برنار بيفو يكتب دليلاً أدبياً لـ«شيخوخة سعيدة»

نجم صناعة البرامج الثقافية الفرنسية

برنار بيفو
برنار بيفو
TT

برنار بيفو يكتب دليلاً أدبياً لـ«شيخوخة سعيدة»

برنار بيفو
برنار بيفو

برنار بيفو، لمن لا يعرفه، هو أيقونة البرامج التلفزيونية الثقافية الفرنسية. لم يسبقه أحد، ولم يتمكن من أن يخلفه أي مقدم آخر، رغم محاولة كثيرين تقليد أسلوبه. «أبوستروف» أشهر برنامج له، للتعريف بالكتب من خلال استقبال كتابها، تمكن من أن يغزو القلوب والبيوت و«بيون دوكلتور» الذي لم يقل عنه أهمية. تبوأ مراكز ثقافية عدة، وحتى العام الماضي كان رئيساً للجنة جائزة «غونكور» الأدبية الشهيرة. استطاع الرجل أن يثبت لسنوات طوال جداً أن برنامجاً ثقافياً عن الكتب، يمكن أن يكون شعبياً، ينتظره الملايين، يعرض في أوقات الذروة، ويبقى متربعاً على العرش لأكثر من ربع قرن دون منازع.
سر برنار بيفو هي القراءة، التي أدمن عليها وخصص لها جل وقته، يساعده فريق عمل كان يقرأ له، يغربل، ويحضر. لكن النجاح أتاه أيضاً من روحه المرحة وحيويته، والتعامل مع المؤلفات ككائنات تشكل امتداداً لحياة أصحابها.
أصبح بيفو اليوم في الخامسة والثمانين. ترك البرامج ولمعان الشاشة، وتخفف من الأعباء، ويعكف منذ سنوات على الكتابة. آخر مؤلفاته الصادر بداية هذا العام، رواية ظريفة عن الشيخوخة عنوانها «... لكن الحياة تستمر». قد لا يكون أجمل كتبه، وليس الأفضل من بين الإصدارات على الساحة الفرنسية. لكن بيفو يبقى بيفو، حين تنطق باسمه فإنك لا بد تتذكر، كل ذلك التاريخ الطويل من التحفيز على المعرفة، وإمتاع المتفرجين، بقصص يخرجها من حيز الورق، يضخ فيها الحياة، ويتحدث عنها بشغف. الكتاب الجديد، يلقى إقبالاً، لأنه يتحدث عما لا يحب أن يعترف به الآخرون، لا سيما النجوم. إنه عن معاناة الوصول إلى الثمانين، والضعف والهزال ورفض الاستسلام، وعن إمكانية أن تكون سعيداً، وهانئاً ومرحاً رغم كل المنغصات.
لجأ بيفو إلى أسلوب روائي بسيط. يحكي قصة مجموعة من المسنين، الذين وجدوا سعادتهم في اجتماعهم معاً، وفي لقاءات يتحدثون خلالها عن أمراضهم، أوجاعهم، ذكرياتهم، ولكن أيضاً، عما يتوجب عليهم فعله كي تكون الحياة أفضل. ثمة في المجموعة من تخطى التسعين. وبيفو بطل الرواية والراوي الرئيسي فيها، يتدثر وراء شخصية غيوم جيروس، الناشر المتواضع الذي بلغ من العمر 82 عاماً. قليل من التحوير في سن البطل ومهنته، وإبقائه في عالم الكتب والأدب، ساعد بيفو على البوح بسهولة أكبر، وعلى إدارة لعبة القص بحرية. إنها سيرة ذاتية في قالب روائي غير مدع.
رواية، سهلة، سلسلة، تشبه صاحبها، في طرافته، وسخريته، وحبه للحياة. من الشخصيات صديقته نونا التي تجاوزت التسعين، مع ذلك، لم تفسح مجالاً كبيراً لعجز الشيخوخة كي يسيطر على سلوكها، حيوية، نابضة، ومعطاءة، وفي هذا جزء من جاذبيتها. امرأة تجعلك ترغب في التقدم في السن. وكم هو أمر نادر الحدوث.
هناك أيضاً أوكتو الذي لا يتوقف عن لعب «السودوكو»، والمترجم جان بول بلازيك الذي يحتفظ بذاكرة موثوقة، مع إجابات فورية، وزوجته ماتيلد المندفعة لمساعدة كبار السن، وكوكو بيل إيل، أصغر أعضاء المجموعة سناً، وجالب الحيوية والمرح، لا تزال لديه ذاكرة قوية، لكنه يفتقر بشدة إلى الثقافة العامة. وثمة آخرون في هذا النادي الخاص الذي تشكل بذكاء، ليحمي كل فرد فيه الآخر من وحدة قاتلة، أو عزلة لا رحمة فيها.
يستفيد بيفو من وصول جائحة «كورونا»، أثناء تحريره الكتاب، ليتحدث عن الرعب الذي أصاب المجموعة، وعن لجوء من لا يجيدون التكنولوجيا إلى وسائل التواصل لتزجية الوقت، وعن الإحساس بنعمة أن يكون كبير السن خارج دار العجزة، فيما يتساقط من هم في مثل عمره كأوراق الشجر، بسبب العدوى التي سرت كالنار في الهشيم. ويخبئ بيفو بعض المفاجآت لقارئه في آخر الرواية، وأحداث لم تكن متوقعة، تزيد من صدمة هذه المجموعة التي كانت تعتقد أنها تغلبت على العجز والوجع، بنجاتها من لعنة الزهايمر، وقهر السرطان.
من خلال الشخصيات التي بعضها موجود بالفعل، والبعض الآخر من بنات أفكار المؤلف، يعيش القارئ عثرات الشيخوخة ويعقد مقارنات بين تجارب عدة، ويصل مع الكاتب إلى سبع نصائح لا بد أن يصغي إليها باكراً كي يصل إلى نهايات سعيدة. هكذا وقبل أن يختتم الكتاب، وفي صفحتيه الأخيرتين، يضرب بيفو عرض الحائط بالصيغة الروائية، ويتوجه إلى قارئه مباشرة معدداً نصائحه. لا تشكو وتتبرم أبداً، ابق في مزاج جيد ومرح دائماً، حافظ على فضولك، لا تعزل نفسك عن الآخرين، استمتع واستفد من إيجابيات التقدم في السن أنها اللحظة الأهم في حياتك التي يمكنك فيها أن تكون غاية في الواقعية، ثم احلم ما استطعت، فمنذ صغرك حرمت من هذه النعمة، إما لأن الوقت لم يكن يسمح، أو لأن الواجبات كانت دائماً ضاغطة. والنصيحة الأخيرة للكاتب: «عندما تتقدم في السن لا تقل لنفسك، ها هي الأمور قد اكتملت، بل يجب أن تحاول دائماً إضافة شيء جديد إلى حياتك. قد يكون شغفاً جديداً، أو صديقاً جديداً أو أكلات لم تعتدها، كلباً أو قطة. أنا شخصياً أقرأ لكاتب لم أكن قد قرأت له من قبل، وبدأت بالتغريد». ولبيفو الثمانيني أكثر من مليون متابع اليوم، رغم نشاطه الشحيح على «تويتر»، وهو ما يجعله من بين النجوم المسنين الأكثر متابعة.
عصارة حكمة عشرات السنين التي يريد بيفو أن يوصلها إلى قارئه، ليست حكراً على آخر الكتاب، فهي مبثوثة في كل صفحاته، ومن بينها إحساسه العميق بأن العمر يجعل الكاره للبشر أكثر كراهية بمرور العمر، والأناني أكثر أنانية، والمتسرع أكثر غروراً. ويشرح أنه من النادر بالفعل ألا تتعمق السمات الشخصية مع تقدمنا في العمر. فمع الوقت نستسلم أكثر لأخطائنا ومعايبنا، ولكن من الجميل، أن محاسن الأمزجة تتجذر هي الأخرى، وتصبح أكثر وضوحاً، فالكريم يصبح أكثر كرماً، تماماً، كما نرى المتسامح أكثر سماحة. وكأنما التقدم في العمر، هو خلع إلزامي للأقنعة وذهاب إلى مناطق أكثر شفافية وصدقاً.



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.