المغربي المهدي أخريف يصدر مختارات من شعر المتنبي

فكرة راودته منذ الثمانينات

المغربي المهدي أخريف يصدر مختارات من شعر المتنبي
TT

المغربي المهدي أخريف يصدر مختارات من شعر المتنبي

المغربي المهدي أخريف يصدر مختارات من شعر المتنبي

يواصل أبو الطيب المتنبي حضوره، مؤكداً قيمته الشعرية وتفرد تجربته ومنجزه، رغم مرور الزمن وتبدل الحساسيات، هو الذي «ملأ الدنيا وشغل الناس» وكرسه النقاد شاعراً لكل الأزمنة.
ويأتي الكتاب الجديد الذي أصدره الشاعر المغربي المهدي أخريف، تحت عنوان «فما لي وللدنيا»، عن المركز الثقافي للكتاب، متضمناً مختارات من شعر «شاعر العربية الأكبر»، ليؤكد خلود تجربة المتنبي الذي تعددت سماته الوصفية، ما بين «شاعر الأنا»، و«شاعر القلق الوجودي» و«شاعر الاغتراب»، «العابر للأزمنة».
وعلاوة على هذه السمات الوصفية التي أطلقت على تجربته، فإن المتنبي لم يكن، كما يشير أخريف، «الشاعر المتفرد الموهبة» وحسب، بل كان «الشاعر العالي التطلعات»، و«الشاعر المدقق في الصنعة الحريص على التجويد الدائب، بالاعتماد على معرفته العميقة بالشعر وبالعربية التي عد من كبار العارفين به».
ينطلق أخريف في كتابه الجديد، من فكرة إصدار «مختارات» من شعر المتنبي، فقال إنها راودته للمرة الأولى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ليتأخر التنفيذ لأسباب عديدة.
ستعود فكرة إصدار «المختارات» للالتماع من حين لآخر، كلما عاد أخريف إلى قراءة المتنبي، وهو ما كان يفعله باستمرار لا لشيء، كما يقول أخريف، إلا «لرغبة متزايدة عندي في تجسيد صحبتي لديوان هذا الشاعر العظيم بأفضل طريقة ممكنة تصورتها: تقديم مختارات من أطوار شعره المختلفة بما يجسد تدبري والتذاذي بشعره».
ثم جاءت هدية الشاعر المغربي محمد بنيس، الذي حمل لأخريف معه من أبوظبي صورة عن نسخة أخذت عن نسختين من ديوان المتنبي، إحداهما بخط رجاء بن الحسين بن المرزبان مصححة على عدة أصول أحدهما مقروء على أبي الطيب نفسه وعلى ابن جني أيضاً وفيها تصويباته بخط يده. والأخرى أثبت فيها عند كل قصيدة ومقطوعة بخط المتنبي لفظة: «صح». وبجانب هذه الصورة عن النسختين الموضوعة داخل سفر نفيس ورقاً وتجليداً وشكلاً، نسخة مطبوعة طباعة رفيعة على ورق رفيع من تلك الصورة المنسوخة المثبت فيها شعر المتنبي بتحقيق وضبط ومقدمة العارف القدير شهاب الدين أبو عمرو.
يشير أخريف إلى أن هدية بنيس وضعته وجهاً لوجه أمام شعر المتنبي بلا تفاسير ولا حواش، فانهمك في قراءات جديدة مغايرة لما ألف، يقرأ ويعاود، ويعود. يضع تخطيطات ويعاود كتابة قصائد بعينها بخطه حتى وصل، وعلى مراحل، إلى وضع مختارات أولى من شعر المتنبي، جعلها قاعدة عليها بنى من بعد مختاراته في صيغتها الأخيرة، التي اعتمد في وضعها على النسخة المهداة، لكنه أخضعها لترتيب كرونولوجي اعتمده المتنبي نفسه في ترتيب ديوانه، إذ رتبها وفق المراحل الزمنية المتعاقبة التي كتبها فيها وكذلك وفق من كتبت فيهم بدءاً من عراقيات أولى إلى الشاميات، فالسيفيات، فالمصريات أو الكافوريات، فالعراقيات الثانية فالعميديات، فالشيرازيات (أو العضديات).
خصص أخريف توطئتين لعصر المتنبي وحياته القلقة المترحلة، قبل أن يصدر للمختارات بالحديث عن ميزة المتنبي التي تتمثل في أنه «شاعر دنيوي خالص، بقلقه الوجودي وحسه التراجيدي. شاعر لم يكن معنياً بأي ما بعْدٍ أو ما وراء، ومن ثم حُفُول شعره بدال مركزي هو (الأنا) يتكرر وروده بصيغ شتى، بأبدال متعددة من قبيل: الدهر. الزمن. الليالي. الحوادث. الدار. الأيام».
وتوزعت مختارات أخريف إلى أقسام حاول من خلالها تقديم «نماذج ذات تمثيلية موزونة ومتوازنة» لمراحل شعره. و«من أجل فهم أفضل وأدق» لشعر المتنبي ألحق بكل مرحلة وقسم من المختارات هوامش تتضمن إضاءات وإيضاحات تخص سيرة الشاعر وجوانب مختلفة من شعره وعصره؛ كما اجتهد في اختيار الشروح التي رآها الأنسب لكل بيت من أبيات القصائد المختارة اعتماداً على الشروح الكبرى التي اعتمدها.
لم ينس أخريف أن يشير إلى الإعجاب العلمي المتبادل والصداقة الوطيدة التي جمعت ابن جني بالمتنبي؛ مشيراَ، في هذا الصدد، إلى قول المتنبي: «ابن جني أعرف بشعري مني»؛ الشيء الذي يؤكد «التقدير المتبادل» الذي جعل من صداقتهما «قائمة على الحوار المعرفي المتواصل والمتصف بالصرامة وعدم المحاباة»، بدليل «كثرة مؤاخذات ابن جني وملاحظاته عليه في كل ما كان يراه جديراً بالملاحظات والنقد»، وكذلك في «ردود المتنبي وتخريجاته الدالة على دقة معرفته وسعتها وتقديره وتواضعه، وهو المعروف بشدة أنفته واعتداده بذاته وبشاعريته».
كما يشير أخريف إلى عدد من عناصر تميز المتنبي، ومن ذلك تناوله لقصة لقب المتنبي، وسرعة بديهته التي كانت محط إعجاب ابن جني، وولعه بالبادية، وكيف كان أفقه الشعري «أرحب وأبعد من أفق معاصريه من المحدثين»، فضلاً عن عربيته، مشيراً، في هذا الصدد، إلى أن اللغة كانت بالنسبة إلى المتنبي «أداة يطوعها لخلقه الشعري دون أن يقيم وزناً لحريته ومتطلبات إبداعه»، ولذلك «يمكن أن نفهم تلك المفردات الغريبة المستعملة في شعره، التي تبدو مثل كويئنات فريدة، أحجار كريمة نادرة الجمال بل ملونة الإيقاع على نحو ما توحي به (هملعة) و(يرمع) و(يقق) وغيرها؛ وإلى جانب ذلك يفاجئنا باستعمال بعض المفردات والألفاظ السوقية والعامية مثل (الدرزلين، البرني، الآزاد، سكر الأهواز، المخشلب، الطرطبة، غلبه) وغير ذلك من التعابير والاستخدامات العامية للغة، يضاف إليها ولعه بالألفاظ الفلسفية والصوفية بحكم ثقافته المتحررة والمنفتحة على ثقافات عصره، بما يجعل شعره مزيجاً خلاقاً من تركيب شعري متنوع اللغات والأنماط التعبيرية التي توحدها الرؤية الوجودية الفريدة للشاعر وقدرته العبقرية على إقداره هذه اللغات الممتزجة على أن تشكل لغة فريدة حية ومتجددة تقول ما لم تقله من قبل ولا حتى من بعد».



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.