادف... من أبرز التشكيليات الجزائريات» لميلود بن عمار، و«مهرجانات السينما تحت وطأة الكورونا» لأسامة عسل، و«الموسيقا والرياضيات في الرواية» لنبيل سليمان، بالإضافة إلى المقالات الثابتة.
وأفرد العدد مساحة للقصص القصيرة والترجمات.



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.