تشير مفردة «مانيكان» إلى دمية على هيئة إنسان، رجل أو فتاة، واستخدمت لعرض الملابس في المحلات التجارية الكبرى لأول مرة عام 1860، ومن ثمّة استخدمت في التجارب النووية في خمسينات القرن الماضي، بهدف معرفة تأثير تلك الأسلحة الفتاكة على البشر.
ولكن، ما الذي نتوقعه حين نعرف أنّ معرضاً تشكيلياً يحمل الاسم نفسه، ويعرض فيه أربعة فنانين شبان رؤيتهم للعالم بغاليري «أرت مزاج» بضاحية المعادي جنوب القاهرة؟
لا شك أنّ الدهشة ستكون رفيقتنا للوهلة الأولى خاصة حين نعلم أنّ المعرض لا علاقة له بالملابس أو التصميم، لكنّ هذه الحيرة ستزول وأنت تخطو خطواتك الأولى بين أعمال الفنانين، أمل عبد الفتاح، وعمرو وشاحي، وشهندة عبد الله، ورحمة علاء. هنا أنت أمام بشر يشبهون «المانيكان» تماماً، فهم يتمتعون بجمال الجسد من حيث القوام الرشيق المنحوت وحسن ملامح الوجوه المرسومة بإتقان عبر «البورتريهات» المختلفة، لكن ماذا عن الروح؟ هذا هو السؤال الكبير الذي تجيب عنه القراءة الأولية لتلك الأعمال، فثمة حزن دفين يطل من العيون التي هي نافذة على الروح. شيء من التوتر المكتوم يتوارى خلف الملامح البديعة. قد لا يبدو البشر هنا نموذجاً صارخاً للتعاسة لكنّهم أبعد ما يكونون عن البهجة التي توحي بها إطلالتهم الجميلة.
في أعمال أمل عبد الفتاح على سبيل المثال، ستجد تلك الثنائية بين الروح والجسد تتبدى بشكل واضح. وجوه نسائية عديدة تتسم بالبهاء الشكلي والتقاطيع المرسومة بدقة في حيز صغير للغاية، لكنها تبدو محايدة، باردة، فاقدة لحرارة الانفعال وقوة التجاوب. هل تذكرك الصفات الأخيرة بشيء ما؟ نعم، إنها السمات المميزة نفسها للمانيكان.
في أعمال رحمة علاء وشهندة عبد الله، عزف آخر على اللحن نفسه. ثمة كائنات بشرية تبدو كما لو كانت لا تستطيع التنفس، فالحياة نفسها تحولت إلى سجن كبير، صامت هادئ، يسحق ما تبقى من روحها، تماماً كما في حالة تلك المرأة التي تستلقى حبيسة داخل وعاء زجاجي صغير من النوع الذي يستخدم لوضع المخللات في المطاعم والبيوت. إنّها مستسلمة تماماً لمصيرها الأبدي داخل قضبان شفافة أنيقة من الزجاج، فلا هي تصرخ أو تعترض بل تنتظر النهاية المحتومة في صمت!
وليس غريباً أنّ أعمال الفنان عمرو وشاحي تكاد تكون أكثر ما لفت انتباه رواد المعرض الذي يستمر حتى الثالث من مارس (آذار) المقبل، فقد أجاد في التعبير عن المرأة في مختلف تجلياتها وفق تكنيك مدهش في التصوير الفوتوغرافي استغل فيه خلفيته كمخرج سينمائي ومونتير وسيناريست. يعيدنا وشاحي، إلى سحر الأبيض والأسود، فثمة فتيات يدرن ظهورهن للعالم، يسرن حافيات وسط السيارات وكأنهن يحاولن إنقاذ أرواحهن المرهقة من براثن حياة معاصرة تقوم على النفاق الاجتماعي وتبجيل الشكل بعيداً عن المضمون، تهتف للجسد وتتجاهل الروح. حتى عندما لا تدير الفتاة لنا ظهرها، فتتكئ على شاطئ مدينة ساحلية أو تقود زورقاً نحيلاً في وسط المياه، لا يوجد تركيز على ملامح الوجه. اختُزلت جميع العناصر المصاحبة لتبقى الروح بقلقها وهواجسها هي البطل الأساسي.
يقول وشاحي لـ«الشرق الأوسط»: «كان طبيعياً للغاية أن تكون المرأة محور أعمالي المشاركة في المعرض، فحواء لديها حساسية تعبيرية مدهشة استفزتني لأحاول التعبير عن مختلف تجلياتها الشعورية والنفسية عبر عدد من الأعمال التُقطت خلال سبع سنوات بداية من عام 2013، في أماكن مختلفة، وباستخدام كاميرات وعدسات متباينة كذلك».
«مانيكان»... تنويعات فنية تبحث عن الدفء والحميمية
معرض مصري يستلهم ثنائية الروح والجسد
«مانيكان»... تنويعات فنية تبحث عن الدفء والحميمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة