أدب الرحلة في كتابات إماراتية

المرأة تؤكد حضورها في مجال كان حكراً على الرجال

أدب الرحلة في كتابات إماراتية
TT

أدب الرحلة في كتابات إماراتية

أدب الرحلة في كتابات إماراتية

سعى الناقد الجزائري الرشيد بوشعير إلى كشف الصلة بين الرواية الإماراتية والكتابات التي أسهم بها المبدعون في مجال أدب الرحلة، وهو يحاول في كتابه «في خطاب السرود الإماراتية المعاصرة» وضع يده على الفروق والخصائص التي تميز أدب الرحلة الذي يكتبه مبدعون رجال، عن غيره مما تبدعه الكاتبات، كما اهتم بوشعير ببحث مدى استفادة الرواية الإماراتية من نظريات علم النفس، والاجتماع، وتوظيفها للحكاية الشعبية، ما يعكس كثيراً من اهتمامه بتطور فنون السرد الإماراتية وأشكالها، خصوصاً في مجال الرحلة والرواية.

- خصائص ذكورية وأنثوية
يتضمن الكتاب، الذي صدر حديثاً عن دار صفصافة للنشر والتوزيع المصرية، خمسة فصول. يعقد المؤلف في الفصل الأول «مقابلة بين منهج الكتَّاب ومنهج الكاتبات»، فيتناول كلاً من محمد المر ووديان سمحان النعيمي «حول العالم في 22 يوماً»، ووديان سمحان «جواز سفر مستعمل جداً»، ومريم البلوشي «سفر الذاكرة»، محاولاً أن يجد الفروقات بين أدب الرحلات الذكوري وأدب الرحلات النسوي، مع رصد ملامح كل منهما والخصائص التي تميزه عن الآخر.
وهنا يرى بوشعير أنه رغم كون أدب الرحلة يكاد يكون حكراً على الرجال، فإن المرأة أصبحت، حديثاً، تسهم في إثرائه. أما في العصور القديمة فلم تكن تستطيع قطع المسافات الطويلة عبر الأدغال والصحاري والبحار والأودية والجبال والمدن النائية كي تكتب عن مشاهداتها، ولكن في العصر الراهن توفرت سبل المواصلات السريعة والمتطلبات الأمنية والاقتصادية والثقافية الضرورية، لذا أخذ الكثير من المبدعات، وبينهن الإماراتيات، يسهمن بشكل بارز في كتابة أدب الرحلات.
وذكر الناقد أن ملامح النسوية في الرحلتين الأخيرتين لـوديان النعيمي ومريم البلوشي تتراءى في النزوع الذاتي، والحديث عن أمور ذات طابع خاص، ومقاربة فنون أدبية أخرى، خصوصاً المذكرات والسيرة الذاتية، والمقالة، وهي الأكثر تعبيراً عن الذات، بعد الشعر. ومن هنا، انحرف أدب الرحلة عن وظائفه الاستكشافية الموضوعية التي حققتها رحلة الأديب محمد المر إلى حد ما، وأخذ يعكس تبايناً جوهريا بين أدب الرحلة الذكوري وأدب الرحلة النسوي في المشهد الأدبي الإماراتي المعاصر.

- الفكرة وتوظيف الحكاية
وفي الفصل الثاني «الحكاية الشعبية في الرواية الإماراتية... رواية (أم الدويس) لعلي أبو الريش أنموذجاً»، يشير بوشعير إلى أنها ليست رواية فعل، بل رواية فكرة وتحليل سيكولوجي، وبذخ لغوي وأسلوبي، لذلك يصعب تلخيص أحداثها. وعلى الرغم من تعدد الشخصيات فيها، يظل بطلها «فيروز» الضليع بعلم النفس والتفكير الفلسفي محورها الذي تدور حوله كل الشخوص والمواقف والأحداث، حيث يمسك بزمام السرد وفعل القص ويهيمن على الرؤية الفكرية النصية، ولكن هذه الهيمنة لم تكن كافية لحبك فعل بنائي متماسك.
البطولة هنا، كما يرى المؤلف، ليست بطولة إيجابية تتعلق بإنجاز فعل اجتماعي أو حضاري أو وطني أو قومي مميز، بقدر ما هي بطولة ذهنية سيكولوجية؛ ذلك أن حضور فيروز في الرواية يقتصر على خروجه من جزيرته المعزولة، وينشئ علاقات تستهدف فقط البحث عن منشأ الخرافة أو الأسطورة وتناقضها مع العلم في الباطن السيكولوجي، وفي الواقع الموضوعي الاجتماعي، سواء بسواء، وذلك من خلال توظيف حكاية أم الدويس الرائجة في الأدب الشعبي الإماراتي.
ولكن هذه الحكاية، كما يرويها الشيخ ضاوي بالرواية، لا تقتصر على التراث السردي الشفوي الإماراتي، وإنما تعود بجذورها إلى التراث السردي الإنساني العالمي؛ فهي امرأة جبارة، ماكرة، مخادعة، ذكية وعدوانية؛ شرسة، لم تتخصص في إرهاب الأطفال كما هو شائع، بل كانت يدها العملاقة تمتد لتطال الرجال والنساء.
ولا يكتفي علي أبو الريش، حسب رأي بوشعير، بتوظيف الحكاية الشعبية كما تروى في السرديات الإماراتية، ولكنه يعيد صياغتها فيخضعها لخياله ويربطها بالتراث السردي الإنساني، ويغير معالمها الفولكلورية، للتعبير عن الصراع بين العلم والخرافة سيكولوجياً واجتماعياً، لافتاً إلى أن هذا ليس جديداً في أعماله؛ فقد سبق أن طرحه على استحياء في أعمال روائية أخرى له، خصوصاً في «نافذة الجنون» و«تل الصنم»، من خلال الصراع بين شخصية الأم التي تحاول أن تحاصر ابنها بطقوس أسطورية خرافية تزرع الخوف في وجدانه، وشخصية الابن الذي يتطلع إلى الانعتاق والتحرر والتفكير العلمي المنطقي.
كذلك استخدامه المعرفة السيكولوجية وتوظيفها كنسق سردي خصوصاً في روايته «قميص سارة» وغيرها، حيث يطالعنا هذا المنحى بقوة في ثنائية «مجبل بن شهوان» و«نافذة الجنون»، و«ثلاثية الحب والماء والتراب»، و«تل الصنم»، ويشير المؤلف إلى أنها أعمال يسيطر على أحداثها أبطال سلبيون يعانون من اضطرابات سيكولوجية، مثل الحصر، وعقدة الاضطهاد، والإخصاء، والهلوسة، والسادية. وتعد رواية «قميص سارة» امتداداً لتلك الأعمال، فهي تركز على عقدة سيكولوجية وهي عقدة أوديب التي تحكم سلوك «آدم» الفتى البكر لسلمان المتسلط الفظ، وسارة زوجته الرقيقة المطيعة، وخلال الأحداث الروائية لا يترك أبو الريش بطله فريسة لهواجسه وآلامه تفتك به، بل تظهر شخصية عبد الحميد المرشد الاجتماعي الذي يكتشف بذرة التفوق والموهبة الفطرية في أعماق آدم، ويراهن على تنميتها ورعايتها حتى تثمر مبدعاً تشكيلياً يحظى باحترام المدرسين والرسامين وينال الجوائز التقديرية.

- الحنين للأماكن
ويركز الناقد الجزائري في الفصل الرابع «إيقاع الحيز في رواية (نداء الأماكن/ خزينة)» للكاتبة مريم الغفلي، على دراسة أثر المكان أو الحيز بوصفه العنصر الأهم في بناء الرواية، والمقصود بالحيز هنا ليس الفضاء العمراني أو الفضاء الطبيعي من جبال وسهول ووديان وكثبان وأشجار، فحسب، لكنه الأشياء والمقتنيات والملابس والصناديق واللوحات الزيتية، وما إلى ذلك، حيث يتجلى الاحتفال بالحيز في هذه الرواية منذ عتبة العنوان، ويشكل حضوراً قوياً في عالمها؛ فعلى امتداد 19 فصلاً تستحضر الكاتبة الحيز التاريخي وما طرأ عليه من تغيرات على أثر اكتشاف النفط واستثماره بالإمارات المتحدة، خصوصاً إمارة أبوظبي.
ويشير بوشعير إلى أن مريم الغفلي تبدو خلال أحداث روايتها مسكونة بالحيز، لا تكتفي باستحضاره في سياق السرد، وإنما تؤنسنه وتضفي عليه مسحة أسطورية؛ حيث تتوق شخوص «نداء الأماكن»، إلى الفضاءات الجغرافية والمعمارية القديمة لكونها مرتعاً لتجاربها الإنسانية المترسبة في الذاكرة الجماعية التي تغدو مصدر إثراء للتعبير الأدبي منذ العصر الجاهلي حتى الآن، فمريم الغفلي لم تصف فضاءات معيشيق والعين بغرض الوصف، وإنما بغرض التعبير عن الحنين إلى الماضي الذي تعرض جوهره لرياح التغيير السريع، فاقتلع المتشبثين به من جذورهم.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.