عون يدفع باتجاه أزمة حكم و«حزب الله» يدعمه بالثلث الضامن

موقف فرنسي قريب حيال أزمة الحكومة اللبنانية

عون والحريري في لقائهما الأخير (دالاتي ونهرا)
عون والحريري في لقائهما الأخير (دالاتي ونهرا)
TT

عون يدفع باتجاه أزمة حكم و«حزب الله» يدعمه بالثلث الضامن

عون والحريري في لقائهما الأخير (دالاتي ونهرا)
عون والحريري في لقائهما الأخير (دالاتي ونهرا)

يدخل لبنان في حالة من الترقُّب السياسي لن تطول، وتتوقّف على رد فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال المكاشفة التي أطل بها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري على اللبنانيين، شارحاً فيها ما آلت إليه مشاورات تأليف الحكومة مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يزال يوصد الأبواب أمام تسريع ولادتها، وهذا ما انتهى إليه اجتماعهما الجمعة (الماضي)، والذي أعادها إلى نقطة الصفر رغم الجهود التي بذلها ماكرون وأدت إلى معاودة التواصل بينهما.
فالذين توقّفوا ملياً أمام إصرار الحريري في مكاشفته، على المضي في تحمُّل مسؤوليته بتشكيل الحكومة وتأكيده بأنها ستتشكّل في نهاية المطاف، لم يكن في وسعهم سوى السؤال عن الأوراق السياسية التي هي بحوزة الرئيس المكلّف؟ وما إذا كانت بمثابة رافعة له تدعوه للتفاؤل في ولادة الحكومة؟
ومع أن الحريري يحتفظ لنفسه بهذه الأوراق، فإن المصادر المواكبة لردود الفعل الأولية على مكاشفته تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يتوجّه إلى بعبدا للقاء عون من باب المجاملة ومراعاة منه لرغبة ماكرون، وإنما لاختبار مدى استعداده للتعاون على قاعدة أنه قرر الاستجابة عملاً لا قولاً لمضامين المبادرة الفرنسية.
وتلفت المصادر إلى أن ماكرون كان مهّد للقاء الحريري - عون باتصال أجراه بالأخير، وتقول إن الرئيس الفرنسي لن يبقى مكتوف اليدين حيال التصلُّب الذي أبداه عون برفضه إخراج عملية تأليف الحكومة من المراوحة كأساس لفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي تصطدم به، وبالتالي فإن الحريري أراد أن يقتحم سلمياً قصر بعبدا لعل ساكنه يبادر إلى مراجعة حساباته وصولاً إلى تزخيم المشاورات لتسريع ولادة الحكومة.
وتؤكد أن الحريري نسّق مع ماكرون في كل شاردة وواردة تتعلق بالعُقد التي لا تزال تؤخر تشكيل الحكومة، خصوصاً لأنه بات على معرفة بكل التفاصيل، وتقول إنه لن يبقى صامتاً وسيكون له الموقف المناسب على ضوء معرفته للجهة التي تعرقل ولادة الحكومة، وهذا ما سيُظهره إلى العلن في غضون أيام معدودة.
لكن هذه المصادر تفضّل عدم استباق موقف ماكرون الذي سيصدر عن ماكرون سواء عنه مباشرة أو عبر فريقه الذي يعاونه في التواصل مع الأطراف الرئيسة لتذليل العقد التي تعترض عملية التأليف، وتراهن على أنه سيضع النقاط على الحروف بعد أن أمهل المعنيين بتأليفها لعل عون يتهيّب منذ الآن رد فعل باريس الذي لن يكون عاديا.
وتعتبر أن مبادرة الحريري للإعلان عن اللائحة الملوّنة التي تسلّمها من عون وتضم مجموعة من الأسماء التي رشّحها لدخول الحكومة إن دلّت فإنها تدل على أن صاحب اللائحة ليس في وارد التعاون معه لتشكيل الحكومة، رغم أنه حاول تقديم ما ورد فيها من معلومات - وبحسب مكتبه الإعلامي - على أنها مغلوطة وغير صحيحة.
فردّ عون على اللائحة الملوّنة هو أشبه بـ«الفيديو» الذي سُرّب واتهم فيه الحريري بالكذب من دون أن يتجرّأ على نفي الأسماء الواردة فيها، وإن كانت مصادره حاولت أن تخفف من وطأتها بقولها إنها ليست نهائية، وكانت بمثابة محاولة لتجميع عدد من أسماء المرشحين.
وفي هذا السياق، تؤكد المصادر نفسها أن ما حملته اللائحة الملوّنة يوحي بأن من أعدها ليس في وارد التعامل بجدية مع المحاولات الرامية لتشكيل الحكومة أو بات على استعداد للتعاون مع الرئيس المكلف، وإلا لماذا قصد إدراج مجموعة من الأسماء النافرة فيها؟
وتقول بأن من أعد مثل هذه اللائحة ليس في وارد التعاون مع ماكرون لإنجاح المبادرة الفرنسية، وإلا ما هو سر الاتصال بين أحد أبرز الوجوه في تياره السياسي بنائب وزير الخارجية الروسي الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، وإن كان تردد بأن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل هو من تولى الاتصال به.
وتؤكد المصادر أن الروسي كان واضحاً لجهة عدم وجود نية لدى موسكو لإطلاق مبادرة تتعارض مع المبادرة الفرنسية التي تؤيدها وتدعو للتعاون من أجل إنجاحها من قبل عون الذي هو رئيس لكل اللبنانيين وليس لفريق من المسيحيين، خصوصاً أن الرئيس المكلّف يُبدي حرصه على التفاهم معه ولا نية لديه للاعتذار.
وكشف أن عون يصر على الثلث الضامن في الحكومة، وتساءل من يقف وراء الستار لدعمه في مطلبه الذي يرفضه الحريري؟ وأين يقف «حزب الله»، ومدى صحة ما يقال بأنه أوعز إليه بكلمة السر هذه بعد أن كان نصحه بصرف النظر عن مطالبته بهذا الثلث؟
وترى المصادر أن لديها من المعطيات ما يشير إلى دعم «حزب الله»، وإلا لماذا يلوذ بالصمت؟ وتقول إن عون يستعدي جميع الأطراف ما عدا حليفه الوحيد أي «حزب الله»، وهو يحاول أن يقدم نفسه على أنه المظلوم الوحيد، على أمل أن يسترجع شعبيته، مكرراً بذلك ما فعله في حروب «الإلغاء» و«التحرير» أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية.
كما أن عون هو من أقحم نفسه في اشتباكات سياسية سرعان ما ارتدّت عليه، وهذا ما يفسّر تفهُّم رئيس المجلس النيابي نبيه بري لموقف الحريري والذي برز أخيراً في موقف لمعاونه السياسي النائب علي حسن خليل برفضه الثلث الضامن، وأيضاً في موقف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وفي تقاطع طروحات الرئيس المكلف مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.
لذلك فإن عون يغرّد وحيداً وبات مضطراً لتسليم أوراقه لـ«حزب الله» وهو يحاول حالياً، بحسب المصادر، إيصال البلد إلى أزمة حكم لاعتقاده أنه يؤمّن لباسيل الجلوس على طاولة المفاوضات لإعادة تعويمه.
وعليه، فإنه لا مجال لإعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب الرافض الخضوع للضغوط التي تمارس عليه، مع أن الفريق السياسي لعون أبلغه بأنه باقٍ حتى نهاية العهد.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.