جان عبيد... المرشح الوسطي الدائم لرئاسة الجمهورية

مهّد لتسويات بين المتحاربين في الحرب وكسب ودّ الجميع

الراحل جان عبيد (تويتر)
الراحل جان عبيد (تويتر)
TT

جان عبيد... المرشح الوسطي الدائم لرئاسة الجمهورية

الراحل جان عبيد (تويتر)
الراحل جان عبيد (تويتر)

لم يغب اسم النائب اللبناني الراحل جان عبيد منذ العقد الماضي، عن قائمة المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية اللبنانية. فالنائب الراحل، الذي عُرف بأنه رجل متوازن بالسياسة، ومقبول من معظم الأطراف في لبنان، خطّ حياته السياسية بهدوء، وكسب أصدقاء كُثراً خارج البلاد، وحظي بثناء المسؤولين العرب منذ عرفوه مستشاراً لرئيسين لبنانيين في زمن الحرب، ووزيراً للخارجية قبل انفجار الهدوء في لبنان في الحكومة الأخيرة للرئيس الراحل رفيق الحريري.
عندما تصاعدت الاعتراضات الداخلية على تمديد ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود في عام 2004، طُرح اسم عبيد بشكل جدي لرئاسة الجمهورية، قبل أن يرفض الرئيس السوري بشار الأسد ذلك الخيار، ليس رفضاً لعبيد، بل بسبب القرار الأميركي - الفرنسي المشترك بالانسحاب السوري من لبنان، بحسب ما ينقل نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن الأسد في كتابه «أجمل التاريخ كان غداً». ومنذ ذلك الوقت، تحول عبيد إلى مرشح جدي ودائم، بحسب ما يقول عارفوه لـ«الشرق الأوسط»، كمرشح «وسطي ومقبول من الجميع».
والوسطية، اكتسبها خلال تدخله كوسيط بين المتحاربين خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ولم يكن آنذاك بعيداً عن النظام السوري. بقي على تواصل مع الجميع، ومهّد لتسويات وفض نزاعات بين المتحاربين في زمن التصادم العنيف، مصراً على الحفاظ على الدولة كإطار جامع للجميع وحام وضمانة لجميع المواطنين، وحفظ البلاد. بهذه الإرادة، شغل موقع مستشار لرئيس الجمهورية الراحل إلياس سركيس منذ عام 1978 حتى انتهاء ولايته في عام 1982، ولرئيس الجمهورية الأسبق أمسن الجميل منذ وصوله إلى الرئاسة في عام 1983 وحتى عام 1987. ويصح فيه قول الأمين العام السابق لجماعة الدول العربية عمرو موسى قائلاً: «شخصيته اتسمت بسعيه الدائم إلى وحدة اللبنانيين ركناً أساسياً من أركانه».
وعبيد الحقوقي والسياسي، يعد واحداً من عدة شخصيات برلمانية مخضرمة في البرلمان اللبناني، وهو أحد فقهاء الدستور القليلين في البرلمان، وأحد المشرعين البارزين.
ويصف صديقه عبد الحليم كركلا عبيد بأنه «سكنَ الضوءَ لينيرَ الآخرين»، وهو رمز للسياسيين الأشراف، واصفاً إياه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأنه «رمز للحكمة والمعرفة، وكم نحن اليوم بحاجة لأمثاله».
ويقول كركلا: «من عرفه من أصدقائه يعلم جيداً، أن حياتَه لم تكن سوى حلم يجسدهُ رجل أمطر العبر وعاشَ حقائقَ الحقبات السياسية في لبنان والبلاد العربية، وكان أهلاً ورائداً لكلّ حقبة». ويضيف: «إنه الرجل الذي كان يربط الأحداث بما تختزنه في الذاكرة من نور ومعرفة لتؤثر في مسيرة صناعة المستقبل». ويشير كركلا إلى أن عبيد عرفه رجال السياسة «كيف كان ينسج الأوضاع السياسية في أحلك الظروف، وذلك في سبيل خدمة الوطن والإنسان».
وولد عبيد في عام 1939، وهو متأهل من لبنى البستاني ابنة قائد الجيش سابقاً العماد إميل البستاني، وله منها 5 أولاد. درس الحقوق في جامعة القديس يوسف، وعمل كاتباً في عدد من وسائل الإعلام، قبل أن يعين في عام 1978 مستشاراً لرئيس الجمهورية إلياس سركيس، حتى نهاية ولايته عام 1982، ثم عُيّنَ في العام 1983 مستشاراً لرئيس الجمهورية أمين الجميل حتى عام 1987، وشارك خلال هذه الفترة في مفاوضات إلغاء معاهدة 17 أيار مع إسرائيل وفي صياغة بيان الإلغاء.
شارك عبيد في مؤتمر جنيف خلال الحرب الأهلية، وعُيّن في عام 1991 نائباً عن المقعد الماروني في الشوف، وانتخب في عام 1992 نائباً عن طرابلس، وأعيد انتخابه في دورات أعوام 1996 و2000 عن المقعد نفسه. كما انتخب عام 2018 نائباً عن المقعد الماروني في طرابلس.
وعُيّن وزيراً مرتين، أولهما وزيراً للتربية الوطنية ووزيراً للشباب والرياضة في حكومة الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس إلياس الهراوي في عام 1996، وثانيهما وزيراً للخارجية والمغتربين في عام 2003 في حكومة الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس إميل لحود.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.