«لاهاي» ترد على إسرائيل: قرارنا ليس سياسياً ولا يخصّ طرفاً بعينه

إحاطة جديدة قدمت للمحكمة حول هدم منزل أسير

هدم منزل الأسير محمد كبها هذا الشهر في جنين بالضفة سيضم لملف المحكمة الدولية (إ.ب.أ)
هدم منزل الأسير محمد كبها هذا الشهر في جنين بالضفة سيضم لملف المحكمة الدولية (إ.ب.أ)
TT

«لاهاي» ترد على إسرائيل: قرارنا ليس سياسياً ولا يخصّ طرفاً بعينه

هدم منزل الأسير محمد كبها هذا الشهر في جنين بالضفة سيضم لملف المحكمة الدولية (إ.ب.أ)
هدم منزل الأسير محمد كبها هذا الشهر في جنين بالضفة سيضم لملف المحكمة الدولية (إ.ب.أ)

ردت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على اتهامات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وآخرين، بأنها متحيزة سياسياً لصالح الفلسطينيين، بعد قرار قضاتها إعلان الولاية على الأراضي الفلسطينية، ما يمهد لفتح تحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة، بقولها إنها مؤسسة مستقلة وحيادية وغير متحيزة.
وقدمت المحكمة وثيقة تضمنت أسئلة وأجوبة، جاء فيها أن «المحكمة هيئة قضائية مستقلة ومحايدة، تعمل كأداة حاسمة وتقدم حلولاً قانونية لأخطر الجرائم بموجب القانون الدولي».
وشددت المحكمة على أن القرار لم يكن سياسياً أبداً، وأنه يمكن تقديم استئناف بشأنه، مؤكدة أنها تعمل ضمن الإطار القانوني والولاية القضائية التي تمنحها معاهدة روما لها، مشيرة إلى أنها ستواصل القيام بعملها المستقل وفقاً لولايتها ومبدأ سيادة القانون. وتعتبر اتفاقية روما، مصدر السلطات لأنشطة المحكمة التي بدأت العمل عام 2002، بعد أن تم التوقيع على الاتفاقية من قبل 139 دولة.
وقدمت الوثيقة تفسيراً حول قرار اللجنة التمهيدية، الذي مرر بأغلبية، بشأن اختصاص المحكمة بالتحقيق في الأراضي الفلسطينية، قائلة: «إن القرار اتخذ بناء على طلب من المدعية العامة الحالية، التي ستترك منصبها في يونيو (حزيران) المقبل، فاتو بنسودا، والتي أجرت تحقيقاً أولياً بشأن الوضع في فلسطين، وخلص إلى أنه بموجب نظام روما الأساسي، فإن هناك سبباً للاشتباه بارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة».
وأكدت المحكمة أن «القرار لا يتعلق بوضع فلسطين كدولة، لأن المحكمة ليست مخولة باتخاذ مثل هذه القرارات، وأن الحكم يتعلق فقط بالسلطة الإقليمية لإجراء التحقيق»، مشيرة إلى أنه يمكن تقديم استئناف بشأن قرارها. ورداً على سؤال فيما إذا كان القرار سيؤدي بالضرورة إلى إجراء تحقيق، ردت المحكمة بالنفي، وقالت «إن قرار فتح تحقيق بشأن الوضع في فلسطين من عدمه، يدخل في اختصاص المحكمة، وضمن إجراءات تتماشى مع قانون روما، ويقوم مكتب المدعي العام حالياً بفحص القرار، ومن ثم سيقرر خطواته التالية من خلال التفويض الممنوح له والعمل بموجب معاهدة روما».
وقالت المحكمة إن التحقيق ليس مقتصراً على طرف معين، وإن على المدعي العام التحقيق «في جميع الجرائم المشتبه بها»، سواء من قبل الإسرائيليين أو الفلسطينيين، بمن فيهم «حماس» والمنظمات الأخرى. وبشأن الولاية القضائية على البلدان غير الموقعة على معاهدة روما، قالت المحكمة إنه يمكن أن تستجوب وتلاحق الأشخاص وليس الدول، وعلاوة على ذلك، فإن البلدان غير الأعضاء في المعاهدة ليست ملزمة بالتعاون مع المحكمة.
كانت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، قد صادقت بداية الشهر الحالي، للمدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، على فتح تحقيق بشأن ارتكاب «جرائم حرب» في الأراضي الفلسطينية، بعدما أعلنت أن «فلسطين دولة في نظام روما الأساسي للمحكمة». وجاء القرار استجابة لدعوة من بنسودا، بفتح تحقيق كامل ورسمي بعد 5 أعوام من التحقيق الأولي الذي بدأ بعد حرب 2014 في غزة. ووصفت بنسودا، الجيش الإسرائيلي، والجماعات الفلسطينية المسلحة، مثل حركة «حماس»، بـ«جناة محتملين».ويوجد أمام مكتب بنسودا 3 ملفات طرحها الفلسطينيون، وهي «العدوان على غزة، بما يشمل استخدام القوة المفرطة وأسلحة محرمة وارتكاب مجازر وقتل مدنيين»، و«الأسرى داخل السجون الإسرائيلية بما يشمل سوء المعاملة للأسرى وعائلاتهم والإهمال الطبي الذي أدى إلى وفاة أسرى»، و«الاستيطان، بما يشمل البناء غير القانوني، وإرهاب المستوطنين أنفسهم الذي أدى إلى قتل مدنيين فلسطينيين».
ويتوقع الفلسطينيون أن يبدأ التحقيق، أولاً، بملف الاستيطان، لكنهم أيضاً يأملون بتمكن الأسرى وعائلات الضحايا في غزة، من محاكمة الإسرائيليين. وأغضب ذلك إسرائيل والإدارة الأميركية كذلك. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، إنه «عندما تحقق محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بشأن إسرائيل، في جرائم حرب مزعومة تماماً، فإن ذلك يعد معاداة للسامية. وقد تم إنشاء هذه المحكمة لمنع الفظائع مثل المحرقة النازية ضد الشعب اليهودي، والآن فهي موجهة ضد الدولة الوحيدة للشعب اليهودي».
وبناءً على هذه الاتهامات الإسرائيلية، قدت المحكمة التوضيحات الحالية.
إضافة إلى الملفات التي قدمها الفلسطينيون بشكل رسمي، قدم المركز الدولي للدراسات القانونية إحاطة معلومات (بلاغ)، وفقاً لأحكام المادة (15) من نظام روما بشأن «جريمة هدم منزل الأسير محمد كبها، كونها أول جريمة ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد قرار الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بامتداد ولايتها للأراضي الفلسطينية». وقال المركز «إن هذه الجريمة تأتي امتداداً لعقوبة هدم منازل الفلسطينيين بصفتها عقوبة جماعية ممنهجة ترتكب في فلسطين، بغرض تهجير السكان من أراضيهم».
وسرد المركز الوقائع المادية للجريمة، وبيّن أن عملية هدم المنزل الذي تسكنه زوجة الأسير وأطفاله الثلاثة، تمت يوم الأربعاء الموافق 10 فبراير (شباط) الحالي بمواد متفجرة. وطالب المركز الدولي للدراسات القانونية، المدعية العامة للمحكمة، بالنيابة عن الضحايا وذويهم، «بالشروع بفحص مدى انطباق وقائع عملية الهدم على وصف الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، واعتباره جزءاً من تحقيقاتكم المتوقعة بعد قرار الدائرة التمهيدية بامتداد ولاية المحكمة للأراضي الفلسطينية».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».