أنقرة تقيم «نقطة» عسكرية غرب إدلب غداة اجتماع سوتشي

أعربت عن القلق من دعم واشنطن لـ«قسد» شرق الفرات

TT

أنقرة تقيم «نقطة» عسكرية غرب إدلب غداة اجتماع سوتشي

بدأت القوات التركية إنشاء نقطة مراقبة جديدة في قرية عين البيضا في غرب إدلب في الوقت الذي واصلت قوات النظام قصف محاورها الجنوبية، في وقت جددت تركيا انتقاداتها للموقف الأميركي الداعم لوحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وانتشرت قوات تركية، أمس (الخميس)، في قرية عين البيضا الحدودية في ريف إدلب الغربي، وقطعت الطريق الواصل بين القرية وبلدة خربة الجوز الواقعة على الحدود التركية السورية، وبدأت العمل على إنشاء نقطة مراقبة عسكرية جديدة في القرية.
وجاء التحرك غداة اجتماعات «أستانة 15» في مدينة سوتشي الروسية حيث اتفقت الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة (تركيا وروسيا وإيران) على العمل من أجل حفظ الأمن ووقف الانتهاكات في منطقة خفض التصعيد في إدلب، حيث زادت تركيا من عدد نقاط مراقبتها في مناطق التماس بين قوات النظام والمعارضة.
في الوقت ذاته، جددت قوات النظام قصفها الصاروخي في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، مستهدفة مناطق في كنصفرة والفطيرة وسفوهن وفليفل والرويحة وبينين وأطراف البارة بريف إدلب الجنوبي، ومحيط قليدين والعنكاوي بسهل الغاب ضمن ريف حماة الشمالي الغربي، وسط تحليق متواصل لطيران الاستطلاع الروسي في أجواء إدلب.
في غضون ذلك، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بقيام النظام على مدى الأيام الثلاثة الماضية بالدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المحاور الجنوبية لمدينة الباب في ريف حلب الشرقي، والخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها فيما يعرف بمنطقة «درع الفرات».
وبحسب المرصد، فإن التعزيزات الجديدة تضم مجموعات من «الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا، بالإضافة إلى مجموعات عسكرية أخرى تابعة للفرقة 25 المعروفة باسم «قوات النمر»، بقيادة سهيل الحسن، حيث وصلت إلى قرية العويشة الواقعة جنوبي مدينة الباب.
إلى ذلك، تسبب مقتل 13 جنديا تركيا الأسبوع الماضي على يد مسلحي حزب العمال الكردستاني شمال العراق، بحسب ما أعلنت أنقرة، في تعميق الخلافات التركية الأميركية حول دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قسد، التي تعتبرها تركيا امتدادا للعمال الكردستاني في سوريا.
وقالت وكالة «الأناضول» الرسمية التركية الأناضول إن جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، امتنع عن الإجابة حول سؤال لمراسلها عن شعوره حيال إدانة قسد المدعومة من واشنطن للهجمات التي تشنها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، المصنف من جانب تركيا والولايات المتحدة وأوروبا كتنظيم إرهابي.
واتهمت الوكالة كيربي بالتهرب من الإجابة، بعدما رد قائلا إن «العمليات العسكرية الأميركية في كل من سوريا والعراق تركز حاليًا على التصدي لتنظيم «داعش» الإرهابي، الذي لا يزال موجودًا».
وأضاف كيربي: «وكما قلنا دائمًا إن أفضل طريق يمكن الاستمرار فيه لمواجهة داعش وهزيمته، هو العمل مع القوات المحلية... لن أتطرق هنا إلى جماعات منفردة، نحن في سوريا نعمل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهذا الأمر لم يتغير».
وسعى المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان إلى إحراج الإدارة الأميركية والدول الغربية باتهامها بالتلاعب بالألفاظ بخصوص ردود الفعل والبيانات المنددة بمقتل جنودها، الذين قال العمال الكردستاني إنه لا يتحمل المسؤولية عن قتلهم وإنما تتحملها القوات التركية التي نفذت عملية عسكرية في المنطقة باسم «مخلب النسر - 2» في الفترة من 10 إلى 13 فبراير (شباط) الجاري وقامت بقصف مكثف على مغارة في منطقة غارا الجبلية شمال العراق مع علمها بوجود 13 تركيا منهم جنود وعناصر من المخابرات والشرطة كانوا محتجزين منذ العام 2015.
وقال إردوغان إن الغرب يتساهل مع الإرهاب الذي لا يستهدفه ولا يستهدف أمن أراضيه وشعوبه. لكن الخارجية الأميركية رفضت هذه التهم وأكدت بأن مواقفها ثابتة وأنها تدين بأشد العبارات مقتل الجنود الأتراك في شمال العراق.
وتنظر واشنطن إلى قسد والوحدات الكردية كجليف أساسي كان له الدور الأكبر في إضعاف تنظيم داعش واستعادة مساحات واسعة من الأراضي التي سيطر عليها في سوريا ما مهد في النهاية للقضاء على نفوذه رغم أنه لا يزال يشن هجمات على طريقة حرب العصابات بين الحين والآخر سواء في العراق أو سوريا. لكن أنقرة تشعر بقلق كبير إزاء وجود القوات الكردية قرب حدودها مع سوريا ومن تعامل الولايات المتحدة وروسيا معها وتعتبر هذا الوجود تهديدا لأمنها القومي وتعمل على إنهاء ملف الأكراد في شمال سوريا عبر مسار أستانة.
في سياق متصل، سيرت القوات الروسية والتركية دورية جديدة في ريف الحسكة، حيث انطلقت الدورية من آخر مناطق قسد والنظام السوري بعد قرية الأسدية بريف أبو رأسين. وجابت الدورية المؤلفة من 3 عربات روسية ومثلها تركية مناطق خاضعة لسيطرة فصائل ما يسمى بـ«الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، في رأس العين.
وتعد هذه الدورية هي الأولى من نوعها في رأس العين منذ السيطرة التركية على ما يعرف بمناطق «نبع السلام» في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».