عصر جديد للطيران الأسرع من الصوت

«إكس بي-1» نموذج تجريبي مصغر من طائرة «أوفيرتور»
«إكس بي-1» نموذج تجريبي مصغر من طائرة «أوفيرتور»
TT

عصر جديد للطيران الأسرع من الصوت

«إكس بي-1» نموذج تجريبي مصغر من طائرة «أوفيرتور»
«إكس بي-1» نموذج تجريبي مصغر من طائرة «أوفيرتور»

تزعم شركة «بوم سوبر سونيك» المطوّرة لطائرة بسرعات أعلى من الصوت تضمّ 65 مقعداً، أنّ النموذج التجريبي الأصغر حجما منها سيحلّق في أوّل اختبار خلال العام الجاري.

طائرات سريعة

حطّت طائرة الكونكورد، أوّل طائرة أسرع من الصوت في العالم، للمرّة الأولى قبل 17 عاماً. وشكّل هذا الحدث خطوة كبيرة في مجال الهندسة، ولكنّه لم ينجح في المجال التجاري. إذن، ما الذي يدفعنا للتصديق بأنّ أداء طائرة «بوم سوبر سونيك» سيكون أفضل؟
يطرح بلاك شول، مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، هذا السؤال بصيغة معاكسة: كيف لأدائها ألّا يكون أفضل؟ صُممت الكونكورد في عام 1960 باستخدام مساطر حاسبة وأنفاق رياح، بينما تمّ تصميم النموذج الأوّل من طائرته «أوفرتور» Overture بواسطة برنامج إلكتروني وصُنع هيكلها من مواد متناهية الخفّة ومحرّكات عالية الفاعلية. تساهم هذه المعادلة في خفض استهلاك الوقود على مقياس «الرّاكب - الميل» بشكل كبير مقارنة بمستويات استهلاك الكونكورد، وبنسبة كافية تجعل تكلفة الرحلة على متن هذه الطائرة موازية لكلفة الرحلة على درجة رجال الأعمال التقليدية.

نموذج تجريبي

يرى شول أنّ «التحدّي الأكبر لا يكمن في التقنية ولا في أنّ النّاس لا يرغبون بهذه الطائرات، وليس أنّ هذه الطائرات غير رابحة، بل يكمن بتنفيذها المعقّد وجمع الأشخاص المناسبين المخوّلين لتنفيذها وبناء شركة ناشئة في صناعة لا تعتمد عادة على شركات ناشئة».
في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلقت شركة «بوم» نموذجا لطائرة بحجم يبلغ ثلث حجم من «أوفرتور»، باسم «إكس بي - 1» XB - 1 وكان الهدف من هذا الإطلاق إثبات فاعلية مبادئ التصميم وبيئة العمل في قمرة القيادة، وما يُعرف بغلاف الطيران (قدرات التصميم لجهة السرعة والحمولة والكثافة الجوية) وحتّى تجربة الطيران نفسها.
وكشف شول أنّ الرحلة الأولى لهذا النموذج ستتمّ في «المستقبل القريب» فوق صحراء موهافي، لافتاً إلى أنّ النموذج يضمّ مقعداً واحداً، أي أنّ الرحلة ستقلع بالطيّار وحده. أمّا الطائرة الأساسية «أوفرتور»، فتضمّ 65 مقعداً ومن المقرّر أن تؤدّي أوّل طيرانٍ لها في عام 2026 ما سيمنح الشركة الوقت الكافي للحصول على التراخيص المطلوبة من الجهات التنظيمية قبل البدء بتشغيل الرحلات التجارية في 2029،
لا تعتمد صناعة الطيران عادة معيار النماذج التجريبية للطائرات ولكنّ «إكس بي - 1» كانت ضرورية لأنّ «بوم سوبر سونيك» بدأت عملها من الصفر.
في حديث له مع دورية «سبكتروم» لجمعية المهندسين الكهربائيين الأميركيين، يقول براين دورّينس، نائب الرئيس المسؤول عن تطوير «أوفرتور»: «لا شيء تعليمي أكثر من الأجهزة الطائرة. إذا كانت شركتك تملك أسطولاً من الطائرات، فهذا يعني حتماً أنّك تستخدم طائرة حلّقت من قبل. ولكنّ القفز المباشر إلى بناء أوّل طائرة تجارية لك من الصفر، لا يعتبر غالباً خطّة تجارية رائعة».

تصميم متميز

تتميّز «إكس بي - 1» بتصميم نحيل وبسيط بأجنحة دلتا سوداء مرتدّة للخلف وثلاث محرّكات نفّاثة، منها اثنان مثبّتان تحت الجناحين وثالثٌ تحت الذيل. كما أنّها تضمّ حالياً محرّكات طائرة تقليدية مدمجة بحوارق لاحقة (أدوات حرق مضافة يتم تركيبها في نظام العادم للمحرك النفاث) تعزز الدفع وتستهلك كميات هائلة من الوقود كالتي كانت مستخدمة في الكونكورد، وأسهمت في ارتفاع تكلفة تشغيلها. ولكنّ الطائرة المستقبلية ستعتمد على محرّكات زعنفية مروحية لا تحتاج إلى حوارق لاحقة.
يختلف اليوم عن الأمس بالاستخدام الحرّ للرؤية الافتراضية لمحيط الطائرة. فقد اتسمت الكونكورد، الطائرة المحسنة لجهة السرعة، بإقلاع وهبوط غريبين عندما كان يتعين إمالة جناحيها إلى الأعلى لتوفير قوّة رفع كافية في السرعات المنخفضة. لضمان حصول الطيّار على رؤية واضحة للمدرج، كانت الطائرة تحتاج إلى مقدّمة «منخفضة». ولكنّ «إكس بي - 1» يمكنها الحفاظ على واجهة مستقيمة لأنّها تعتمد على كاميرات وشاشات مراقبة في قمرة القيادة تتيح للطيّار رؤية اليابسة بوضوح تامّ. لتسريع عملية التصميم، لم يكتفِ المهندسون باستخدام النمذجة الكومبيوترية، بل اعتمدوا أيضاً على الطباعة الثلاثية الأبعاد التي أتاحت لهم صناعة أجزاء النموذج الأوّلي في ساعات قليلة ومراجعتها وطباعتها من جديد. تستخدم شركة «بوم» قطعاً من صناعة شركة «ستراتاسيس» المتخصصة بالصناعات المطبوعة، والتي تستخدم نظام ليزر جديد من تطوير شركة «فيلو 3 دي» لتحويل مسحوق التيتانوم إلى أجسام بقنوات داخلية دقيقة تضمن خفّة الوزن وتتيح مرور هواء التبريد.
وتقول الشركة إنّ هناك أشخاصا يشعرون بحاجة فطرية إلى السرعة وترجح استطلاعات السوق أن معظم المسافرين في رحلات الأعمال سيشترون بطاقة على متن طائرة أسرع من الصوت بنفس سعر بطاقة درجة رجال الأعمال، وأنّ مزيداً من النّاس سيفضّلون السفر بهذه الطائرات إذا ما سمحت لهم بالانتقال من نيويورك إلى لندن في ثلاث ساعات ونصف الساعة لحضور اجتماع ومن ثمّ العودة إلى المنزل والنوم في سريرهم.
وتعتقد الشركة بأن انتقال الطائرات الأسرع من الصوت إلى السوق التجارية سيؤدي إلى هبوط تكلفة صناعة الوحدة، ومن ثمّ إلى انخفاض التكاليف، ويشجّع المزيد من السيّاح على كسر حاجز الصوت. ولهذا السبب، قرّرت أن تترك سوق الطائرات التجارية الأسرع من الصوت والتي تضمّ عادة 19 مقعداً أو أقلّ لشركاتٍ كـ «فيرجن غالاكتيك» و«آيريون سوبر سونيك».
وضعت «بوم» خطّة لتسيير رحلاتها بين المدن الشاطئية لأنّ الطرقات التي تعبر فوق المياه لا تسبب انفجارات صوتية ولا تؤثر على أحد باستثناء الأسماك، أي أنّنا نتحدّث عن رحلات محصورة وخاصّة. ولكن تبقى للرحلات التي تعبر فوق المياه حصّة رابحة وكبيرة من هذه السوق لا سيما أنها تعبر طرقات طويلة تعتبر السرعة العامل الأهمّ فيها.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً