مارتن سكورسيزي في «هاربرز» يحيي فيلليني وفن السينما

كَتَبَ عن شبابه وأفلام الأمس الرائعة

مارتن سكورسيزي
مارتن سكورسيزي
TT

مارتن سكورسيزي في «هاربرز» يحيي فيلليني وفن السينما

مارتن سكورسيزي
مارتن سكورسيزي

نشرت مجلة «هاربرز» الأميركية (ثاني أقدم مجلة أميركية ما زالت مستمرة في الصدور منذ إنشائها سنة 1850) مقالة للمخرج مارتن سكورسيزي، قبل ثلاثة أيام، تحدث فيها عن موضوعه الآثر وهو، بطبيعة الحال، السينما.
لكن السينما موضوع شاسع جداً يتكوّن مما تتكوّن منه الحياة ذاتها. هناك الحاضر وهناك التاريخ. هناك الفرد وهناك المجتمع. وما يجول داخل الفرد والمجتمع من أفكار وما يقع من أحداث مروراً بالمواضيع والدلالات الوجودية كما مفردات اللغة التي نختارها لكي نعبّر فيها عما يجول داخل أنفسنا.
السينما هي حياة موازية لحياتنا. مرآة بحجم الكوكب الذي نعيش عليه وبل أكبر إذا أضفنا قدراتها غير المحدودة على النفاذ للكواكب البعيدة والفضاء الشاسع أو قدرتها على اختراق الزمن في الاتجاهين.
اختار المخرج الأميركي العريق، الذي ما زال نشطاً رغم سنوات حياته التي تبلغ 79 سنة موضوعاً محدداً ليدلف منه إلى موضوع آخر. كما الحال في الأفلام التي يحققها يلج المخرج ميدان اهتمام محدداً لكنه يطرح في موازاته خطوطاً أخرى تثريه.
والموضوع المحدد الذي اختاره سكورسيزي في مقالته هو فديريكو فيلليني، المخرج الإيطالي العبقري الذي تميّز، ككل مخرج رائع، بأسلوب لا يستطيع أحد حتى تقليده كونه نابعاً من داخل عقل وبصيرة وروح المخرج بالإضافة إلى ملكيّته لمفردات لغته السينمائية الخاصة.
لكن ما جاء في المقالة من خطوط يشي بأن سكورسيزي وظّف جزءاً من مقالته الرائعة عن فيلليني كمناسبة لموضوع سبق وتطرّق إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2018 وهو حال السينما اليوم في الواقع الجديد المفروض عليها. عن سينما اليوم وكيف أن اختلافها عن سينما الأمس ليس في صالح الفن السينمائي، بل يتجه به نحو إبادة شاملة.

من صالة لأخرى
يبدأ بوصف مشهد مكتوب كصفحة من سيناريو بطله شاب يمشي في حي غرينيتش فيلدج النيويوركي متأبطاً كتباً في يد ونسخة من مجلة «ذا فيلدج فويس» في اليد الأخرى. يمشي بسرعة ويمر، والمشهد يقع في سنة 1959 كما حدد المخرج في السطر الأول، بالمشاة من كل صنف ونوع.
يمضي سكورسيزي في نصّه هذا فإذا بالشاب يصل إلى صالة «آرت ثيتر» التي تعرض، حسب وصف المخرج الذي غالباً ما يتحدث عن نفسه هنا، فيلم جون كازفيتز «ظلال» وفيلم كلود شابرول «بنات العم». لكن الشاب يمضي ليصل إلى صالة «بلايهاوس» التي تعرض «الكركيات تطير» (The Cranes Are Flying) و«هيروشيما مونامور».
يواصل سكورسيزي وصف بطله وهو ينتقل من صالة في ذلك الحي إلى أخرى وكل منها تعرض واحداً من تلك الكلاسيكيات الفنية الرائعة. وما يختاره من نماذج معروضة هو لأفلام كانت القاسم الكبير المشترك لكل الإنتاجات السينمائية قاطبة. أفلام لأساطير الفن السابع أمثال إنغمار برغمن ومايكل أنجلو أنطونيوني وميخائيل كالاتوزوف وأندريه فايدا وجان - لوك غودار وصولاً إلى المخرج الذي اختار الحديث عنه أساساً وهو فديريكو فيلليني.
الحديث عن فديريكو يبدأ بعد ما سبق من استعراض وفيه يأتي على كيف اكتشف المخرج الأميركي فيلليني وما عناه فيلليني آنذاك له ولهواة السينما وما زال. يقول، على سبيل المثال: «في الستينات أصبح فديريكو فيلليني أكثر من مجرد صانع أفلام. مثل تشابلن وبيكاسو وذا بيتلز، كان أكبر من فنه الحاص. وعند لحظة معيّنة لم يعد المهم هذا الفيلم أو ذاك الفيلم له بل كل الأفلام»
يواصل فيصف بعض إنجازات فيلليني بدءاً من سنة 1963 عندما حقق «8 ونصف» حيث «تجلت سيادة فيلليني البصرية». ويمر على فيلم La Strada ثم يتحدث عن كيف أن فيلليني عكس القلق الناتج عن الحياة في زمن السلاح النووي في «الحياة الحلوة» (La Dolce Vita). يصف ذلك بالقول: «هنا نجد الفنان القادر على التعبير عن قلقه من العصر النووي. الحس بأن لا شيء بات يهم لأن كل شيء صار يمكن إبادته في أي لحظة. شعرنا بتلك الصدمة لكننا شعرنا أيضاً بحب فيلليني للفن وللسينما وللحياة ذاتها».
في مكان يقع بين مقدّمته التي تصفه وهو ينتقل ما بين كلاسيكيات السينما المعروضة لجمهور حاشد، وبين الحديث عن فديريكو فيلليني، متوقفاً عن العديد من أفلامه وتأثيراته عليه، يعرج سكورسيزي للموضوع الظل: السينما اليوم في وضعها الراهن الذي يهدد فنّها بالاندثار.

عقارب الساعة
هنا يصب سكورسيزي نقده على هوليوود اليوم. يصف صانعي القرار السينمائي بالجهلة الذين لا يعرفون تاريخ الفن. بالنسبة إليهم، فإن «فيلماً لديفيد لين وفيديو عن قطّة ودعاية في حفل سوبر باول وجزء ثان لفيلم سوبرهيرو ليس أكثر من صور».
هذا الوصف مؤلم بقدر ما هو حقيقي. مثير للحزن من قرب وداع من نحب بقدر ما هو مثير للخوف مما هو قادم.
بعض الظواهر باتت حقائق لا مفر من الاعتراف بها: صانعو القرار السينمائي (المموّلون، رؤساء الإنتاج في الشركات والاستوديوهات والمتعاملون بجزئيات «البزنس» في صناعة السينما ليست لديهم فكرة عما يردمونه من حضارة كلما بنوا الصرح التجاري الكبير الذي بات كل شيء مهم في صناعة السينما.
وحتى من قبل أن يساهم وباء «كوفيد - 19» أو ما تلاه، في تعميم العروض المنزلية بديلاً للعروض في الصالات السينمائية، كان العمل لبدء توجيه الجمهور للاستغناء عن الصالة على قدم وساق. عقدان من الزمن فقط (من عام 2000 وإلى اليوم) كانتا كفيلان بالسعي لدحر السينما كفن وانعكاس إبداعي وروحاني خالص، ودفع سينما تؤمن بالمضمون وليس بالشكل الذي على هذا المضمون العمل تحت ستاره.
صحيح أن هذا التعامل القاصر بدأ قبل العقدين السابقين. لكن حتى في أفلام ما قبل الثمانينات، كانت الأفلام المسمّاة بالتجارية تكتنز أساليب وتعابير إبداعية وفنية. التنفيذ لم يكن مجرد تقنيات يهرع المخرج إليها لجذب الجمهور الكبير كما هو حاصل اليوم، بل كان عرضاً متواصلاً لمفردات اللغة السينمائية التي يشيدها. لولا إسهامات جون فورد وهنري هاذاواي وأورسن وَلز وسامويل فولر وأنطوني مان وألفريد هيتشكوك وعشرات سواهم لما أحببنا السينما. الفنانون الأوروبيون هضموا أعمال هؤلاء لكنهم نسجوا منوالهم الخاص للسينما رافعين أكثر من شأن فن السرد وفن العرض وفن الطروحات وبالتالي فن السينما بأسره.
مشاهدة أفلام اليوم على النت ما هي إلا سبيل آخر لهدم التذوّق الفني للفيلم وللثقافة. هنا يرتفع المضمون بما فيه من تصنيف العمل تبعاً لنوعه وبما فيه تركيز العمل السينمائي لبلورته تقنياً وليس فنيّاً.
عقارب الساعة قد لا تعود إلى الوراء والتاريخ حبيس الأمس، لكن سكورسيزي وعشّاق السينما ونقادها مطالبون بالوقوف بحزم حيال سيادة النوع الواحد من السينما وذلك دفاعاً عن كل السينما.
ما هو ساطع في مقالة المخرج اللامع هو الجمع بين ذكرياته الخاصة وذكريات السينما كلها، وإذ يكتب يفعل ذلك من داخل هوليوود كاشفاً عن حبه للماضي ونقده للحاضر.



إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».