استقالات تهز «العدالة والتنمية» قبل الانتخابات العامة في المغرب

TT

استقالات تهز «العدالة والتنمية» قبل الانتخابات العامة في المغرب

عاش حزب «العدالة والتنمية» المغربي، ذو المرجعية الإسلامية ومتزعم الائتلاف الحكومي، الليلة قبل الماضية، على إيقاع استقالتين لقياديين بارزين، أثارتا جدلاً داخله وفي الأوساط السياسية.
الاستقالة الأولى وجّهها مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، جاء فيها «نظراً لحالتي الصحية، وعدم قدرتي على الاستمرار في تحمل أعباء المسؤوليات المنوطة بي، فإنني أقدم لكم استقالتي من العضوية في الحكومة»، وطلب الرميد من العثماني رفع استقالته للعاهل المغربي الملك محمد السادس، لأن الملك بمقتضى الدستور هو الذي «يُعفي الوزراء» بطلب منهم.
أما الاستقالة الثانية، التي كان لها وقع أكبر داخل مؤسسات الحزب، فتتعلق باستقالة إدريس الأزمي من رئاسة المجلس الوطني للحزب (أعلى هيئة تقريرية فيه بعد المؤتمر)، واستقالته أيضاً من عضوية الأمانة العامة للحزب. وبرر الأزمي في رسالة موجهة إلى المجلس استقالته قائلاً: «بكل أسى وأسف وحسرة، وبعد صبر كبير، وتحمل ومكابدة وتردد، وربما تأخر، يؤسفني أن أقدم إلى المجلس الموقر استقالتي من رئاسة المجلس الوطني للحزب، ومن الأمانة العام للحزب». مضيفاً: «لم أعد أتحمل ولا أستوعب، ولا أستطيع أن أستسيغ ما يجري داخل الحزب ولا أقدر أن أغيّره، وعليه لا يمكنني أن أسايره من هذا الموقع، أو أكون شاهداً عليه».
وأشار الأزمي إلى أن الأمور داخل الحزب «أصبحت تسير بالمباغتة والمفاجأة، والهروب إلى الأمام، وتبرير كل شيء بكل شيء، في تناقض صارخ مع ما يؤسس هوية الحزب»، معتبراً أن «مؤسسة المجلس الوطني ومكانته، وبياناته ومواقفه، أصبحت تُستغل كمنصة للتهدئة وامتصاص الغضب».
وحسب مصادر مطّلعة في الحزب، فإن استقالة الرميد، عضو الأمانة العامة للحزب، مرتبطة بحالته الصحية لأنه أجرى عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما جعله يختفي عن الأنظار، كما خضع لعملية جراحية ثانية مستعجلة أول من أمس، حسب مصدر مقرب منه، ما جعله يطلب الاستقالة من مهامه الحكومية. لكن حسب مصدر آخر، فإن أسباباً أخرى قد تكون أسهمت في التعجيل بتقديم استقالته، تتعلق بخلافاته مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ومن أبرزها غضب الرميد من عدم إخباره المسبق من طرف العثماني بترتيبات عقد دورة استثنائية للبرلمان، مقررة في بداية مارس (آذار) المقبل.
وهناك سبب آخر ربما يكون أسهم في غضب الرميد، وهو ما جرى الحديث عنه من خلافات داخل الحكومة حول تقييم بعض الملفات الحقوقية، وأيضاً انزعاجه من ردود الفعل القوية الرافضة داخل حزبه لمشروع قانون حول الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، علماً بأن الرميد من المدافعين عن استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية. وربما كان تأجيل مجلس الحكومة، الخميس الماضي، المصادقة على هذا المشروع، سببه الخلافات التي اندلعت داخل الحزب حول هذا الموضوع. أما بخصوص استقالة الأزمي، فإنه اعتمد لغة التلميح إلى تطورات ومواقف داخل الحزب، قال إنه لم يعد يتحملها ولا يستسيغها من دون أن يشير إليها.
وحسب مصدر في الحزب، فإن الأزمي لا يستسيغ تبنّي حكومة العدالة والتنمية لمشروع قانون حول الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، إضافةً إلى موقفه الرافض لتوقيع العثماني، الأمين العام للحزب، على اتفاقية استئناف العلاقات مع إسرائيل في 22 ديسمبر الماضي. فهذان الموقفان أثارا جدلاً داخل الحزب، وخلّفا ردود فعل داخل مؤسساته، أبرزها استقالة عبد العزيز العمري من الأمانة العامة للحزب، وتجميد البرلماني المقرئ أبو زيد عضويته في الحزب.
وفي ظل استقالة الأزمي، المعروف بقربه من رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، واستقالة الرميد من الحكومة، يرى المراقبون أن الحزب مقبل على رجّة داخلية كبيرة قد تُفقده توازنه، وهو يستعد للانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، المقررة في الأشهر القليلة المقبلة، خصوصاً مع ارتفاع دعوات لعقد مؤتمر استثنائي للحزب.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».