تنسيق بين أحزاب المعارضة اللبنانية استعداداً للانتخابات النيابية

توجه لمقاطعة الدعوة إلى اقتراعات فرعية

TT

تنسيق بين أحزاب المعارضة اللبنانية استعداداً للانتخابات النيابية

تنشط في الآونة الأخيرة الاجتماعات والنقاشات بين مجموعات وتكتلات وأحزاب المعارضة في محاولة لبلورة مشروع موحد سواء لتحديد كيفية التعامل مع المرحلة الراهنة، والأزمات التي انفجرت دفعة واحدة، كما الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة.
ورغم الاختلاف حول عدد من العناوين والأولويات ما يمنع تلاقي بعض الأحزاب والمجموعات، فإن المعطيات المتوافرة تفيد بأنه تم تحقيق خروقات كبيرة في هذا المجال يفترض أن تتجلى في الاستحقاقات المقبلة، وخصوصاً في حال تقرر إجراء الانتخابات النيابية الفرعية قريباً مع توجه لمقاطعة شاملة من قبل قوى المعارضة لهذا الاستحقاق.
وتنشط أخيراً حركة «المبادرة الوطنية» و«لقاء سيدة الجبل» في محاولة لإخراج البلد من الدوامة التي يدور فيها وإن كانا يركزان بخلاف باقي المجموعات على موضوع «حزب الله». وفي هذا الإطار، يقول النائب السابق أحمد فتفت لـ«الشرق الأوسط» إن «المعارضة التي يقوم بها تهدف للتصدي للواقع الحالي، واقع الاحتلال الإيراني للبلد من قبل (حزب الله) وبواسطة سلاحه، وهو ما نعتبره المرض الأساسي والمسبب الأساسي لكل المشاكل الأخرى في البلد». ويوضح فتفت أنه ورغم مواقفه التي لا تنسجم تماما مع مواقف «المستقبل»، لم يتم فصله من التيار ولم يقدّم استقالته، «حتى أنه لم يصلني أي اعتراض من قبل قيادة التيار على مواقفي، علماً بأنني أبلغت الرئيس الحريري أنني أتمسك بقناعاتي ومعركتي حتى النهاية، وخصوصاً بوجه (حزب الله) وما يقوم به خاصة مع تحول أمينه العام حسن نصر الله إلى مرشد أعلى للدولة اللبنانية».
ويضيف فتفت «نحن نعمل سواء في حركة المبادرة الوطنية أو لقاء سيدة الجبل اعتمادا على 3 ثوابت وهي الشرعية الدستورية - الطائف، الشرعية العربية والشرعية الدولية انطلاقا من القرارات الدولية وأساسها القرار 1559، كما أننا على تواصل مع الكثير من الفرقاء المعارضين سواء مع (الكتائب) أو النواب المستقيلين أو حزب (الوطنيين الأحرار) أو (القوات اللبنانية) وإن كنا لم نصل لتفاهم معهم، أو حتى الحزب (التقدمي الاشتراكي) في مسعى لتغيير الواقع الحالي، ليس بالضرورة من خلال تأليف جبهة سياسية، إنما وبشكل أساسي تحت عنوان العمل الوطني بعيدا عن السعي لمناصب في السلطة».
وقد عُقد مؤخرا اجتماع لأركان «لقاء سيدة الجبل» وحركة «المبادرة الوطنية» مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. ويشير مستشاره رامي الريس إلى أنه أتى تلبية لدعوة من اللقاء والحركة اللذين بادرا لفتح نقاش معه حول القضايا الوطنية والسياسية على اعتبار أن ثمة تقاطعاً كبيراً معه في المواقف السيادية والوطنية التي تؤكد رفض تحويل هوية لبنان وتشويهها والتعرض لصيغته التعددية والتنوع والحريات العامة.
ويوضح الريس لـ«الشرق الأوسط» أنه كانت هناك وجهات نظر متقاربة حول العناوين الوطنية الكبرى، إلا أن هناك تمايزا أكد عليه جنبلاط لناحية رفضه القرار 1559 وتمسكه بالعودة لمقررات حوار 2006، مضيفا «الحزب الاشتراكي متموضع اليوم في موقع معارضة التشوهات السياسية والدستورية الكبرى التي يشهدها لبنان في هذا العهد. هناك تواصل مع مختلف القوى السياسية لكنه لا يرتقي إلى مستوى نسج التحالفات السياسية أو الانتخابية، والتي نعتبر أنه من المبكر الحديث فيها، وإن كنا نطالب بتعديل قانون الانتخاب الذي نعتبره قانونا أرثوذكسيا مقنعا».
وعلى ضفة التشكيلات المدنية، تشير النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان المنتمية إلى «تحالف وطني» إلى أن عددا كبيرا من مجموعات المعارضة التي انبثق بعضها عن حراك 17 (تشرين الأول) 2019 تمكن من التوصل إلى تفاهمات وإلى نوع من الإطار الموحد بحيث باتت تصدر عنها بيانات مشتركة، ويتم العمل حاليا على بلورة مشروع موحد. وتوضح يعقوبيان لـ«الشرق الأوسط» أنه يتم التواصل مع باقي المجموعات والنواب المستقيلين وأحزاب المعارضة كي تنصب جهودنا بوجه قوى السلطة، ولا تضيع بخلافات ومواجهات داخلية في صفوف المعارضة.
وتشدد على أهمية أن يكون التوجه حاليا إلى منع قوى السلطة من عدم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، لافتة إلى أن الحديث عن إمكانية إجراء انتخابات فرعية هدفه الوصول إلى موعد الانتخابات العامة بمجلس نواب مكتمل ما يجعل التمديد يمر بسلاسة في رأيهم، وهو ما لن نسمح به. وتضيف: «من المرجح أن تقاطع قوى المعارضة الانتخابات الفرعية في حال قرروا إجراءها لأن خلاف ذلك نكون نسير وفق خطتهم القاضية بتطيير الانتخابات العامة».
وفيما ينشط عدد كبير من الكوادر السابقين في «التيار الوطني الحر» الذين فصلوا منه أو تقدموا باستقالاتهم على خط التنسيق مع مجموعات المعارضة، يتصدر حزب «الكتائب» بشكل أساسي أحزاب المعارضة التي تعمل على توحيد الصفوف. ويقول أمين عام الحزب سيرج داغر لـ«الشرق الأوسط» إن «المواجهة التي تخاض اليوم هي مع الميليشيا والمافيا اللتين تتحكمان بالبلد منذ أكثر من 5 سنوات»، لافتا إلى أنه «للإطاحة بهما يتم التنسيق مع قوى التغيير ومع النواب المستقيلين ومجموعات (الثورة) لاستبدال كل المنظومة بعدما سحبت الثقة منها وبات البرلمان فاقداً للشرعية الشعبية بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019».
ويوضح داغر أن الجهود تنكب على «محاولة إنشاء أطر للعمل المشترك وقد تقدمنا كثيرا في هذا المجال بحيث أعددنا أوراقاً سياسية واتفقنا على مبادئ أساسية انطلاقا من عنوانين رئيسيين هما السيادة والإصلاح». ويشير داغر إلى أنه «من واجبنا اليوم تقديم بديل عن الطبقة السياسية الموجودة من 30 سنة، سواء بالنهج أو الوجوه أو طريقة العمل أو الأولويات وعدم الارتهان للخارج». ويضيف «نحن نسعى لتقديم مشروع لإنقاذ الوطن من الطغمة الحاكمة على أن ينطلق تطبيقه قبل الانتخابات النيابية وخلالها عبر لوائح عابرة للمناطق والطوائف كما بعدها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.