التغيرات المناخية... «الحاضر الغائب» في نشأة الحضارة المصرية القديمة

التغيرات المناخية... «الحاضر الغائب» في نشأة الحضارة المصرية القديمة
TT

التغيرات المناخية... «الحاضر الغائب» في نشأة الحضارة المصرية القديمة

التغيرات المناخية... «الحاضر الغائب» في نشأة الحضارة المصرية القديمة

تسببت التغيرات المناخية السلبية الحالية، والمتمثلة فيما يعرف بـ«الاحترار العالمي»، في إذابة الجليد بالمناطق القطبية؛ ما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحار، الأمر الذي يخشى انعكاسه على دلتا الأنهار حول العالم.
وبينما تتم إثارة المخاوف عالمياً من أن استمرار هذه التداعيات السلبية سيدفع مياه البحار لغمر المدن القائمة حول دلتا الأنهار حالياً، فإن الجوانب الإيجابية للتغيرات المناخية، تم إغفالها عند الحديث عن نشأة الحضارة المصرية القديمة حول دلتا النيل، وهي المشكلة التي تحاول حلها، دراسة بريطانية جديدة نشرت 21 يناير (كانون الثاني) الماضي في دورية «ورلد أركيولوجي».

تغيرات دلتا النيل
عند الحديث عن نشأة الحضارة المصرية القديمة درس علماء الآثار والأنثروبولوجيا الكثير من العوامل البشرية التي ساهمت في ذلك مثل ظهور الطبقات الاجتماعية، ومفاهيم الملكية، وغير ذلك الكثير، وتغاضوا عن البيئة المتغيرة التي كان الناس يتفاعلون من خلالها، ليبدو الأمر كما لو أننا ركزنا بشدة على «الممثلين»، وأغلفنا المسرح الذي يعملون عليه رغم أهميته.
وتسعى الدراسة الجديدة التي أجراها باحثون متخصصون في علم الآثار الجيولوجية بجامعتي ساوثهامبتون ودرهام، إلى إعادة الاعتبار لدور «المسرح»، من خلال اقتراح أن إعادة التشكيل الطبيعي لدلتا النيل خلال الفترة من 4000 - 3000 قبل الميلاد، جاءت استجابة لتباطؤ ارتفاع مستوى سطح البحر؛ مما ساعد على تحفيز بعض التغييرات التي أدت إلى التحولات المجتمعية.
وعلى وجه التحديد، تقول الدراسة، إنه يمكن اعتبار أن الزيادة في حجم الممارسات الزراعية، وإنتاج الفائض الزراعي، والنمو السكاني والتغيرات الاستيطانية، وظهور منطقة العاصمة في قمة الدلتا، جاء استجابة للتكيفات مع البيئة.
يقول بنجامين بنينغتون، الباحث الرئيسي بالدراسة في مقال نشره في 13 فبراير (شباط) بموقع «ذا كونفرسيشن»، إنه عند فحص طبقات الرمل والطين (بعمق 2 - 10 أمتار) في دلتا النيل، يمكنك إنتاج سلسلة كاملة من الخرائط التي توضح كيفية عمل الدلتا ككل في أوقات مختلفة.
ويضيف، أنه «من خلال برامج الحفر المختلفة، بدأنا الآن نفهم أن دلتا النيل كانت تتغير بشكل كبير، وأن هذه التغيرات لم تكن مدفوعة بتأثير الناس، لكن بعامل بيئي خارجي، وهو تباطؤ واستقرار ارتفاع مستوى سطح البحر، فالمسرح الذي لعبت عليه القصة البشرية كان يتطور بالفعل من تلقاء نفسه، مع وجود دافع عالمي طبيعي لا مفر منه».
وإذا كان مسرح الحياة، المتمثل في دلتا الأنهار، يتغير استجابة للبيئة، فهل كان بإمكان المسرح دفع الممثلين الذين لعبوا دور البطولة بطريقة أو بأخرى؟ أو بمعنى آخر: هل ساهموا بأي شكل من الأشكال في ظهور مصر القديمة؟
يقول بنينغتون، إنه مع استقرار مستوى سطح البحر، بدأت الأنهار تتصرف بشكل مختلف، وتطورت الأرض تدريجياً من شبكة من التيارات الصغيرة والديناميكية التي تتقاطع مع مساحة شاسعة من المستنقعات إلى سهول واسعة أكثر انفتاحاً وجيدة التصريف.
وفي بيئة المستنقعات لا يمكنك الزراعة بسهولة كبيرة، لكن يمكنك أن تصطاد وتطارد، وتحتفظ ببعض الحيوانات التي توفر الغذاء لعدد كبير من السكان، ولكن، مع تغير البيئة، أصبحت دلتا النيل تدريجياً أقل ثراءً في موارد الغذاء البرية، وعلى مدى بضع مئات من السنين، كانت تفقد نحو 45 في المائة من إنتاجيتها الأولية (إمكانات الغذاء)، وكان الحل الواضح لذلك هو زيادة الإقبال على الزراعة، فالزراعة هي اختراع ذو كفاءة غير عادية لزيادة كمية الطعام التي يمكنك الحصول عليها من قطعة أرض معينة.

الحضارة الزراعية
وكان إجراء التحول سهلاً، حيث كان سكان الدلتا على اتصال متكرر مع المجتمعات الأخرى التي كانت تزرع القمح والشعير وتربي الماشية، وكان بإمكانهم ببساطة نسخها.
يقول بنينغتون، إن هذا التحول يلاحظ فيما نراه في السجل الأثري، عندما نحلل ما كان الناس يأكلونه في هذه المنطقة بين 4000 و3000 قبل الميلاد، فقد كان سكان الدلتا يصطادون طعامهم من المستنقعات، ثم لاحقاً قاموا بتربية الماشية وزرعوا المزيد من المحاصيل، وأدى هذا التحول إلى فائض في الغذاء.
ورغم أن الكثير من المجتمعات عرفت الزرعة قبل الدلتا، فإنها لم تشهد حضارة، كما حدث بالدلتا، وهو ما تعزيه الدراسة إلى الحجم الشاسع لدلتا النيل.
ويوضح الباحث، أن الإمكانات الزراعية للدلتا كانت أكبر بنسبة 40 في المائة على الأقل من باقي مصر، التي كانت في ذلك الوقت مجموعة من «الممالك البدائية» المنافسة، وأدرك القادة المتنافسون أن المفتاح الاقتصادي للسلطة يكمن في التحكم في الإنتاج الهائل للدلتا الزراعية الخصبة الجديدة، التي تقع في اتجاه مجرى النهر، وكان الفائض الاقتصادي للدلتا في حاجة في النهاية إلى أن يتم إدخاله في شبكة هيكل «دولة» إقليمي جديد.
وإذا كانت الدراسة عظّمت من دور التغيرات المناخية في إنشاء دلتا النيل التي ساعدت على قيام الحضارة المستندة على الزراعة، فإن كثيراً من الدراسات الأثرية، كشفت عن كيف عظّم المصري القديم النيل وأدرك أنه سر بقائه.
يقول محمد حنفي، أستاذ الحضارة المصرية القديمة في كلية الآداب بجامعة المنيا (جنوب مصر) لـ«الشرق الأوسط»، المصري القديم أدرك قيمته فأسماه بمسميات عدة، منها «رب الرزق العظيم» و«رب الأسماك»، و«واهب الحياة» و«جالب الخيرات».
كما ارتبط عدد من الآلهة القديمة باسم نهر النيل، ومنهم الإله «حعبي»، وهو الإله الذي يمثل فيضان النيل السنوي، ويرمز إليه باعتباره مصدر الحياة.
وكما كان نهر النيل سبب الحياة، فهو أيضاً الوسيلة لإنقاذه المصري القديم في الحياة الأخرى، وفق المعتقدات المصرية القديمة؛ لذلك يستخدمون مياه النهر لتطهير الجثمان بدنياً وروحياً، بحسب حنفي.



حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
TT

حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية

الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)
الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

طوّر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة روبوتات صغيرة بحجم الحشرات، قادرة على الطيران لفترات طويلة، مما يمهد الطريق لاستخدامها في التلقيح الميكانيكي للمحاصيل.

وأوضح الباحثون أن هذه الابتكارات تهدف إلى مساعدة المزارعين في مزارع متعددة المستويات، مما يعزز الإنتاجية ويقلل من الأثر البيئي للزراعة التقليدية، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Science Robotics).

ويُعد تلقيح المحاصيل عملية أساسية لضمان إنتاج الفواكه والخضراوات، ويعتمد عادةً على الحشرات الطبيعية مثل النحل. إلا أن التغيرات البيئية واستخدام المبيدات أدّيا إلى تراجع أعداد النحل بشكل ملحوظ؛ مما يبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة.

في هذا السياق، يشير الفريق إلى أن الروبوتات الطائرة يمكن أن تأتي بديلاً واعداً، حيث يمكنها محاكاة وظائف النحل بدقة وسرعة في تلقيح النباتات بفضل تقنيات متقدمة تشمل الأجنحة المرنة والمحركات الاصطناعية، تمكّن هذه الروبوتات من أداء مناورات معقدة والطيران لفترات طويلة.

وأوضح الفريق أن الروبوت الجديد يزن أقل من مشبك الورق، ويتميز بقدرته على الطيران لمدة 17 دقيقة، وهو رقم قياسي يزيد بمائة مرة عن التصاميم السابقة. كما يمكنه الطيران بسرعة تصل إلى 35 سم/ثانية، وأداء مناورات هوائية مثل الدوران المزدوج في الهواء.

ويتكون الروبوت من أربع وحدات بأجنحة مستقلة، مما يحسن من قوة الرفع ويقلل الإجهاد الميكانيكي. ويتيح التصميم مساحة لإضافة بطاريات وأجهزة استشعار صغيرة مستقبلاً، ما يعزز إمكانيات الروبوت للاستخدام خارج المختبر.

وأشار الباحثون إلى أن العضلات الاصطناعية التي تحرك أجنحة الروبوت صُنعت باستخدام مواد مرنة مدعومة بالكربون النانوي، الأمر الذي يمنحها كفاءة أكبر. كما تم تطوير مفصل جناح طويل يقلل الإجهاد في أثناء الحركة، باستخدام تقنية تصنيع دقيقة تعتمد على القطع بالليزر.

ونوّه الفريق بأن هذه الروبوتات تُعَد خطوة كبيرة نحو تعويض نقص الملقحات الطبيعية مثل النحل، خصوصاً في ظل التراجع العالمي في أعدادها.

ويأمل الباحثون في تحسين دقة الروبوتات لتتمكن من الهبوط على الأزهار والتقاط الرحيق، إلى جانب تطوير بطاريات وأجهزة استشعار تجعلها قادرة على الطيران في البيئة الخارجية.

كما يعمل الباحثون على إطالة مدة طيران الروبوتات لتتجاوز ساعتين ونصف ساعة؛ لتعزيز استخدامها في التطبيقات الزراعية وتحقيق الزراعة المستدامة.