دكة التاريخ

دكة التاريخ
TT

دكة التاريخ

دكة التاريخ

انقضت فترة الأسبوع التي حددها لي الدكتور مضر العبادي رئيس جمعية «جنائن التاريخ» لأعين لهم موضوعَ وعنوان محاضرتي بعد إلحاحه الشديد بالموافقة على قبول الفكرة؛ ما زلت أستعيد في ذهني صوت الرجل بنبرته المتوددة طيلة أيام الأسبوع التي انصرمت بسرعة لم أعهدها في أيامي عادة؛ فكثيراً ما تذمرت من الإحساس بعسر مضي اليوم الواحد وثقل ساعاته ولزوجة دقائقه.
- اختر موضوعاً من أي حقبة تاريخية تراها مثالاً للسعادة... للعدالة... أو هي أفضل من سواها في ذلك؛ فقد مل الناس - خصوصاً رواد جمعيتنا - النواح على ويلات التاريخ ومظالمه وهول صروفه؛ الجرائم والمؤامرات وسفك الدماء وهدر الحقوق؛ كل هذا صار مفهوماً، لنستعد بعض الصور المشرقة، لندع الناس تُسر بالأشياء الجميلة في التاريخ، دعنا نسير في «حدائق التاريخ» في جنائن التاريخ، وهذا هو اسم جمعيتنا كما تعلم.
قلتُ محاولاً التملص من المهمة: ما دام كل شيء صار مفهوماً، الويلات والمظالم والانتكاسات؛ فما الداعي لأن أتكلم لكم؟
- لدي رغبة جامحة لأن نُخرجك من صمتك؛ والحقيقة لدى جمهور جمعيتنا هذه الرغبة أيضاً لأن تتكلم وتحديداً عن مسرات التاريخ.
– لم تعد لي رغبة في الكلام منذ زمن بعيد، وحتى لو استجبت لكم تقديراً لمقدمك لكني لن أستطيع أن أتكلم بشيء يفيد ما تشتهون، فأنتم تطلبون المستحيل.
- ليس إلى هذا الحد!!
- عم أحدثكم؟ عن السفهاء؟ عن البلداء؟ عن فارغي العقول؟ عن خاوي الإحساس؟ هؤلاء وحدهم عاشوا السعادة ولكي لا أسرف في الغبن ليسوا جميعهم بالطبع.
- هذه مواضيع ممتازة... ومثيرة... ستحظى باهتمام الجمهور.
- أعلم أنها هي الأخرى قد تؤدي إلى ما لا يسر جمهورك.
مرات ومرات ظلت تدور هذه الجمل في ذهني طيلة الأسبوع الذي قضيته مواجهاً مكتبتي أطالع عناوين كتبها «أي حقبة مسرة؟ عمَ أتحدث؟! كل حقب التاريخ لا تخلو من آهات الإنسان... وقلت أكثر من مرة: كل حقب التاريخ لا تساوي آهة إنسان مظلوم».
أسبوع بالتمام والكمال انقضى معظمه؛ أستعرض عناوين الكتب التي أعرف بطونها من عناوينها، أضحك مع نفسي، بالتأكيد لو استقر رأيي على أي حقبة فينبغي ألا تكون لها صلة بالأديان؛ فتلك لا شك مثار أخذ ورد، وربما لن تنتهي الندوة بسلام؛ فقد يشتبك الحاضرون فيما بينهم، وحتى أنا قد لا أنجو بجلدي، يا لقساوة التاريخ بل يا لوقاحة هيمنته واستبداده. سيرن الهاتف وسيذكرني صديقي دكتور مضر العبادي بالوعد والموعد الذي لا تبعدنا عنه سوى ثلاثة أيام. ولم أجد وعداً مغرياً من كل هذه العناوين لأنفذ منه إلى إحدى الحقب يؤدي إلى ما يصبون إليه؛ هذه مكتبتي لم تمدني بما أبغي أو ما يبغون؛ فأنا على يقين، وهذا ما علمتني إياه هذه الكتب بعد عِشرة عمر طويلة معها، لن أجد فيها مبتغى ندوتهم.
رن هاتفي وتدفق صوت دكتور مضر قوياً في أذني:
- أنا بانتظار موضوع وعنوان المحاضرة أستاذ كي نطبع كارت الدعوة ونعلن عنها في وسائل الإعلام.
- لا موضوع ولا عنوان...
- ها!! لمَ أستاذنا العزيز؟ كيف أقتنع بذلك وأنت الألمعي القدير!
- لأني كذلك؛ لم أوفق بعد... لم أجد شيئاً يحقق بغيتكم.
- أخبرت الجميع وفرحوا بذلك و...
- أعطوني مهلة أخرى، أسبوعاً آخر
- نوهنا بأنك ستكون ضيف ندوتنا القادمة.
- اذكروا أي عذر... أحتاج أسبوعاً آخر
أحسست أن الرجل تكدر جداً فقد نطق آخر كلمتين بكل برود: مع السلامة.
طالت وقفتي أمام مكتبتي، والأسبوع الآخر لم يسعفني بشيء... وها هو رنين الهاتف... لم أرد... تكرر الرنين وتكرر عدم الرد... بعد برهة صمت رن الهاتف برنة واحدة؛ إشارة رسالة... فتحتها كانت منه «ما زلنا ننتظر وفاءك فلا تظلمنا كما ظلم التاريخ الذين من قبلنا»، وتحت الرسالة صورة وجه يكشر عن أسنانه ضاحكاً. كتبت له: «حسناً لن أكون ظالماً سأحضر في الموعد المقرر وأواجه جمهورك من دون موضوع ومن دون عنوان. اكتبوا في الإعلان ندوة حرة عن التاريخ؛ سأترك لجمهوركم إثارة المواضيع وسأتحدث عنها».
***
بعد اجتيازي السياج الخارجي للجمعية تهتُ في صفوف السيارات التي لم تترك فسحة ولو ضيقة بينها، سيارات بكل الألوان، وكل الموديلات الحديثة «كيف سيخلصون بعضها من بعض حين يغادرون»، في مدخل القاعة رأيت ثلة من الرجال الأنيقين جداً، وكذلك على جانبي المدخل، أحسستُ بتلصص الأنظار على مشيتي الوئيدة، وصُوبتْ نحوي أكثر من عين وامضة، وقبل أن أدلف من باب القاعة الواسع واجهتني لوحة طويلة عريضة تستقر بثبات فوق الباب «جمعية جنائن التاريخ»، تبسمت مع نفسي ثم زممت شفتي وقلت في سري من الأنسب أن يستبدلوها بـ«جنائن الظالمين»، لسعتني برودة القاعة كأنها تسرع في طرد الحر الذي تشربه بدني وأنا في طريقي إليها. تناثرت أجساد الحاضرين على الكراسي المنتظمة في صفوف، رؤوسهم متجهة إلى مقدمة القاعة، حيث المنصة التي اعتلاها الدكتور مضر العبادي، الرجل هب واقفاً ما إن لمحني، لمحت استدارة أصداغ الجالسين نحوي، كنت أتهادى ببطء نحو المنصة، تمنيتُ أن تطول المسافة بيننا، أن تنأى عني نأي الحقيقة عن التاريخ، عَصَر داخلي إحساس ممض، لعله شبيه بإحساس من يخطو إلى مشنقة، وما أكثرهم في بطون كتبي، ترسبت صورهم في ذاكرتي لكنها كانت تفيض على سطحها في صحوي ومنامي، كان وجه رئيس الجمعية هاشاً باشاً وكأنه يحثني على الإسراع في الوصول إليه، وأنا أتباطأ، وكأن الرجل سيحقق كسباً شخصياً بوصولي إلى منصته؛ حقاً لولا خصوصية علاقتي به لما كنت في هذا الموقف الآن... هل يستجيب امرؤ لدعوة إلى مشنقة؛ عن أي تاريخ سأتحدث؟! ماذا أقول لهم؟ أحدثهم عن الإحساس الذي تلبسني الآن؟ إحساس من يتوجه إلى مشنقة، أهو إحساس غريب أو نادر في التاريخ؟ أي تاريخ، كم من سيق إلى حتفه؟ كم وكم؟ إلى مشنقة... أو مقصلة... أو حائط الإعدام رمياً أو رجماً... أو دكة سياف.
اجتاحتني قشعريرة كادت تفقدني توازني، هذا الإحساس متغلغل في أعماقي وليس وليد هذه اللحظة... عشرات الآلاف من السطور في آلاف الصفحات نفثت تلك المشاهد الحية في وجداني ومخيلتي، تستعيد عيناي دائماً وميض دمائهم المسيلة على حد الظباة، أو على الأرصفة، أو حيطان الزنزانات، أو دكك السيافين، الارتعاشات الأخيرة لأجسادهم التي تخمد وكأن الأرواح غادرتها مفجوعة ومهومة نحو سموات مجهولة. لن أنسى أبداً جملة تدوي في رأسي دائماً غب كل لصفان للدماء المسفوكة في الحقب المختلفة «كل التاريخ لا يساوي آهة إنسان مغدور»... ماذا سأقول لهم؟ وعم سيسألون؟... عن الندمان؟! عن الغلمان؟! عن الجواري والمحظيات والسراري؟! عن المؤامرات والأحابيل والمكائد؟ عن المطامير والمنافي والغياهب؟
بَطؤ مشيي أكثر في توجهي نحو المنصة ورئيس الجمعية مفتوح الشدقين هاشاً باشاً. عم أحدثهم؟! «عن الأرامل والثكالى والأيتام؟ عن الجلادين؟ عن الطغاة؟ لم تنصف حقب التاريخ الجموع التي مرت عليها». وضعت قدمي على الدكة التي تنتصب عليها المنصة التي لم يبق لأكون خلفها إلا خطوة واحدة... خطوة واحدة وأجاور رئيس الجمعية... انطوى بوز حذائي على مقدمة السجادة الوثيرة زاهية الألوان التي تغطي الدكة، وقبل أن أرفع قدمي الثانية لتلحق بالأولى... استدرت... قوة ما أدارتني نحو الرؤوس التي في القاعة، وسرت مسرعاً – هذه المرة - نحو بابها الواسع.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.