«النواب الليبي» يختار سرت لجلسة الثقة بالحكومة

الرئيس التونسي أكد للمبعوث الأممي استعداد بلاده للمساهمة في إنجاح التسوية السياسية

TT

«النواب الليبي» يختار سرت لجلسة الثقة بالحكومة

حسم مجلس النواب الليبي، أمس (الاثنين)، موقفه رسمياً من مكان انعقاد جلسته المرتقبة لمنح الثقة للحكومة الجديدة التي يعكف عبد الحميد دبيبة، رئيس الوزراء المكلف من ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، على تشكيلها حالياً، حيث تقرر عقدها في مدينة سرت (وسط ليبيا)، وذلك بعد موافقة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تضم ممثلي قوات الجيش الوطني وحكومة «الوفاق».
وأوصت جلسة تشاورية عقدها المجلس، بمقره في مدينة طبرق (أقصى شرق البلاد)، برئاسة المستشار عقيلة صالح، وحضور نائبه الثاني أحميد حومة، الحكومة بممارسة أعمالها من سرت التي «يستطيع الجميع الوصول إليها، وتتوفر فيها مقرات الإقامة والعمل، ولا توجد بها ميليشيات مسلحة»، داعية إياها للعمل على إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة كافة من ليبيا بأسرع وقت، وعدم تهميش أي إقليم من الأقاليم الثلاثة أو أي مدن بداخلها. كما دعت إلى الالتزام بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد نهاية العام الحالي، معتبرة أن عقد جلسة خاصة لمنح الثقة للحكومة بمثابة «حق أصيل للمجلس طبقاً للإعلان الدستوري، ودساتير العالم كافة».
وأعلن صالح، في توصيات تلاها، عن تشكيل لجنة برلمانية للتنسيق مع الحكومة الجديدة لإنشاء أحد المشاريع التي تحتاج إليها مدينة طبرق، وفاء من المجلس للمدينة على احتضانها له طيلة الفترة الماضية.
وقال صالح، خلال لقائه مساء أول من أمس بفعاليات محلية في مدينة طبرق، إنه سيتم فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق البلاد وغربها خلال الأيام المقبلة، بالإضافة إلى توحيد الميزانية وعودة المحتجزين، مشيراً إلى أنه تم إبلاغ رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد دبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي، بتمسكه وإصراره على الثوابت التي كانت نتاج مبادرة السلام، ومنها المشاركة في السلطة التنفيذية، والعدالة في توزيع إيرادات النفط.
وأضاف: «نحن نريد تمرير هذه الحكومة حتى تُوصلنا إلى فترة الانتخاب».
ومن جانبه، بحث المنفي مع وفد برلماني عن الجنوب ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وأبرز الملفات الخدمية من أجل حلحلتها. وسيعقد بعض أعضاء مجلس النواب جلسة اليوم في مدينة صبراتة (غرب طرابلس) لتغيير رئاسته الحالية، ومنح الثقة للحكومة الجديدة، برئاسة أبوبكر بعيرة، بصفته أكبر الأعضاء سناً، وسط حضور لافت للانتباه لعبد الله اللافي عضو المجلس الرئاسي الجديد.
إلى ذلك، قال خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، إنه بحث هاتفياً مع سفير ألمانيا لدى ليبيا، أوليفر أوفتشا، كيفية دعم السلطة التنفيذية الجديدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف بهدف إنجاز الاستحقاقات المحددة في خريطة الطريق المتفق عليها، وأبرزها: تقديم الخدمات للمواطنين، والمصالحة الوطنية، وتهيئة الظروف للانتخابات في الموعد المحدد.
وفي سياق متصل، عد الرئيس التونسي، قيس سعيد، أن ليبيا «مقبلة على مرحلة جديدة من تاريخها» بعد الاتفاقات السياسية الأخيرة، والشروع في مسار الانتقال من شرعية دولية مؤقتة إلى شرعية داخلية دائمة. وأعرب لدى اجتماعه (أمس) مع مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا، يان كوبيتش، عن استعداد بلاده لوضع كل إمكانياتها للمساهمة في إنجاح هذه المرحلة.
وقالت البعثة الأممية إن وزير الشؤون الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، أكد لكوبيتش لدى اجتماعهما أمس «التزام تونس الدائم باستقرار ليبيا»، وأعرب عن دعمه الكامل لجهود الأمم المتحدة، مشيرة في بيان لها أمس إلى أن كوبيتش أشاد بما وصفه بالدور الفعال لتونس في مساعدة الشعب الليبي وسلطاته على بناء ليبيا مستقرة مزدهرة موحدة تتمتع بكامل السيادة. كما شكر السلطات التونسية على دعمها المستمر للبعثة.
وفي المقابل، لفت وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى أهمية انتهاج عملية انتقالية حقيقية تقود إلى الانتخابات المزمعة في نهاية العام الحالي. وشدد خلال محادثات مع كوبيتش على أهمية تشكيل حكومة جامعة تمثل جميع الأطراف الليبية، وتسليمها مقاليد السلطة في أسرع وقت، وعلى ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لا سيما رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب.
وأعرب لودريان عن دعم فرنسا للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من أجل إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا، ووضع حد نهائي للتدخلات الأجنبية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.