الراعي يدعو إلى طرح قضية لبنان «المنهار» في مؤتمر دولي

لتثبيت وحدة الكيان ونظام الحياد ووضع حد لتعددية السلاح

TT

الراعي يدعو إلى طرح قضية لبنان «المنهار» في مؤتمر دولي

طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي «تدويل الملف اللبناني»، في أول دعوة من نوعها بعد تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية، وتفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية، قائلاً إن «وضع لبنان المنهار يستوجب أن تطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة»، في وقت حذر فيه نائب لبناني من أن «لبنان أمام خيارين: إما تشكيل الحكومة وإما فرض الحل تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة».
وتحدث الراعي، في عظة أمس (الأحد)، عن هوة عظيمة بين السلطة السياسية الغنية والشعب المسكين، وأضاف: «كنا نعول بثقة على تأليف حكومة مهمة وطنية إنقاذية، كبداية محاولة لردم الهوة، لكن الآمال خابت بسبب تغلب المصالح الشخصية والفئوية، وعجز المسؤولين عن التلاقي والتفاهم».
ورأى الراعي أن «شعبنا يحتضر والدولة ضمير ميت»، مضيفاً: «لن نتعب من المطالبة بالحق، وشعبنا لن يرحل، بل يبقى هنا. سينتفضُ من جديد في الشارع ويطالبُ بحقوقه، سيثورُ ويحاسب»، وقال: «استُنفدت جميع المبادرات والوساطات اللبنانية والعربية والدولية من دون جدوى، وكأن هناك إصراراً على إسقاط الدولة، بكل ما تمثل من خصوصية وقيم ودستور ونظام وشراكة وطنية».
وعليه، أكد الراعي أن «وضع لبنان المنهار، وهو بحسب مقدمة الدستور عضو مؤسس عامل ملتزم في جامعة الدول العربية، وعضو مؤسس عامل ملتزم في منظمة الأمم المتحدة (فقرة ب)، يستوجب أن تطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، يثبت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان ونظام الحياد وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته، وتضع حداً لتعددية السلاح، وتعالج حالة غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات، وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأميناً لاستقرار النظام، وتلافياً لتعطيل آلة الحكم عدة أشهر عند كل استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة».
وقال الراعي: «إننا نطرح هذه الأمور لحرصنا على كل لبناني، وعلى كل لبنان، وللحفاظ على الشراكة الوطنية والعيش المشترك المسيحي - الإسلامي في ظل نظام ديمقراطي مدني». وأضاف: «لقد شبعنا حروباً وفتناً واحتكاماً إلى السلاح. لقد شبعنا اغتيالات. وقد أدمى قلبنا وقلوب الجميع في اليومين الأخيرين استشهاد الناشط لقمان محسن سليم، ابن البيت الوطني والعائلة العريقة».
وشدد الراعي على أن اغتيال سليم «هو اغتيال للرأي الآخر الحر، ودافع جديد لوضع حد لكل سلاح متفلت يقضي تدريجياً على خيرة وجوه الوطن. وإذ نعزي عائلته وأصدقاءه، ندعو الدولة إلى الكشف عن ملابسات اغتياله، وعن الجهة المحرضة على هذه الجريمة السياسية النكراء».
وتأتي دعوة الراعي لتدويل القضية اللبنانية في ظل تعثر في تشكيل الحكومة اللبنانية، وتفاقم الأزمات، واختلاط الأوراق السياسية، وانهيار التحالفات. وذهب عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب أنور الخليل، أمس، إلى مضمون التدويل، محذراً من أنه خيار في حال لم تُشكل حكومة. وقال متوجهاً إلى الرئيس اللبناني ميشال عون: «بعد تأكيد الرئيس بري مبادرته لتأليف الحكومة العتيدة، وتفاهم أميركا وفرنسا على ضرورة التأليف، لبنان أمام حلين: إما تلقف مبادرة الرئيس بري التي أكد متابعتها لنهايتها، أو قد يفرض الحل تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة». وخاطب عون: «فخامة الرئيس، اعقد العزم، وسر بالحل الذي يحفظ كرامة لبنان».
وأثار التلويح بالتدويل مخاوف، عبر عن بعضها عميد «المجلس العام الماروني» الوزير السابق وديع الخازن، محذراً في بيان من أن «يؤخذ لبنان إلى الفصل السابع»، مطالباً بـ«الخروج من حال التردد، والسير بطروحات البطريرك بشارة الراعي بعد الإنذار الذي وجهه عبر عظته»، وقال: «الحد الفاصل في هذه اللحظة إما الذهاب رأساً إلى الحلول المنقذة التي يكررها البطريرك الراعي، وآخرها الإنذار الذي وجهه رغم كل التحفظات الداخلية، وإما فإنه لا مجال؛ سائرون إلى الانهيار الشامل».
وفي ظل الانغلاق في المساعي لتشكيل الحكومة، رأى النائب ياسين جابر أن «الفوضى الأمنية المنتشرة في كل المناطق يجب أن تعجل في تشكيل الحكومة الجديدة»، محذراً من أن «الانهيار يتسارع، وما نعيشه يفرض على المسؤولين أن يستيقظوا قبل فوات الأوان. أما الزيارات الخارجية التي يقوم بها الرئيس المكلف فمهمة جداً، ولكن المطلوب تحريك الملف من الداخل قبل الخارج لأن الجمرة لا تحرق إلا محلها».
وعد جابر، في حديث إذاعي، أن «الدخول إلى مفاوضات الحكومة من باب الحصول على الثلث المعطل يطيح بالتوازن والشراكة، ويعرقل كل الجهود المبذولة»، مشدداً على أن «رئيس الجمهورية يجب ألا يكون طرفاً، لأنه رئيس البلاد، وعليه المبادرة والتواصل مع الرئيس سعد الحريري للوصول بالبلد إلى بر الأمان، ووقف الانهيار المتسارع، فهناك ضرورة لتشكيل حكومة من وزراء مستقلين، تملك مشروعاً واضحاً وتفويضاً لتطبيق الإصلاحات المطلوبة، لأن لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما يواصل انزلاقه نحو الانهيار أو يقرر تغيير طريقة العمل لكي يحصل على الدعم الخارجي».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.