الجمود يسيطر على الداخل اللبناني وتعويل على حراك الخارج

عون يرد على المطالبين بـ«التنازلات» ويعتبرها «حقوقاً دستورية»

TT

الجمود يسيطر على الداخل اللبناني وتعويل على حراك الخارج

جدّدت الرئاسة اللبنانية تأكيدها على عدم مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون بالثلث المعطل في تشكيل الحكومة واعتبرت أن التنازلات التي يطالب بأن يقدمها هي «حقوق دستورية»، في وقت عاد البطريرك الماروني بشارة الراعي للمطالبة بعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان في غياب أي مؤشرات داخلية لحل أزمة الحكومة.
وتتجه الأنظار إلى ما سينتج عن الجولة التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والتي يفترض أن يزور خلالها باريس قبل أن تكون له كلمة بمناسبة ذكرى اغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، يوم الأحد المقبل.
وفي بيان له، أكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن «بعض السياسيين والإعلاميين يستعمل عبارة (تنازلات) ينبغي أن يقدمها الرئيس عون في معرض الحديث عن مخارج لتشكيل الحكومة العتيدة. والصحيح أن ما يسمى (تنازلات) هو في الواقع حقوق دستورية يحرص رئيس الجمهورية على المحافظة عليها والمناداة بتحقيقها».
ورأى البيان أن استمرار البعض في الادعاء بمطالبة الرئيس عون بـ«الثلث المعطل»، على رغم النفي المتكرر لذلك، يدلّ على افتقار الحجج الموضوعية واللجوء إلى حجج غير واقعية ومختلقة على قاعدة «عنزة ولو طارت».
وأتى هذا البيان ليؤكد رفض رئيس الجمهورية تقديم أي تنازلات قد تطلب منه، بحسب ما تقول مصادر مطلعة على اتصالات الحكومة لـ«الشرق الأوسط» مؤكدة أن المراوحة والجمود يسيطران على المشاورات فيما تلفت إلى إمكانية التعويل على ما قد ينتجه الحراك الخارجي، في ضوء عودة الحديث عن المبادرة الفرنسية، كاشفة أن الفاتيكان أبدى دعمه لها وهو ما قد يمنحها بعض الزخم. من هنا، دعت المصادر إلى انتظار ما سيظهر بعد جولة الحريري وزيارته إلى باريس وكيفية ترجمة أي إيجابية قد تظهر في الداخل، وذلك عبر مبادرة من رئيس البرلمان نبيه بري أو لقاء بين عون والحريري.
وفي الوقت الذي تأخذ فيه دعوة الراعي لتدويل الأزمة اللبنانية حيزاً من الاهتمام اللبناني، عاد وجددها أمس في عظة قداس «مار مارون»، حيث قال إن اللبنانيين «يعانون العذابات ويقدمون التضحيات والدولة مشغولة بأمور صغيرة»، مضيفاً: «المسؤولون يتنافسون في تعطيل الحلول ما يدفعنا إلى التطلع إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر خاص لإنقاذ لبنان من السقوط».
وكان لنائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي لقاء مع الراعي، حيث تحدث عن أزمة وجودية يعاني منها لبنان. وقال بعد اللقاء، إن «الظروف شاءت في هذا اليوم بالذات أن تعيش البلاد هذه الأزمة التي تكاد تكون وجودية بكل ما تحمل الكلمة من معنى»، مشيراً إلى أنه تمت «مناقشة الأمور المطروحة في هذا الوطن»، لافتاً إلى «إصرار صاحب الغبطة أنه لا شيء يعلو مسألة تأليف حكومة تأخذ البلد إلى سكة الخلاص وتعالج قضايا المواطنين الأساسية وكل المشاكل الاقتصادية والنقدية والسياسية والاجتماعية».
ونقل عن الراعي اعتقاده «أن كل المكونات في المجتمع اللبناني عندما تتألف الحكومة تكون قد وصلتها حقوقها، لأن مسألة الأضرار المترتبة كعبء على هذه المكونات وشعب هذه المكونات والجماعات هو أكبر بكثير من الادعاء بحماية هذه الطائفة أو تلك. المطلوب تأليف حكومة لكي يصار إلى جمع اللبنانيين تحت علم لبنان، وتحت إدارة الدولة اللبنانية، وقيادة الدولة الواحدة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.