قراءة أوروبية في تمهل طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات

رغم مرور 5 أيام على بيان وزراء خارجية الرباعي الغربي )فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة( الذي نص على قبول الطرف الأميركي الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، في إطار مجموعة 5+1، وتكليف «وزير» خارجية الاتحاد جوزيب بوريل القيام بالاتصالات اللازمة، لم يصدر بعد، أقله علناً، جواب من طهران بالقبول أو بالرفض، بعكس الموقف الأميركي القابل الذي عبّر عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤولون آخرون.
وحتى أمس، اقتصر الرد الإيراني على القول بأن طهران «تدرس» الاقتراح. وكشف بوريل، عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، شارك في قسم منه بلينكن عبر الفيديو، عن وجود «اتصالات دبلوماسية مكثفة»، مضيفاً أنه يسعى بصفته منسقاً للاتفاق ورئيس اللجنة المشتركة لتنفيذه، لتوفير ما سماه «مساحة للعمل الدبلوماسي» آملاً التوصل إلى الإعلان في الأيام القليلة المقبلة، عن «خبر» سار بخصوص نتيجة اتصالاته.
السؤال الذي يطرح نفسه في الأوساط الأوروبية المعنية بالملف المذكور يتناول الأسباب التي من شأنها أن «تفسر» التردد الإيراني في قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات واضحة الغرض وهي عودة الطرفين الإيراني والأميركي إلى العمل بالتزامات الاتفاق.
ترى المصادر الأوروبية أن طهران ما زالت حتى اليوم متمسكة بطرحها الأول الذي يقول إنه «لا حاجة للمفاوضات» بشأن الاتفاق القائم بذاته، الذي تبناه القرار الأممي 2231 في صيف 2015، وأن طهران «غير مهتمة» بعودة واشنطن إليه، إذ إن ما يهمها هو رفع العقوبات كافة، وفي حال تمت هذه الخطوة، فإنها مستعدة للرجوع «فوراً» عن انتهاك التزاماتها، وآخرها البدء بإنتاج اليورانيوم المعدني المستخدم في تصنيع القنبلة النووية، ووقف البروتوكول الإضافي.
وبالمقابل، فإن الموقف الأميركي، بعد الخطوات «الرمزية» التي أقدمت عليها واشنطن الأسبوع الماضي (توسيع دائرة تحرك الدبلوماسيين الإيرانيين في الأمم المتحدة، والتراجع عن قرار ترمب الداعي لإعادة فرض العقوبات الدولية، وقبول الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات)، غدا واضحاً؛ لا «هدايا» إضافية لإيران قبل المفاوضات، بمعنى أن أي خطوة أميركية لاحقة يجب أن تنبع مما ستسفر عنه المفاوضات. كما أن إدارة بايدن تريد أن تكون سياستها تجاه طهران بالتشاور مع الكونغرس حيث توجد مجموعة واسعة رافضة لأي تساهل مع طهران.
وبحسب بلينكن، فإن واشنطن تريد العمل مع الحلفاء من أجل «تعزيز الاتفاق ومد فترته الزمنية ومعالجة المواضيع الأخرى المثيرة للقلق»، ذاكراً منها أنشطة إيران «المزعزعة للاستقرار» و«تطوير وانتشار صواريخها الباليستية». ويؤكد بلينكن أن بلاده «لن تسمح أبداً بتحول إيران لقوة نووية»، وترى أن «الدبلوماسية هي الطريق»، المفضية لهذا الهدف. إذا كان الغرض من المفاوضات المرتقبة تحقيق هذه الغايات، فمن الواضح، وفق القراءة الأوروبية، أن إيران «غير مرتاحة ومتشجعة للدخول في غمارها»، رغم أن المطلوب في المرحلة الأولى أن تكون «غير رسمية» و«استكشافية» وعلى «مستوى منخفض».
لكن مشكلة طهران، كما تقول الأوساط الأوروبية، أنها ربما كانت تأمل أن يعمد بايدن إلى رفع العقوبات لتعود الأمور إلى سابق عهدها، وهو ما لم يحدث، والأرجح أنه لن يحصل. من هنا، تعتبر هذه الأوساط أن طهران «تريد أن تعرف مسبقاً أين تضع قدميها وإلى أين يمكن أن تفضي هذه المفاوضات».
وفي ظل الصراع الداخلي الإيراني بين تيارين؛ واحد متشدد رافض لأي «تنازل» للغرب، وآخر أقل تشدداً يعي أن باب الخروج من العقوبات ضيق للغاية، وأن التعامل مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية يفترض الاستجابة لمطلب المفاوضات، فإن المفاوضات تضع إيران في موقف حرج.
وبحسب القراءة الغربية، فإن التصعيد الذي تعمد إليه طهران وآخر تجلياته إعلان «المرشد» الإيراني علي خامنئي عن استعداد بلاده لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة إذا دعت الحاجة لذلك، ليس سوى من باب «مراكمة الأوراق التفاوضية».
يضاف إلى ذلك، أن الجميع متيقن اليوم أن ورقة الضغط الرئيسية على طهران عنوانها العقوبات الأميركية، وبالتالي فإن تراجع واشنطن عنها يعني أنها أصبحت فارغة اليدين ولن تمتلك ما سيمكنها لاحقاً من أن تفرض على طهران تناول الملفات الإضافية، أي برامجها الصاروخية ــ الباليستية وسياستها الإقليمية، فضلاً عن إطالة أمد صلاحية الاتفاق لما بعد العام 2025.
وباختصار، يريد الغرب «الأميركي والأوروبي» أن يتأكد من أن إيران «لن تصبح أبداً قوة نووية»، وهو ما أكد عليه الرئيس بايدن، وكرره بلينكن في كلمته إلى مؤتمر نزع السلاح الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف.
حقيقة الأمر أن إيران تعي اليوم أنها خسرت ورقة اللعب على التناقضات الأميركية - الأوروبية السابقة، وأن بايدن حريص على التشاور في كل خطوة مع الأوروبيين الثلاثة، الأمر الذي يقوي موقفه كما أنه يريد أن يكون للأطراف الإقليمية دور في المفاوضات الخاصة بأمن الإقليم.
وإزاء هذه الملفات الساخنة كافة، ستكون طهران معرضة للضغوط القوية، وستكون مدعوة للخوض فيها، رغم رفضها المعروف التفاوض على اتفاق نووي جديد، ورفضها فتح الملف الباليستي، باعتباره يتعلق بـ«الأمن القومي». أما بشأن أنشطتها الإقليمية، فإنها تعتبر نفسها «قوة استقرار» في المنطقة، وأن الآخرين هم الذين يهددونه.
ولذا، فإن العوائق على درب التفاوض كثيرة، ومهلة الأشهر الثلاثة التي حصل عليها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية رافاييل غروسي في طهران قد لا تكون كافية لسلوك درب المفاوضات مجدداً، خصوصاً أنها تحل في عز العراك الانتخابي الإيراني.