مخاوف من تهديد المؤثرين لمكانة صحافيي السياحة والسفر

TT

مخاوف من تهديد المؤثرين لمكانة صحافيي السياحة والسفر

أثارت استعانة بعض الدول بالمدونين والمؤثرين للترويج لمقاصدها السياحية جدلاً ومخاوف بالوسط الصحافي، خاصة بين «صحافيي السياحة والسفر»، وذلك بعدما عدوا هذا الإجراء «تهديداً لمهنتهم». وفي حين يقول صحافيون إن «هناك فارقاً بين الصحافي والمدون، فالأول يوجه أسئلة صعبة للمسؤولين، ويكتب ما يقتنع به، في حين يقدم المدون مادة شبه إعلانية»، يرى خبراء إعلام أن «المدونين أكثر فاعلية وتأثيراً وإقناعاً، ويتضح ذلك من حجم التفاعل معهم على مواقع التواصل الاجتماعي».
وقد رصدت دراسة لجامعة أوميو السويدية، في مايو (أيار) الماضي، بعنوان «المدونون بالفيديو مصدراً للمعلومات حول المناطق السياحية»، تأثير مدوني الرحلات على السياحة في جورجيا. وقالت الدراسة إن «هذه المدونات أثرت على قرار المواطنين المتعلق بالسفر، وعلى تحديد المناطق التي يرغبون في زيارتها، وجعلتهم يشعرون بأنهم أكثر استعداداً للرحلة»، وتوقعت أن «يزداد تأثيرهم في المستقبل».
جيما ساورا، الصحافية في قسم شؤون الخارجية بصحيفة «لاڤانغارديا» (أي الطليعة) الإسبانية، أشارت إلى «اللغط الذي أثارته قضية الاعتماد على المدونين في إسبانيا الصيف الماضي، عندما دعي عدد من المدونين الإسبان لزيارة إحدى الدول لنشر مواضيع عن معالمها السياحية».
وأضافت ساورا لـ«الشرق الأوسط» أن «المدونين يكتبون من أجل المال، وبالتالي فهم مطيعون أكثر، وملتزمون بتوجيهات الجهة الداعية لهم»، على حد قولها. وتابعت أن «هناك فارقاً بين الصحافي والمدون، فالأول يوجه أسئلة صعبة للمسؤولين، ويكتب ما يقتنع به، في حين يقدم المدون مادة شبه إعلانية، وعادة ما يحصل على عائد مادي، سواء من المسؤول أو الجهة، مقابل ما يكتبه».
ومن جانبه، يرى الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الذي يشرف حالياً على رسالة ماجستير تتعلق بالاستعانة بالمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في أغراض صحية وتجارية وتوعوية، أن «هؤلاء المدونين أكثر فاعلية وتأثيراً وإقناعاً، وأقل تكلفة. ويتضح ذلك من حجم التفاعل معهم على مواقع التواصل، في وقت يصعب فيه تحديد مدى تأثير الإعلام التقليدي، في ظل عدم وجود تقارير مشاهدة ذات مصداقية»، ويردف أنه «بالنسبة لاقتصاديات الإعلان، فالمعلن يفضل الاعتماد على المدونين لأنهم أقل تكلفة، وأكثر تأثيراً على الشباب».
ووفق تقرير لموقع «فوربس» الأميركي عام 2018، فإن «أكثر من 40 في المائة من الشباب تحت سن الـ33 سنة يعتمدون على منشورات إنستغرام عند اختيار وجهات السفر التي يقصدون». كذلك أشار التقرير إلى أن «معدلات الزيارة السياحية زادت بنسبة 14 في المائة في مدينة واناكا الصغيرة في نيوزيلندا بعد تنفيذ خطة ترويجية اعتمدت على المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي».
ساورا تضيف هنا أن «المؤثرين قد يكون لهم دور في الترويج السياحي، ولن أندهش إذا ما اعتمدت عليهم الحكومة الإسبانية، لكن هذا لن يكون مجدياً في القضايا الأخرى المتعلقة بالسياسة والاقتصاد». وفي الوقت نفسه، ترى أن «هذا يعد تهديداً للصحافيين في مجال السياحة والسفر الذين يكتبون مواضيع صحافية تعرض وجهات النظر المختلفة، بعكس الدعاية التي يقدمها المدونون». وتصف ما يحدث من قبل بعض الحكومات لدى اعتمادها على المدونين في الترويج للمقاصد السياحية بأنه «استراتيجية لتدمير الإعلام التقليدي».
ساورا تشكك أيضاً في مدى تأثير المدونين الفعلي، قائلة: «ربما كان هذا التأثير في الماضي، لكن كثيرين من الناس اليوم يعرفون أن ما يقدمه المدونون إعلانات مدفوعة الأجر، وبالتالي ليست هناك ثقة كاملة فيما يقدموه»، في حين يرى الدكتور العالم أن «تأثير المدونين نابع من تقديمهم مواد فيها قدرٌ من المتعة والتسلية، إذ إنهم يقدمون المحتوى الإعلاني بشكل غير مباشر، وهو ما يجعل الناس أكثر تقبلاً للأمر. كما أن الطابع الشخصي لصفحاتهم يتيح لهم التواصل مع الجمهور وتبادل الحوار معهم».
وعلى صعيد متصل، بحسب بحث نشرته «المجلة الدولية للأبحاث العلمية» في مارس (آذار) عام 2019 حول تأثير مدونات السفر على قرار طلبة جامعة بانغلور في الهند، فقد أشارت النتائج إلى أن «64 في المائة من المتابعين يشاهدون مقاطع فيديو تتعلق بتفكيرهم في القيام برحلة سياحية، و60 في المائة يحددون اختياراتهم بناء على هذه المقاطع. كما أن مدونات السفر هي أكثر المواد متابعة على يوتيوب».
وبالنسبة لموقف الحكومات، تشير ساورا إلى أن «الحكومات لا تدرك أنه قد يكون للمدونين أجندات سياسية أيضاً، ثم إنهم غير مدربين، وبالتالي ثمة خطورة في الاعتماد عليهم». واستشهدت في ذلك الأمر بـ«اعتماد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على المدونين، ودعوة عدد من المدونين المنتمين للحركات اليمينية المتطرفة لحضور المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض، وهو ما أثار حفيظة الصحافيين في ذلك الوقت».
الدكتور صفوت العالم يختتم حديثه بالقول إنه «لو جرى تدريب هؤلاء المدونين على مداخل الاستمالات الإقناعية، وزيادة وعيهم بالقضايا التي يتحدثون عنها، سيزيد تأثيرهم، خاصة أن تأثيرهم الحالي كبير؛ كونهم أكثر قرباً للناس من الإعلام التقليدي». وهو ما تؤكده دراسة جامعة أوميو السويدية عندما تشير إلى أن «الرسالة التسويقية التي يقدمها المدونون أكثر شخصنة من تلك التي تنشر عبر الإعلانات التقليدية، ونجاح المدون في مقطع الفيديو لا يعتمد على المحتوى الذي يقدمه بقدر ما يعتمد على شخصيته، ومشاركة مشاعره وآرائه الشخصية».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.