باسيل يبتز حليفه «حزب الله» لضمان مستقبله

يدرك أن «العهد القوي» يتهاوى ولا أمل في إنقاذه

عون ونصر الله أثناء توقيعهما الاتفاق قبل 15 عاماً (غيتي)
عون ونصر الله أثناء توقيعهما الاتفاق قبل 15 عاماً (غيتي)
TT

باسيل يبتز حليفه «حزب الله» لضمان مستقبله

عون ونصر الله أثناء توقيعهما الاتفاق قبل 15 عاماً (غيتي)
عون ونصر الله أثناء توقيعهما الاتفاق قبل 15 عاماً (غيتي)

لم يتضمّن البيان الصادر عن المجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر»، في الذكرى الخامسة عشرة للتوقيع على ورقة التفاهم بين رئيسه ومؤسسه آنذاك العماد ميشال عون وبين الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أي جديد سوى أنه جاء بمثابة إعادة صياغة لمواقفه التي عبّر عنها رئيسه الحالي النائب جبران باسيل في أكثر من مناسبة أبرزها محاولته الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليه قبل أن تدخل حيّز التنفيذ، ولم يفلح في تقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب؛ سعياً لإقناع إدارته بصرف النظر عنها.
ولعل الأهمية الوحيدة لهذا البيان تكمن في اختياره التوقيت لمناسبة مرور 15 عاماً على توقيع ورقة التفاهم ليتوجّه من خلالها بجردة حساب من حليفه «حزب الله» تحت سقف ضرورة إخضاعها إلى مراجعة إيجابية لتبيان مكامن الخلل، انطلاقاً من أن «التيار الوطني» التزم بما تعهد به لجهة تجنيب لبنان شرور الفتنة والانقسام، وحماه من اعتداءات الخارج بردع إسرائيل وصد الإرهاب، في مقابل أن من التزم بهذه الورقة، في إشارة إلى شريكه الشيعي، لم ينجح في توفير الدعم له في معركة بناء الدولة وسيادة القانون ومكافحة الفساد.
ومع أن «التيار الوطني» أراد أن يرمي المسؤولية في إعاقة مشروع الدولة وبطريقة غير مباشرة على حركة «أمل» الحليف الاستراتيجي لـ«حزب الله» الذي يبدو أنه ليس في وارد الرد عليه في محاولة لاستدراجه للدخول في سجال سياسي لا يتوخّاه، رغم أنه يدرك جيداً أنه وحليفه باسيل محكومان بالتحالف الذي سيبقى صامداً حتى إشعار آخر لتعذّر تأمين البدائل.
كما أن نصر الله كان أول من تجاوب مع باسيل بإجراء مراجعة لورقة التفاهم، وانسحب موقفه على نائبه الشيخ نعيم قاسم، خصوصًا بعد صدور العقوبات الأميركية التي استهدفت رئيس «التيار الوطني». ولاحقاً تقرر تشكيل لجنة مشتركة تتولى إعادة تقويم العلاقة التحالفية بينهما، وتتقدّم بمقترحات لتفادي الخلل الذي أصابها، وضمت اللجنة عن «التيار الوطني» النائبين آلان عون، وسيزار أبي خليل، وعن «حزب الله» النائب حسن فضل الله ورئيس العلاقات الإعلامية محمد عفيف ورئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله.
وفي هذا السياق، قال مصدر نيابي يتقاطع في معظم مواقفه مع «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» إن هناك جملة من الأسباب لا يمكن تجاهلها لتفسير إصرار باسيل على مطالبته بمراجعة ورقة التفاهم، مع أن لا مصلحة له في إقحام نفسه في جردة حساب مع «حزب الله» الذي لديه الكثير مما يقوله في حال قرر الخروج عن صمته، وسيكون بمثابة مضبطة اتهام لباسيل.
ولفت إلى أن الحزب لا يبدي في مجالسه الخاصة انزعاجاً من باسيل، لكن يفضّل الاحتكام إلى الرئيس عون طلباً لضبط إيقاعه السياسي إلى أن اكتشف أخيراً أن باسيل أخذ يتصرف بلا رادعة وكأنه الرئيس الظل، وهذا ما ظهر جلياً في تسخيره لإدارات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، وقال إنه يمارس حالياً سياسة لا تخلو من ابتزاز حليفه بعد أن أيقن أن «العهد القوي» بدأ يتهاوى وأن فرص إنقاذه باتت مستحيلة.
ورأى المصدر النيابي أن «حزب الله» كان وراء توفير الغطاء السياسي، بدءاً بتأخير تشكيل الحكومات ما لم يصر إلى التجاوب مع شروط باسيل الذي عُيّن وزيراً رغم أنه رسب مرتين في الانتخابات النيابية بخلاف إصرار عون على عدم توزير من يخسر في الانتخابات قبل أن يتراجع إكراماً ومراعاة لصهره، وقال إن الحزب عطّل مراراً جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلى أن ضمن انتخاب عون رئيساً.
واعتبر أن باسيل بات مضطراً لاستخدام عضلاته السياسية بعد أن فقد الأمل بالاعتماد على عون لضمان مستقبله، وبات يخشى من أن تتجاوب معظم الأطراف وبدعم دولي مع شروط الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري ما يفقده القدرة على إعادة تعويم نفسه، وبالتالي يريد أن يحشر «حزب الله» من دون أن يذهب إلى فرط تحالفه معه لعله يعيد له اعتباره السياسي حتى لو اضطر إلى أخذ البلد للهاوية ظناً منه بأنه سيؤمّن له الجلوس بين الكبار محلياً للبحث في مستقبل لبنان.
ناهيك أن باسيل - بحسب المصدر النيابي - يدرك جيداً أن لا مفر أمامه سوى أن يبقى في عداد الكبار المعنيين بمستقبل لبنان لعله يوقف تراجع تياره في الشارع المسيحي ومبادرة أبرز الرموز من الحرس القديم التي كانت وراء تأسيس التيار وانطلاقته إلى الانخراط في «الخط التاريخي»، وجميع هؤلاء لا يزالون موضع ثقة بداخل جمهور ومحازبي التيار الذين آثروا الصمود وفضّلوا مقاومة باسيل من الداخل.
فباسيل من وجهة نظر المصدر نفسه، يركض وراء التسويات ليس لإعادة الاعتبار إلى «التيار الوطني»، وإنما لتوفير الحماية لموقعه الشخصي، خصوصًا أن لومه للآخرين على خلفية إعاقتهم لمشروع الدولة لن يُصرف في مكان لأنه أصر على اختياره للوزراء الذين يدينون له بالولاء، إضافة إلى حصده للتعيينات في إدارات الدولة ومؤسساتها وفي المراكز الرئيسية في التيار على قاعدة إضعاف مناوئيه في الداخل لقطع الطريق على من ينافسه ليكون الوريث السياسي للرئيس عون.
كما أن باسيل بات يدرك عن سابق تصور وتصميم بأن خروجه من الحصار السياسي لن يكون إلا بالالتفات لحليفه «حزب الله» ولو من باب الابتزاز والتهويل تحسباً لقطع الطريق على دخوله في تسوية سياسية تدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة في حال أعيدت قنوات التواصل بين واشنطن وطهران التي قد تضطر للتدخل لدى حليفها لرفع الفيتو الذي يؤخر تشكيلها.
لذلك، فإن باسيل باستخدامه للشعارات البراقة وزجّها في إعادة مراجعة ورقة تفاهمه مع «حزب الله» يراهن على استعادة بعض ما فقده في الشارع المسيحي بعد أن تعذّر عليه استنهاضه بذريعة استرداد حق المسيحيين والحفاظ على الشراكة في تشكيل الحكومة، وبالتالي لم يعد لديه سوى هذه الورقة ليلعبها بعد أن أبدى انزعاجه من المبادرة التي طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري مدعوماً من «حزب الله».
وعليه، يخوض باسيل آخر معاركه السياسية للبقاء سياسياً على قيد الحياة وهو يراهن على القوة الضاربة لـ«حزب الله» لعله يوفر له الدعم بعد أن تعذّر على باريس من خلال المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان إمكانية تسويقه، وفيما لم يعد له من حليف سوى «حزب الله» ما اضطره لأن يرفع صوته عالياً لإعادة تعويمه من دون أن يتورط في مغامرة تقود إلى فك تحالفه الذي سيرفع من منسوب عزلته السياسية.



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.