فتح ملفات الفساد في ليبيا... «أمنيات مؤجلة» مع تعاقب الحكومات

سياسيون يرون أن «عودة الدولة» ستقضي على «لصوص المال العام»

رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد دبيبة خلال مشاركته في احتفالات الذكرى العاشرة لـ«انتفاضة 17 فبراير» في العاصمة طرابلس الأربعاء الماضي (رويترز)
رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد دبيبة خلال مشاركته في احتفالات الذكرى العاشرة لـ«انتفاضة 17 فبراير» في العاصمة طرابلس الأربعاء الماضي (رويترز)
TT

فتح ملفات الفساد في ليبيا... «أمنيات مؤجلة» مع تعاقب الحكومات

رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد دبيبة خلال مشاركته في احتفالات الذكرى العاشرة لـ«انتفاضة 17 فبراير» في العاصمة طرابلس الأربعاء الماضي (رويترز)
رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد دبيبة خلال مشاركته في احتفالات الذكرى العاشرة لـ«انتفاضة 17 فبراير» في العاصمة طرابلس الأربعاء الماضي (رويترز)

تعاني ليبيا من تفشي ظاهرة الفساد، وفق تقارير محلية ودولية، مما سهل تحول أشخاص عاديين وعناصر مسلحة إلى أصحاب ثروات ضخمة. لكن مع قرب تولي سلطة تنفيذية جديدة بالبلاد، طرح متابعون أسئلة حول قدرة الحكومة الجديدة على فتح ملفات الفساد، ومدى إخضاع كبار الشخصيات في ليبيا للمساءلة عن فترة توليهم المسؤولية.
واقترح عضو مجلس النواب الليبي بطبرق، حسن البرغوثي، تشكيل لجان من قبل الجهات الرقابية كديوان المحاسبة والرقابة الإدارية لمتابعة عملية تسليم السلطة لحكومة عبد الحميد دبيبة. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن المطالبة بالتحقيق في قضايا الفساد هي مسؤولية هذه الجهات، و«يمكن لها أن ترفع إلى البرلمان جميع التقارير التي رصدت ووثقت فيها التجاوزات التي وقعت في السنوات الماضية ولم تجد الاهتمام الكافي».
ورأى البرغوثي أن مجلس النواب هو الجهة التشريعية المخولة بمناقشة هذه التقارير و«يمكن للحكومة الجديدة بعد نيل الثقة من البرلمان أن تتعاون معه بشكل فعال وإيجابي فيما تكشفه التقارير الرسمية عن وقوع مخالفات وتجاوزات مالية»، منوهاً إلى أنه «ربما تتمكن هذه الحكومة من وضع آليات عمل أكثر انضباطاً تضمن غلق الثغرات التي استغلها الفاسدون السابقون».
ورهن البرغوثي نجاح الحكومة الجديدة في أداء دورها وتفاعلها الإيجابي مع السلطة التشريعية «بتشكيلها من شخصيات اعتمد في اختيارها على عوامل الكفاءة والخبرة قبل أي شيء».
ومنذ عام 2014 تتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان، الأولى هي حكومة «الوفاق» المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وتتخذ من طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها ويترأس مجلسها الرئاسي فائز السراج، والثانية هي الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني وتحظى بدعم كل من مجلس النواب الليبي و«الجيش الوطني» وتتخذ من مدينة البيضاء شمال شرقي البلاد مقرا لها.
واستبعد أبو بكر الغزالي، عضو مجلس النواب، أن «يتم الاقتراب والتفاعل مع ملفات الفساد الكبيرة من قبل الحكومة الجديدة»، إلا في إطار ما وصفه بـ«رفع الشعارات البراقة لكسب ود الشارع». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لم ينس أحد وجود شبهات حول دفع أموال لتزكية وتعزيز فرص شخصيات بعينها في السلطة الجديدة قد تردد صداها بقوة خلال جلسات أعمال الملتقى السياسي بقيادة البعثة الأممية والتي نتج عنها في نهاية المطاف هذه السلطة والحكومة الجديدة».
في السياق ذاته، اعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس سعد بن شرادة، تعهد رئيس الوزراء المكلف بـ«دعم القضاء» إشارة إلى «نية الحكومة الجديدة التصدي للتجاوزات، رغم ثقل ملف الفساد بالنسبة لأي حكومة سواء دائمة أو مؤقتة». ومع ذلك، دعا بن شرادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «تقليل سقف التوقعات بشأن إمكانية فتح قضايا الفساد بدرجة كبيرة كما يطمح ويأمل البعض»، متحدثاً عن «إشكالية هشاشة الدولة ومؤسساتها في حين تتطلب عملية محاربة الفساد آليات وأجهزة أمنية قوية لضبط وإيقاف المفسدين الذين نهبوا المال العام، خاصةً أن هؤلاء قد يملكون المال والسلاح».
وأشار بن شرادة إلى أن «دعم الحكومة للقضاء راهناً يمكن أن يساعد في التوثيق الدقيق لكافة الجرائم الإدارية والمالية التي وقعت في الفترة الماضية». وتابع: «بما أن هذه النوعية من القضايا لا تسقط بالتقادم فيمكن عندما تقوى وتستقر الدولة أن تتم ملاحقة الفاسدين داخل ليبيا أو خارجها والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة، خاصةً أن ليبيا عضو بالعديد من الاتفاقات الدولية فيما يتعلق بتسليم المطلوبين للقضاء».
ولم يبتعد وكيل وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة حسن الصغير عن الطرح السابق، وقال إن «الأجهزة الرقابية مثل مكتب النائب العام أو ديوان المحاسبة لم تقم خلال الفترة الماضية إلا بتوجيه الملاحظات والاتهامات إلى وزراء ومسؤولين لا يتمتعون بدعم الميلشيات المسلحة». واستبعد الصغير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لجوء كبار المسؤولين من وزراء ومستشارين في شرق البلاد وغربها «للهرب بغنائم تجاوزاتهم المالية خوفاً من أن تطالهم يد العقاب مستقبلاً». وقال: «المفارقة أن ليبيا قد تكون الخيار الأفضل (للفاسدين) لأسباب عديدة في مقدمها الفوضى الأمنية وغياب الوعي المجتمعي وتولي الحواضن الاجتماعية كالقبائل والمدن تبرير التجاوزات التي يرتكبها المسؤول الذي ينتمي إليهم، ومن ثم يطالبون بتأجيل محاسبته».
ووفقاً لتقرير مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2020، احتل اسم ليبيا قائمة أكثر عشر دول فساداً في العالم من أصل 180 دولة تناولها التقرير الذي يعتمد في تقييمه لأداء مؤسسات الدول على عدة عوامل أبرزها «العمل والمال السياسي ومؤشرات الديمقراطية وحرية التعبير».
غير أن الصغير استبعد أن «تلجأ الحكومة الجديدة لفتح ملفات الفساد عن الفترة السابقة»، مشيراً إلى أن «الجميع يدرك أن محاربة الفساد لا تحدث كطفرة غير متوقعة وإنما هي نهج مؤسسي ومجتمعي. كما يدرك الجميع أن العشرية السوداء التي مرت على الشعب الليبي أكسبتهم خبرة كشف أكاذيب أهل السلطة، وبالتالي لن تنطلي عليهم أي محاولات بالحديث عن الفساد السابق وتوظيفه للتغطية على الفشل أو لتصفية حسابات».
كما استبعد السياسي الليبي عبد الله الكبير أن «تجازف الحكومة الجديدة وتفتح ملف الفساد، ليس لثقل المواجهة الأمنية وإنما لرغبتها في التفاف كافة القوى والأطراف الليبية حولها ومساندتها»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «فتح هذا الملف يعني المواجهة مع شخصيات ذات نفوذ مناطقي وأطراف سياسية وهذا يعارض هدف الحكومة الرئيسي بالابتعاد عن الصدام مع أي طرف، ويمكنها أن تكسب رضا الناس - حتى لو أخفقت في أي استحقاق - إذا تمكنت من تحسين الخدمات الحياتية من الكهرباء وتوافر السيولة وعودة المهجرين».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».