صراع بين أنصار النظام السوري على كسب «شباب التسويات» في الجنوب

«الشرق الأوسط» ترصد الفرق بين إغراءات «حميميم» ودمشق

عناصر من «الفيلق الخامس» التابع لقاعدة حميميم في جنوب سوريا (الشرق الأوسط)
عناصر من «الفيلق الخامس» التابع لقاعدة حميميم في جنوب سوريا (الشرق الأوسط)
TT

صراع بين أنصار النظام السوري على كسب «شباب التسويات» في الجنوب

عناصر من «الفيلق الخامس» التابع لقاعدة حميميم في جنوب سوريا (الشرق الأوسط)
عناصر من «الفيلق الخامس» التابع لقاعدة حميميم في جنوب سوريا (الشرق الأوسط)

أظهرت التطورات الأخيرة في «مناطق التسويات» جنوب سوريا أن جهات عدة موالية للنظام السوري ترى في المقاتلين المعارضين السابقين في درعا والقنيطرة فرصة لدعم قوتها العسكرية، علماً بأنها كانت تصفهم بـ«الإرهابيين» قبل سنوات.
هي تسعى حالياً إلى ضم أكبر عدد من هذه العناصر إلى تشكيلات مختلفة تابعة للنظام السوري جنوب سوريا مثل «الفرقة الرابعة» التي يقودها اللواء ماهر، شقيق الرئيس بشار الأسد، أو بضم عناصر تعمل لصالح الأجهزة الأمنية كجهاز الأمن العسكري أو المخابرات الجوية، أو تشكيلات لا تقف ضد وجود قوات النظام في المنطقة كـ«الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا، عبر الاتفاق مع قادة فصائل التسويات التي كانت معارضة، وانضمت إلى اتفاق التسوية الذي حصل في المنطقة الجنوبية في يوليو (تموز) 2018، حيث كثّفت كلٌّ من هذه الجهات محاولتها لتجنيد شبان ينحدرون من مناطق مختلفة في درعا والقنيطرة الخاضعة لاتفاقات تسوية برعاية روسية منذ بدء اتفاق التسوية.

خيارات محدودة
ولاحظ الناشط مهند العبد الله، من جنوب سوريا، لـ«الشرق الأوسط»، في درعا «محدودية الخيارات التي بقيت أمام الشباب في مناطق التسويات جنوب سوريا، خصوصاً بعد مرور أكثر من عامين على اتفاق التسوية، والخروقات التي تخللته باعتقال مطلوبين أو تهديدات باقتحام المناطق بحثاً عن مطلوبين، وعمليات الاغتيال التي طالت الكثير من قادة وعناصر فصائل المعارضة سابقاً، والإغراءات المقدَّمة للعناصر التي ترغب في الانضمام لأحد التشكيلات خصوصاً الملاحَقين أمنياً، أو المتورطين بحمل سلاح ضد النظام، بإزاحة المطالب الأمنية بحقهم وحملهم لبطاقات أمنية تحميهم عند المرور على الحواجز، وتسوية وضعهم الأمني بشكل كامل».
كما هيَّأت الظروف الاقتصادية السيئة وانتشار الفقر، حسب العبد الله، جواً ملائماً لطرح هذه الجهات مشروعها في «كسب شباب جنوب سوريا وتجنيدهم بإغراءات مادية وسلطوية، ونقلهم إلى تشكيلات تابعة للنظام السوري، بمهام مختلفة، منها قتالية، أو بمهمة حماية المنطقة، حيث إن الفرقة الرابعة عملت على كسب أعداد كبيرة من الشباب في مناطق التسويات جنوب سوريا عبر إرسال تطمينات وإغراءات لقادة الفصائل والعناصر بأن الانضمام إلى قواتها يُحسب من مدة الخدمة الإلزامية المفروضة على الشباب في سوريا والخدمة الاحتياطية أيضاً، وضمان عدم ملاحقتهم من الأجهزة الأمنية»، حيث باتت «مهمة (فصائل التسويات) إدارة الحواجز في المنطقة التابعة لها، ومشاركة قوات الرابعة في أي عملية عسكرية تقوم بها في المنطقة، كما حصل مؤخراً في عدة مناطق هددت الفرقة الرابعة باقتحامها واستقدمت تعزيزات عسكرية من فصائل التسويات». وينتشر معظم هذه المجموعات في مناطق ريف درعا الغربي والشمالي. وحسب إحصائيات محلية يتجاوز عدد المنظمين للفرقة الرابعة جنوب سوريا أكثر من 400 من أبناء الجنوب، يتقاضون مرتباً شهرياً 60 ألف ليرة سورية، (الدولار الأميركي 3 آلاف ليرة) وأن مهامهم إدارة حواجز المنطقة التي تشرف عليها الفرقة الرابعة مثل مناطق ريف درعا الغربي.

تجنيد مكثف
وجنّدت الأجهزة الأمنية في جنوب سوريا الكثير من قادة وعناصر التسويات أيضاً، حيث عملت هذه الأجهزة منذ بداية اتفاق التسوية عام 2018 على الاعتماد على قادة الفصائل المعارضة والتقرب منهم، لكسب ثقتهم وإعطائهم صلاحيات واسعة في المنطقة، بهدف ضبط أمن المنطقة، ومنع ارتكاب أفعال تُخلّ باتفاق التسوية، وملاحقة خلايا «داعش» في الجنوب. وعمدت هذه الأجهزة إلى التنسيق مع قادة سابقين في المعارضة خصوصاً الذين خرجوا عقب اتفاق التسوية، لتُؤمّن طريق عودة لهم، لكسب العلاقة بين عناصر المعارضة وقادتهم، حيث شكّلت مجموعات تابعة لجهاز الأمن العسكري في درعا بقيادة قياديين سابقين في المعارضة عادوا إلى المنطقة بتنسيق مع جهاز الأمن العسكري في درعا. وشكّلوا مجموعات من العناصر السابقين في المعارضة تابعة لجهاز الأمن العسكري، منهم «مجموعة عماد أبو زريق» القيادي السابق في «جيش اليرموك» والذي عاد من الأردن بعد اتفاق التسوية، وشكّل مجموعات تنتشر في البلدات الحدودية مع الأردن مثل بلدة نصيب وبلدة الطيبة وأم المياذن، و«مجموعة تابعة لأبو علي اللحام» القيادي السابق أيضاً في «جيش اليرموك» سابقاً والذي عاد من تركيا بعد اتفاق التسوية لتشكيل مجموعة في بلدة أم ولد المحاذية لمحافظة السويداء بريف درعا الشرقي، ومجموعة أخرى يقودها المعروف باسم مصطفى الكسم تنتشر في مدينة درعا البلد ومحيط جمرك درعا القديم الحدودي مع الأردن، وأيضاً تلقت هذه المجموعات إغراءات سلطوية وعدم الملاحقة، مقابل تنفيذ مهام في مناطق التسويات، ولا تحظى هذه المجموعات بحاضنة شعبية، وكثيراً ما تعرضت هذه المجموعات لاتهامات بوقوفها خلف عمليات اغتيال لعناصر وقادة سابقين في المعارضة، كما تعرض كثير من عناصر وقادة هذه المجموعات لعميات استهداف واغتيال.

تأييد شعبي
يقول أحد عناصر «الفيلق الخامس» في جنوب سوريا إنه «بعدما انحسرت خيارات شباب جنوب سوريا خصوصاً الفارين من الجيش أو المتخلفين عن الخدمة أو الملاحقين من النظام، إما بالانضمام إلى قوات الفرقة الرابعة أو الفليق الخامس وإما بالالتحاق بالجيش السوري، وجدت الأغلبية أن الخيار الأنسب هو الانضمام لقوات الفيلق الخامس، وفقاً للأعداد الكبيرة التي انضمّت للفيلق الخامس، باعتبار أن روسيا المسؤولة عنه بشكل مباشر وهي الضامن لاتفاق التسوية، لا سيما مع التطمينات الروسية للمنطقة وقادة الفصائل المعارضة سابقاً، ببقاء الخدمة ضمن المنطقة الجنوبية فقط، مشيراً إلى أن قوات «الفيلق» تحظى بتأييد شعبي كبير جنوب سوريا، لتدخل «الفيلق» في عدة مناسبات تُظهر السلطة الممنوحة له على حساب قوات النظام في المنطقة، ومنع الأخيرة من ارتكاب خروقات باتفاق التسوية الذي ترعاه روسيا في الجنوب، فضلاً عن خروجهم في مظاهرات تطالب بخروج إيران من المنطقة ورفع القبضة الأمنية، كما منحتهم روسيا صلاحيات للحفاظ على اتفاق التسوية في المنطقة الجنوبية، ومنع أي تجاوزات في الجنوب تؤدي إلى انهيار اتفاق التسوية واشتعال المنطقة من جديد، موضحاً أن مهام الفيلق الخامس جنوب سوريا حماية المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية، عبر نشر الحواجز، وانتشار مجموعات تابعة للفيلق في معظم المناطق، ومحاربة تنظيم «داعش» وخلاياه على الأرض السورية.
وتَشكّل اللواء الثامن التابع لـ«للفيلق الخامس» الروسي جنوب سوريا في عام 2018 بعد اتفاق التسوية، من فصائل المعارضة سابقاً التي كانت في جنوب سوريا، ومن مدنيين. وشكّله الروس بالتنسيق مع أحمد العودة، قائد قوات «شباب السنة»، من أكبر فصائل المعارضة سابقاً جنوب سوريا سابقاً، ويضم في قوامه ما يزيد على ألفي شاب من جنوب سوريا، يتقاضون مرتباً شهرياً مقداره 200 دولار أميركي.
وقال ناشطون في جنوب سوريا إن «بعض قادة فصائل المعارضة سابقاً، خصوصاً أصحاب النفوذ في المنطقة لم يُبدوا رفضاً أو قبولاً حيال انضمام عناصرهم إلى تشكيلات تابعة للنظام السوري، تاركين الأمر والقرار بشكل فردي للعناصر، بينما كان موقف بعضها واضحاً بالانضمام إلى تشكيلات تابعة لروسيا مثل أحمد العودة (أحد قادة المعارضة الذي قاد اتفاقات التسوية في بداية 2018)، وهو أبرز قادة فصائل التسويات والتنسيق مع الروس».
وفي مدينة طفس بريف درعا الغربي، قالت مصادر محلية إن قوات «الفرقة الرابع» ممثلةً بـ«قوات الغيث» انسحبت يوم الأحد من النقاط التي تموضعت فيها تمهيداً للحملة العسكرية التي كانت تستهدف مدينة طفس وبعض مناطق ريف درعا الغربي، بعد أن تم تطبيق اتفاق بين اللجنة المركزية للتفاوض في درعا وضباط من اللجنة الأمنية والفرقة الرابعة والضامن الروسي، وتم تثبيت نقاط جديدة لـ«الفرقة» في محيط مدينة طفس من الجهة الجنوبية، بإشراف عناصر محلية على الطريق الواصل بين مدينة درعا وطفس.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.