خبير أثري يدشن حملة لإعادة المومياوات الفرعونية إلى قبورها

تحت شعار «العودة إلى الأبدية» ويطالب بمومياء «الأشهب» من المتحف البريطاني

بسام الشماع
بسام الشماع
TT

خبير أثري يدشن حملة لإعادة المومياوات الفرعونية إلى قبورها

بسام الشماع
بسام الشماع

بعد أكثر من 25 عاما من عمله في مجال الإرشاد السياحي في مصر، يطالب الخبير الأثري والكاتب في علم المصريات بسام الشماع بعدم عرض مومياوات المصريين القدماء في المتاحف وإعادتها لمقابرها في وادي الملوك بالأقصر وأماكن دفنها الأصلية.
ودشن الشماع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «العودة إلى الأبدية» يطالب فيها بغلق غرفة المومياوات في المتحف المصري كما كانت مغلقة في عهد الملك فؤاد الأول (الذي حكم مصر بين 1917 - 1936)، وعهد الرئيس محمد أنور السادات (حكم مصر بين 1970 - 1981). وتضم الغرفة مومياوات لملوك مصر الفرعونية ومنهم: الملك أحمس الشهير بـ«قاهر الهكسوس (حكم خلال الفترة 1550 - 1525 قبل الميلاد) والملك تحتمس الثاني، وتحتمس الثالث (حكم خلال الفترة من 1479 - 1425 ق.م) ويلقب بـ«بالفرعون الأسطورة» لكثرة فتوحاته، وتأسيسه لأول جيش نظامي، والملك تحتمس الرابع، والملك سيتي الأول، ومومياء الملك رمسيس الثاني الذي يرجح أنه «فرعون موسى (حكم خلال الفترة 1279 – 1213 ق.م)، ومومياء الملك مرنبتاح، ويحتاج دخولها لدفع تذكرة باهظة الثمن منفصلة عن باقي غرف المتحف، ويمنع فيها التصوير.
يقول الشماع في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن سبب تدشينه للحملة رغم عمله في مجال الإرشاد السياحي لفترة ربع قرن من الزمان، وعمله محاضرا عن الآثار المصرية حول العالم، مجيبا: «من خلال عملي واحتكاكي بالسائحين وجدت أن عرض المومياوات لا يفيد حضارتنا أو السائح في شيء بل يضر بها لأن البعض قد يصورها أو يسخر منها أو يتلفظ بألفاظ غير لائقة، كما أن بعض السائحين لا يبالي أصلا بدخول الغرفة، والبعض الآخر يتأذى من رؤية جثث أشخاص توفوا منذ آلاف السنين».
ويضيف الشماع: «إن مطالبتي بعودة المومياوات لمقابرها احتراما لها جاءت نتيجة مشاهداتي عبر عشرات السنين»، ويتساءل الشماع: «هل توافق أن يعرض جثمانك بعد وفاتك في (فاترينة)؟ أتوافق أن يعرض جثمانك هكذا أمام الناس، لمن يدفع تذكرة؟!».
وأوضح الشماع الذي ألف عددا كبيرا من الكتب عن الحضارة المصرية القديمة باللغتين العربية والإنجليزية: «اتخذت الإجراءات اللازمة وحاولت منذ أكثر من عام ونصف استصدار فتوى بخصوص شرعية أو حرمانية عرض المومياوات، وذهبت إلى كل من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهيئة كبار العلماء المسلمين، ودار الإفتاء المصرية، ولجنة الفتوى بالجامع الأزهر الشريف، إلا أنني لم أحصل على أي رأي أو فتوى بخصوص ذلك لتحريم عرض الجثامين (المومياوات) بعد موتها».
«الموضوع في طور البحث لأنه موضوع جديد» هذا هو الرد الذي حصل عليه الشماع، الذي يقول بكل أسى: «لا توجد استفادة على الإطلاق من عرض المومياوات، كما لا توجد جدوى من استخرج الـDNA من مومياء لجثة توفاها الله من آلاف السنين.. لا توجد جدوى من إدخال مسبار داخل حوض المومياء لأخذ عينة وفي النهاية لكي يقولوا لنا مثلا إن إخناتون هو والد توت عنخ آمون، إنها معلومات نعرفها جميعا والعالم كله يعرفها ومسجلة في كتب التاريخ منذ عشرات السنين، في حين أن الجهود البحثية لو وجهت لدراسة الفلك، أو الطب أو الهندسة في مصر القديمة بالتأكيد سوف نكتشف معلومات مفيدة لنا لم نتمكن من اكتشافها من قبل».
ورغم خلفيته العلمية المؤسسة على نظام التعليم البريطاني، حيث تخرج بسام الشماع في فيكتوريا كوليدج الإنجليزية في مصر، يطالب الشماع إنجلترا بالاعتذار لمصر كما اعتذرت لدول أخرى عن الحروب العالمية، قائلا: «لابد أن تعتذر إنجلترا لمصر وتتأسف على ما بدر من عالم الآثار هوارد كارتر وديري (السفاح)، اللذان قاما بفصل القناع الذهبي عن مومياء توت عنخ آمون بالسكاكين الساخنة مما أدى إلى فقدان أجزاء من مومياء الملك، وهو ما ذكره أيضا المؤرخ البريطاني فوربس في كتابه (مقابر ومومياوات)».
ويطالب الشماع أيضا في حملته باستعادة مومياء الأشهب (Gebelein man)The Ginger المعروضة في المتحف البريطاني لرجل عار تماما، وهي مومياء لرجل مصري أشهب البشرة تعود إلى عصر ما قبل التحنيط، لكنها وجدت في الصحراء وقد جفت بسبب الرمال الساخنة واحتفظ جسده بشكله، قائلا: «هذا لا يصح أبدا في حق أجدادنا!».
ويضيف: «ألا يستحق ملوكنا العظام أن نحترمهم بأي حق نعتدي على حرماتهم، ومن تعاليم الإسلام (إكرام الميت دفنه)، وأرد على مزاعم البعض بأن المومياوات تدلل على عظمتنا وحضارتنا وتدر دخلا، بأن هذا الكلام خاطئ تماما، لأنه إذا قمنا بدراسة فترة حكم السادات ستكون أبلغ رد على ذلك، حيث ازدهرت السياحة في وقت كانت فيه غرفة المومياوات بالمتحف مغلقة، وهى لا تدر الكثير من الدخل رغم ارتفاع سعر دخولها 100 جنيه مصري (14 دولارا) للسائح، لأن عددا كبيرا من شركات السياحة لا تدرج زيارة الغرفة ضمن برنامج الجولات لارتفاع سعرها أو لعدم رغبة السياح في زيارة جثث محنطة».
ويروي الشماع موقفا حدث معه شخصيا: «في إحدى جولاتي مع سياح من إنجلترا رفضت سائحة الدخول لغرفة المومياوات وظلت تبكي فاقتربت منها وسألتها فقالت إنها فقدت ابنها شابا وعمره 19 عاما، وإنها إذا دخلت الغرفة سوف تتذكره».
ويقترح الشماع إعادة المومياوات الخاصة بأهم ملوك الفراعنة إلى مقابرهم بوادي الملوك في احتفالية عالمية، التي سوف تدر دخلا كبيرا إذا أمكن تسويقها جيدا، وربما قد يعيد الحياة للسياحة التي دمرت في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، مؤكدا أن غلق غرفة المومياوات لن يضر بالسياحة ولن يؤثر عليها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».