النفط الليبي يعود مجدداً إلى «دائرة المساومات»

النقابة العامة للقطاع تُلوح بـ«تخفيض الإنتاج» إذا لم تستجب السلطات لمطالبها

جانب من ميناء الحريقة النفطي بشرق ليبيا (غيتي)
جانب من ميناء الحريقة النفطي بشرق ليبيا (غيتي)
TT

النفط الليبي يعود مجدداً إلى «دائرة المساومات»

جانب من ميناء الحريقة النفطي بشرق ليبيا (غيتي)
جانب من ميناء الحريقة النفطي بشرق ليبيا (غيتي)

عاد النفط الليبي مجدداً إلى «دائرة المساومات»، بعد تلويح النقابة العامة للعاملين في هذا القطاع، أمس، بالاتجاه لـ«تخفيض الإنتاج» إن لم تتم الاستجابة لمطالبها بزيادة رواتب منتسبيها، وسط تحذيرات من تأثير هذه الخطوة على الأوضاع المعيشية في البلاد.
ولم ينجُ النفط الليبي، الذي يوصف بأنه «قوت الشعب»، من «المساومات» منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، ودائماً ما تقع الموانئ والآبار في مرمى الاستهداف، إما لمطالب فئوية، وإما لمناكفات سياسية بين الأطراف المتنازعة.
وقال مسؤول بمؤسسة النفط الليبية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن «القطاع لم يتعافَ بعد، ولا يزال يعاني من تأثيرات إغلاقه مدة ثمانية أشهر بسبب الحرب على العاصمة طرابلس، ما تسبب في إلحاق أضرار واسعة في بنيته التحتية»، مبرزاً أن الخسائر التي تكبدتها البلاد، وبلغت 10 مليارات دولار، «أثرت بالتبعية على حياة المواطنين، وعطلت قطاعات حيوية مثل الكهرباء».
وقالت النقابة العامة للنفط، في بيان، أمس، إنها ستمهل «الجهات السيادية» المسؤولة في الدولة أسبوعاً للرد على مطالبتها بـ«زيادة رواتب العاملين في هذا القطاع، وتوضيح الأسباب التي أدت إلى عرقلة القرار رقم 642 لسنة 2013، بكل شفافية ووضوح»، مشيرة إلى أنها بذلت كل ما بوسعها طيلة عام للمطالبة بحقوق عمالها، وفي مقدمتها زيادة مرتبات العاملين في قطاع النفط، وتنفيذ البرامج الطبية والمعيشية لموظفي القطاع وفق القانون، لافتة إلى أنها اجتمعت مع الجهات المعنية كافة، «إلا أنها لم ترد حتى اللحظة على مراسلات النقابة بشكل رسمي، رغم المتابعة المستمرة من أعضاء النقابة».
وذهبت النقابة إلى أن الجهات المسؤولة «تتهرب من المسؤولية، وتتعمد تجاهل مطالبها وعدم الاهتمام بها، رغم تنفيذ قرارات مماثلة لجهات أخرى، خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد ميلاد حكومة جديدة، وفي ظل تسابق وصراع على المناصب في الدولة لاستمرار الفساد، ودمار الاقتصاد الوطني».
وجاء بيان النقابة عقب اجتماع طارئ لجمعيتها العمومية، مساء أول من أمس بمدينة جنزور، ناقش بعض الموضوعات المطروحة على أعضاء النقابات والاتحادات الأساسية، المتمثلة في قرار زيادة الرواتب، والتأمين الصحي وتأخر الأجور.
وعاد إنتاج وضخ النفط الليبي، عقب اتفاق أبرمه أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، والمشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» في 18 من سبتمبر (أيلول) عام 2020، بعد إغلاق الموانئ والحقول قرابة ثمانية أشهر من قبل موالين لحفتر، ما كبّد ليبيا خسائر بلغت 10 مليارات دولار.
وصعّدت النقابة العامة للنفط من لهجتها، وقالت إنها ستتخذ «إجراءات تصعيدية، وستعلن انطلاق حراك لانتزاع حقوقها بكل الطرق والوسائل، بما فيها تخفيض الإنتاج التدريجي للنفط، بما يخوله القانون والإعلان الدستوري، وبما تنص عليه الاتفاقات الدولية، حال عدم الاستجابة لمطالبها وتعمد مزيد من المماطلة».
كما أكدت النقابة على «التزامها مبدأ الترتيب الإداري والمنحى القانوني في المطالبة بحقوق المستخدمين، إدراكاً منها لأهمية القطاع في استقرار الوطن، غير أن المسؤولين لم يقدروا هذه المسؤولية بعدم تجاوبهم مع القضايا المهمة، والحقوق الضائعة لأكثر من 7 سنوات، أو الرد عليها كتابياً، بما يطمئن العاملين بقطاع النفط»، وأضافت النقابة موضحة: «اتبعنا جميع الطرق الحضارية مراعاة لمصلحة البلاد واقتصادها، إلا أن البعض فسّر هذا الأسلوب بالضعف وقلة الحيلة». وانتهت النقابة العامة إلى أنه مع «استمرار تردي أوضاع العاملين بالحقول، وما يواجهونه من ظروف وبيئة عمل مزرية ومذلة، وفي ظل انسداد الأفق وتعمد تهميش حقوق العاملين بقطاع النفط، فإنها تواصلت مع العمال في مختلف الحقوق، وقررت منح جهات الدولة مهلة لمدة أسبوع قبل البدء في الخطوات التصعيدية، ومنها التخفيض التدريجي للإنتاج».
وفي الخامس من يناير (كانون الثاني) توقف ميناء الحريقة النفطي بمدينة طبرق (شرق ليبيا) عن العمل، على خلفية احتجاج أفراد حرس المنشآت النفطية، بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم، ومنعوا السماح لناقلة نفطية بتحميل النفط.
في سياق قريب، أعلنت شركة البريقة لتسويق النفط، أمس، أنها وجهت الناقلة «أنوار الخليج» المحملة بـ34 مليون لتر من البنزين إلى العاصمة، وذلك «في إطار سعي الشركة لتوفير المحروقات بمختلف أنواعها، وتمكين المواطن من الحصول عليها عبر قنوات التوزيع»، ودعتهم إلى عدم الازدحام على محطات الوقود.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.