معرض القاهرة للكتاب.. تراجع الإقبال على الكتب السياسية والدينية لصالح الرواية

الأسعار المخفضة وحفلات التوقيع سر نجاحه والكتب المزورة أقبح ما فيه

جانب من الحضور في إحدى الندوات
جانب من الحضور في إحدى الندوات
TT

معرض القاهرة للكتاب.. تراجع الإقبال على الكتب السياسية والدينية لصالح الرواية

جانب من الحضور في إحدى الندوات
جانب من الحضور في إحدى الندوات

تسير حليمة عبد الله الطالبة المبتعثة من المملكة العربية السعودية إلى أستراليا في أرض المعارض بمدينة نصر، محملة بعشرات الكتب والمراجع العلمية، بعد أن تحملت الانتظار ساعة كاملة حتى تتمكن من التجول بين أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وانتقاء قائمتها التي تعدها كل عام؛ حيث تحرص منذ طفولتها على اغتنام فرصة المعرض للحصول على أحدث الإصدارات، تقول: «أجد هنا تنوعا كبيرا في دور النشر العربية والأجنبية، وأيضا أحدث المراجع العلمية والأعمال الروائية للأدباء المصريين؛ لذا أحرص على زيارته وانتقي بعض الكتب كهدايا للأصدقاء الذين لا يستطيعون القدوم لمصر، لكن جولتي في المعرض هذا العام منهكة جدا بسبب الزحام والإقبال الكبير الذي لم أره في أي معرض من معارض العالم».
أما سامح صلاح (من مصر) الذي يحرص على اصطحاب أسرته سنويا لزيارة المعرض، فوقف أمام المقهى الثقافي مستعرضا على هاتفه الذكي مواعيد الندوات عبر تطبيق «عم أمين»، معبرا عن امتنانه بتنظيم المعرض هذا العام، خصوصا انتظام مواعيد الندوات وإقامتها في مواعيدها المحددة، إلا أنه لم يجد تغيرا كبيرا في أسعار الكتب عن أسعارها العادية بقية العام، عدا بعض العناوين التي وجد عليها تخفيضا جيدا، كما لاحظ تضاؤل مساحة بعض أجنحة المعرض، ومنها: جناح الجامعة الأميركية، و«الشروق»، و«مدبولي». ولاحظ اختفاء الحافلات التي كانت توفرها القوات المسلحة لتسهل عملية انتقال الجمهور، مما جعله لا يستكمل جولته.
ورغم غياب الفعاليات الفنية حدادا على خادم الحرمين الشريفين، والجنود المصريين الذين استشهدوا في العريش، فإنه بشكل عام توجد حالة من الإقبال والرضا عن المعرض بين الزوار، ورغم ساعات الانتظار الطويلة على البوابات لتشديد الإجراءات الأمنية فإن عددا كبيرا من الأسر المصرية انتهزت فرصة انعقاد المعرض المستمر حتى 12 فبراير (شباط)، ووجود مساحات خضراء لقضاء وقت ممتع في الهواء الطلق، خصوصا أنه يواكب إجازة منتصف العام الدراسي.
كان من اللافت أيضا هذا العام، وجود جنسيات كثيرة بين زوار المعرض غالبيتهم من إندونيسيا، وماليزيا، ونيجيريا، وموريتانيا، الذين يدرسون في جامعة الأزهر. وقد وجد القراء من مختلف الجنسيات هذا العام ما يشبع نهمهم من عناوين؛ حيث شاركت 26 دولة من مختلف أنحاء العالم، ولأول مرة شاركت 4 دول أفريقية، بمشاركة 850 ناشرا، منهم: 50 ناشرا أجنبيا، و250 ناشرا عربيا، و550 ناشرا مصريا، مما أعطى تنوعا محمودا.
أمام جناح سور الأزبكية الذي يضم باعة الكتب القديمة، تتراص أطنان من الكتب والمجلدات في مختلف المجالات والمراجع العلمية والتعليمية تعلوها لافتات ورقية بـ5 جنيهات، و10 جنيهات و20 جنيها، في انتظار من يفوز بها. تقف مي السلمي بعربة طفلها مكدسة الجزء السفلي منها بعشرات الكتب وتراجع بصعوبة وسط الزحام، قائمة طويلة من الكتب التي ترغب في شرائها كي تنافس أصدقاءها على موقع «جودريدز». تقول: «أستغل وقت انقطاعي عن العمل لرعاية طفلي، في القراءة، وأخوض مع صديقاتي تحدي (جودريدز) لهذا العام لقراءة 200 كتاب، وفي (سور الأزبكية) أجد ما أبحث عنه بأسعار زهيدة جدا؛ حيث قمت بشراء عدد من روايات نجيب محفوظ، والغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد، سعر الرواية 5 جنيهات، وقصص لطفلي بجنيه واحد!
ووقف أحمد أنور، أحد الباعة بمكتبات «سور الأزبكية»، ينادي على الكتب والروايات ذات السعر الموحد لجذب الزائرين، وحول الإقبال الشديد على الكتب المخفضة، وهو يقول: «أمر طبيعي في ظل ارتفاع أسعار الكتب في دور النشر الكبرى، أن يعتبر المعرض فرصة لعشاق القراءة أن ينتقوا ما يريدون، ونحن نحرص على جمع أفضل ما لدينا من كتب لعرضها، خصوصا التي يسأل عنها زبائن السور طوال العام».
على الجهة الأخرى، أقامت وزارة الثقافة المصرية جناحا مخصصا لإصدارتها المختلفة بتخفيضات لأكثر من 50 في المائة، وهو ما لاقى إقبالا كبيرا من الجمهور وساهم في نفاد كثير من الكتب المتميزة. وكان من أبرز المعروضات: الأعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوي التي تباع بـ10 جنيهات، وموسوعة مصر القديمة بـ10 جنيهات، ومجلد أطلس بـ40 جنيها، وعدد كبير من الكتب في النقد والأدب والمسرح والشعر والفن التشكيلي، سعر أي منها جنيه واحد.
وعلى الرغم من جهود الهيئة المصرية العامة للكتاب، فإنه كان من اللافت انتشار بيع الكتب المزورة بين بعض مكتبات «سور الأزبكية» رغم علمهم بوجود شرطة المصنفات، ولاحظنا إقبال عدد كبير من الشباب على الروايات الجديدة التي تم تزويرها، والتي تتصدر قوائم الأكثر مبيعا، ومنها: رواية «انحراف حاد» لأشرف الخمايسي، ورواية «أداجيو» لإبراهيم عبد المجيد، و«كلاب الراعي» لأشرف العشماوي، فضلا عن كتب يوسف زيدان، وترجمات مزورة لكتب جورج أورويل، ودان براون، وإيزابيل الليندي.
وتثير هذه الظاهرة الآخذة في التزايد غضب الناشرين. يقول مصطفى الفرماوي، مدير مكتبات دار الشروق، لـ«الشرق الأوسط»: «لا تزال ظاهرة تزوير الكتب تهدد صناعة النشر في مصر، وقد فاقت هذا العام كل الحدود، فقد وجدت بنفسي أحد أشهر مزوري الكتب في مصر يرتاد دور النشر ليشتري أحدث الإصدارات، بل ويقول للناشرين بكل تبجح لن أطبعها الآن!». وينتقد الفرماوي وجود كتب تروج للفكر التكفيري والجهادي ضمن معروضات «سور الأزبكية»، وهو ممنوع من قبل الدولة المصرية.
من جهة أخرى، يرى الفرماوي أن «المبيعات هذا العام أفضل من العام الماضي وما زال المعرض مستمرا، لا يمكن الحكم عليه بشكل شامل، وقد تأثرت المبيعات قليلا بعدم وجود وسيلة تنقل بين سرايات المعرض، وأيضا إهدار الوقت في الدخول عبر البوابات، واليوم الشتوي نهاره قصير، مما يؤثر بالطبع على نسبة المبيعات». وهو يعتقد أن السر في الإقبال الشبابي على المعرض يعود إلى «أن الشباب وجد من يكتب له، ووجد كثيرا من دور النشر الشابة».
ويذكر أن دار الشروق قدمت تخفيضات على إصدارتها تصل إلى 50 في المائة سواء في جناحها أو في كافة مكتباتها، مراعاة لمن لا يستطيع الوجود في المعرض، تشجيعا للشباب على اقتناء الكتب.
وحول تقييمه للمعرض، يرى الفرماوي أنه «أحسن معرض في الدنيا، ولا يوجد معرض في العالم به كثافة وتنوع جمهور معرض القاهرة»، مشيرا إلى أن «هناك قليلا من عدم التنظيم وعدم الرقابة على الناشرين، لكنها أقل من الأعوام الماضية وتغلبت الإيجابيات على السلبيات».
وكان من الكتب الأكثر مبيعا في جناح دار الشروق كتاب «في طريق الأذى» ليسرى فوده، و«داعش السكين التي تذبح الإسلام» لناجح إبراهيم، وروايات: بن سالم حميش «من ذكر وأنثى»، و«إيقاع» لوجدي الكومي، وأحمد خالد توفيق وروايته الجديدة «مثل إيكاروس»، وكتاب علي عزت بيجوفيتش «الإسلام بين الشرق والغرب»
كما يتفق معه مصطفى الشيخ، مدير دار آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة، في أن المعرض هذا العام حقق نجاحا كبيرا، ولفت إلى أن «الإقبال الجماهيري على المعرض كان إقبالا كبيرا فاق كل التوقعات، مما يؤكد أن مصر تسير نحو الاستقرار رغم كل ما يحدث»، موضحا أن «الإقبال أيام الإجازات الأسبوعية كان رهيبا». ويضيف: «هناك اجتهاد من قبل الناشرين المصريين؛ حيث توجد آلاف العناوين الجديدة التي تشبع كل الأذواق». ويلاحظ الشيخ تبدل ذائقة القراء قليلا من الكتب الخاصة بالثورة إلى كتب الشباب والكتب الخفيفة والروايات العربية والروايات المترجمة، وكتب التصوف.
ومن أحدث إصدارات دار آفاق التي لقيت إقبالا في المعرض: الأعمال الكاملة لعبده جبير، وكتاب ويليام رايش والتحليل النفسي، وروايات عادل أسعد الميري، و«مائة عام من العزلة» لماركيز، و«المملكة المحرمة» لجان جاكوب سلوروف، ورواية «العيش في مكان آخر» لمحمود عبد الوهاب، فضلا عن الكتب والمراجع العلمية.
وشهد المعرض هذا العام أيضا مشاركة عدد كبير من المثقفين والأدباء والكتاب في حفلات التوقيع والندوات واللقاءات اليومية، مما أعطى زخما للمعرض وجذب عددا كبيرا من الجمهور. وانصب النشاط الثقافي للمعرض على النقاش حول الوجوه المتعددة للإرهاب، وتجديد الخطاب الديني، ومناقشات للكتب التي صدرت في هذا الصدد، ومنها: «الإرهاب.. بذوره وبثوره» تألیف: د. هشام الحديدي، و«الإطاحة بحكم المرشد» تألیف: د. خلیل كلفت، و«اقتصادیات جماعة الإخوان في مصر والعالم» تألیف: د. عبد الخالق فاروق، وغيرها.
كما كان لافتا تعمد دور النشر على وضع الروايات التي تتحدث عن صعود التيار الديني أو الكتب الخاصة بالإسلام الوسطي، والإسلام السياسي، والفكر العلماني، والجماعات الإرهابية والفكر التكفيري، في واجهة العناوين التي تحاصر الزائر في معظم الأجنحة. وكان أبرزها كتب المفكر الراحل د. فرج فودة «نكون أو لا نكون»، و«الإرهاب»، و«النذير»، و«الملعوب»، و«قبل السقوط»، و«حوار حول العلمانية»، و«الحقيقة الغائبة»، التي طرحتها الهيئة العامة للكتاب.
وعلى عكس المتوقع، لم تختف من المعرض دور النشر الدينية أو التي تنتمي للتيار الإسلامي، فهي موجودة بمطبوعاتها بجوار خيمة ألمانيا، إلا أن الإقبال عليها كان أقل من دور النشر الأخرى. وكان من اللافت وجود عدد كبير من دور النشر الجديدة، من بينها: دار الربيع العربي، ودار الحياة، ودار دون، ودار كيان، وبيت الياسمين، ودار ذات، ودار سطور، بعناوين متنوعة مع حرص واضح على ترجمة الأدب العالمي.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.