قادة الاتحاد الأوروبي يبحثون التعاون الأمني مع الـ«ناتو»

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ (إ.ب.أ)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ (إ.ب.أ)
TT

قادة الاتحاد الأوروبي يبحثون التعاون الأمني مع الـ«ناتو»

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ (إ.ب.أ)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ (إ.ب.أ)

عقد قادة الاتحاد الأوروبي، أمس الجمعة، في اليوم الثاني، افتراضياً، لقاء استراتيجياً حول سياسة الأمن والدفاع الأوروبية وكيفية زيادة القدرة على الصمود أمام التحديات الأمنية الجديدة، وتعزيز استقلالية الاتحاد من أجل ضمان أمنه. وأكدوا في مسودة استنتاجات، اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية: «نريد تعزيز القدرة على التكيف وإعداد الاتحاد الأوروبي لمواجهة كل التهديدات والتحديات الأمنية بشكل فعال».
وانضم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ إلى المؤتمر عبر الفيديو؛ لمناقشة التعاون بين التكتل والحلف الدفاعي. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، عند استقباله ينس ستولتنبرغ، إن «شراكة قوية تتطلب شركاء أقوياء». وقال ستولتنبرغ قبل التوجه إلى المحادثات: «جهود الاتحاد الأوروبي تسير جنباً إلى جنب مع الجهود العسكرية عبر القارة». وأضاف: «لطالما كانت المهمة الرئيسية خلال هذه الجائحة هي ضمان ألا تتحول أزمة صحية إلى أزمة أمنية... نظراً لأن التهديدات التي واجهتنا قبل الجائحة ما زالت موجودة وهي التصرفات العدائية الروسية والمزيد من الأشكال الوحشية من الإرهاب والهجمات الإلكترونية المعقدة وصعود الصين والآثار الأمنية للتغير المناخي». وكان الاتحاد الأوروبي يحاول التنسيق بشكل أوثق بشأن مسائل الدفاع والأمن خلال السنوات القليلة الماضية، بخطط التمويل المشترك لمشاريع تطوير الدفاع على سبيل المثال. ويعتبر الهدف الأشمل هو استقلال استراتيجي أكبر، ما يسمح لأوروبا بإظهار مصالحها وقيمها على المسرح العالمي، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تتراجع مع نمو الصين وروسيا بشكل أكثر حزماً. ويصر الأوروبيون بشكل خاص على تعزيز شراكاتهم مع الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ويقولون: «هذا التعاون العالمي سيستفيد من وجود اتحاد أوروبي أقوى».
وكان قد استخدم وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن الصيغة نفسها خلال أول لقاء عقده عبر الفيديو، الاثنين، مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. وقال الأمين العام للحلف: «علينا أن نواجه نفس التهديدات، لا أوروبا ولا الولايات المتحدة قادرتان على القيام بذلك وحدهما». من جهته أفاد مسؤول أوروبي كبير بأن «قدرة الاتحاد الأوروبي على التصرف بشكل مستقل تقلق الدول الأعضاء الواقعة على خط المواجهة مع روسيا، لأنها تخشى فك ارتباط أوروبي حيال الحلف الأطلسي». وأضاف أن «قلقهم تعزز من خلال تشكيك بعض القادة في الولايات المتحدة وأوروبا بحلف الأطلسي».
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»، أنه «يجب إعادة النظر» في الحلف الأطلسي، لأنه صمم لمواجهة حلف «وارسو» الذي لم يعد قائماً. والدول الموقعة على هذا الحلف مع الاتحاد السوفياتي السابق، انضمت إلى الحلف الأطلسي وباتت أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو مرشحة للانضمام إليه. وشدد ماكرون، الخميس، على ضرورة أن تقوم أوروبا «باستباق الأشكال الجديدة من التهديدات، معلوماتية أو بحرية أو فضائية أو جوية». والخطر أيضاً مصدره الإرهاب. وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «مستوى التهديد اليوم مرتفع أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، وليس من روسيا فقط»، مضيفا: «لا يمضي يوم بدون حصول هجوم على البنى التحتية الاستراتيجية لدينا». وأعرب النائب الفرنسي أرنو دانجان (الجناح اليميني المؤيد للاتحاد الأوروبي) المتخصص في قضايا الدفاع عن أسفه لـ«الجدل الخاطئ» الذي نشأ بشأن استقلالية الاتحاد الأوروبي في المجال الدفاعي. وقال: «الجميع يعلم أن لب الحلف الأطلسي هو في دوره على الجبهة الشرقية في مواجهة روسيا». وقال إن «سياسة الدفاع الأوروبية تتعلق أكثر بإدارة الأزمات وتتركز على الجبهة الجنوبية في مناطق لم تعد من أولويات الولايات المتحدة». وأضاف: «يجب أن تكون لدينا استقلالية أوروبية فعلية على الجهة الجنوبية، لأن قرارات الحلف الأطلسي تتخذ بالإجماع وتركيا تطرح مشكلة، فهي تشل الحلف من خلال معارضة بعض العمليات في تلك المنطقة لا سيما في ليبيا». وقدمت المفوضية الأوروبية، في الآونة الأخيرة، إطاراً مع خطة عملها للتنسيق بين الصناعات المدنية والفضائية والدفاعية. وتخصص الموازنة الأوروبية ما قيمته مليار يورو سنوياً على مدى سبع سنوات لتمويل صندوق الدفاع الأوروبي. وسيتيح «تسهيل السلام» توفير أسلحة لشركاء الاتحاد الأوروبي، ويمكنه الآن تدريب وتجهيز قوات عسكرية في أفريقيا. وقال دبلوماسي: «لدى الأوروبيين الإمكانات اللازمة للتحرك. هم بحاجة إلى الإرادة السياسية. للأسف لم يحصل ذلك بعد. هناك دول مثل ألمانيا وإسبانيا والبرتغال ترفض المشاركة في مهام أبعد من مهام التدريب».

- الاتحاد الأوروبي يعلن رئيس بعثة فنزويلا «شخصاً غير مرغوب فيه»
أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي أن رئيس بعثة فنزويلا لدى التكتل شخص غير مرغوب فيه، وفقاً لبيان نشره المجلس على موقعه على الإنترنت. وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن هذه الخطوة تأتي رداً على قرار حكومة فنزويلا بإعلان رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى البلاد كشخص غير مرغوب
فيه. واعتبر الاتحاد الأوروبي إعلان فنزويلا غير مبرر تماماً، ويتعارض مع هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في تطوير العلاقات وبناء الشراكات في بلدان ثالثة.
كانت حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قد أعلنت، الأربعاء، أن سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى البلاد إيزابيل بريلهانت بيدروسا «شخص غير مرغوب فيه»، وأمهلتها 72 ساعة لمغادرة البلاد. وجاء القرار رداً على تمديد الاتحاد الأوروبي العقوبات على مؤيدين للرئيس مادورو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟