جائزة بوكر العربية تتجه خلال 3 سنوات متتالية إلى الرواية الكويتية

كتاب خليجيون اتهموا لجانها بإهمالهم سابقًا

طالب الرفاعي
طالب الرفاعي
TT

جائزة بوكر العربية تتجه خلال 3 سنوات متتالية إلى الرواية الكويتية

طالب الرفاعي
طالب الرفاعي

خلال 3 سنوات متتالية، تحظى الرواية الكويتية باهتمام من قبل جائزة البوكر العالمية بنسختها العربية، فبعد ترشح الرواية الجديدة لدورة هذا العام «لا تقصص رؤياك» إلى القائمة الطويلة، للكاتب عبد الوهاب حمادي، وقبل ذلك فوز الكاتب سعود السنعوسي بها عن روايته «ساق البامبو»، ثم ترشح رواية الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل للقائمة الطويلة عن روايته «في حضرة العنقاء والخل الوفي»، تكون بوكر قد وجهت بوصلتها نحو بحر الرواية الكويتية، وقبل ذلك حصل أيضا على الصعيد الخليجي أن فازت الرواية السعودية بهذه الجائزة في عامين متتاليين، عن طريق الروائيين السعوديين: رجاء العالم وعبده خال.
قبل هذه السنوات الـ3 الأخيرة، لم تلتفت بوكر إلى الرواية الكويتية، رغم وجود أسماء بارزة في المشهد الروائي، وظهرت بعض الأصوات الإعلامية تتساءل عن ذلك، فكتبت الإعلامية ليلاس سويدان في مقالة لها بصحيفة القبس «هل خاصمت بوكر العربية الرواية الكويتية؟»، ولكن بعد هذه المقالة بعامين انفتحت شهية هذه الجائزة على الرواية الكويتية، بل لم يقتصر اهتمام بوكر على ذلك فحسب، بل اختارت أول كويتي وأول خليجي لرئاسة لجنة تحكيم بوكر في دورتها الثالثة عام 2009. وهو الكاتب طالب الرفاعي، والذي سألته عن سبب التفات جائزة بوكر في دوراتها الأخيرة إلى الأدب الخليجي، وهل ثمة ما ميّز هذا الأدب (مؤخرا) رغم وجوده منذ أكثر من نصف قرن؟ فأجابني بأن التفات جائزة البوكر العربية للأدب الروائي الخليجي هو اعتراف صريح من لدن لجان التحكيم القائمة على الجائزة في مختلف دوراتها باستحقاق هذا الأدب. وأن الروائي الخليجي لا يقل شأنا في إبداعه ونتاجه عن أي روائي عربي آخر. صحيح أن بعض الدول العربية قد سبقت دول الخليج في خوض عالم الكتابة الروائية بالنظر إلى طبيعة مجتمعاتها، لكن عجلة التقدم وثورة المعلومات ومعايشة عالم القرية الكونية، جعلت من الكاتب الخليجي ندا لشقيقه العربي، وهذا وضع طبيعي في ظل تغيرات العالم.

* استنكار لعبارة «كبار»

* اللافت أن الأدب الشبابي من خلال سعود السنعوسي وعبد الوهاب حمادي هو الأكثر حضورا في هذه الجائزة، مع أخذنا بعين الاعتبار ترشح الكاتب من الرعيل الأول إسماعيل فهد إسماعيل للقائمة الطويلة العام الفائت، ولكن لا ننسى أن هناك أسماء أخرى كبيرة لم تحظ بهذا الدور. فأبدى الرفاعي تحفظا على عبارة أسماء كبيرة أو أدباء كبار، قائلا: «لا أجد معنى لكلمة (الكبار) في الكتابة الإبداعية، العمل الإبداعي اللافت هو الكبير دون النظر إلى أي اعتبار لعمر أو جنسية أو لون كاتبه». ثم تابع: «جميل أن يكون الأدب الشبابي العربي هو الحاضر الأهم في جائزة البوكر، ومؤكد أن هذا يدلل على أن جيلا من الكتّاب الشباب، ورغم كل الظروف الصعبة التي تتجرعها أوطانهم، يعيش لحظة الكتابة الروائية بأدوات عصرية متمكنة، وأنه يعبر عن نبض مجتمعات تعيش تغيرات كثيرة، وأنه الأقدر عن التعبير عن همومها وطبيعة اللحظة الزمنية العابرة، وهو بذلك يؤرخ لهذه للحظة ويشهد على ما يجري بين جنباتها».

* صدمة وغيظ

* حين تسلم الكاتب طالب الرفاعي رئاسة اللجنة، هناك من قال بأنه منحاز إلى الأدب الخليجي، أو على الأقل لفت الأنظار إلى هذا الأدب بشكل أو بآخر، ويفسر ذلك الرفاعي بقوله: «كنت أول خليجي يتسلم رئاسة لجنة تحكيم جائزة البوكر، وهذا بحد ذاته شكل صدمة لدى البعض وأثار غيظهم المسعور عليّ. لكن ما يجب التأكيد عليه أن رئيس أي دورة ليس هو من يمنح الجائزة، وأن لجنة التحكيم بكامل أعضائها هي من يقرر أحقية أي عمل في الفوز. صادف في تلك الدورة وجود رواية خليجية متميزة هي (ترمي بشرر) للروائي السعودي عبده خال، ولقد نالت الجائزة اعتماد جميع أعضاء لجنة التحكيم. وإذا قيل إن لي دورا في لفت الأنظار إلى الأدب الخليجي فهذا مبعث فرح وفخر بالنسبة لي».
هناك عوامل أخرى - ربما - أدت إلى التفات بوكر إلى الرواية الكويتية، وهي أنه منذ نحو عقد ونصف العقد من الزمن، بدأت مجاميع شبابية تدخل على خط الرواية التي استمرت لفترة بيد جيل متقارب هم الجيل المؤسس للرواية الواقعية على الأغلب، ثم ظهرت بعد ذلك تجارب جديدة قدمها جيل من الشباب بأطروحات وقضايا جديدة وأساليب أخرى، وتزامن ذلك مع ظهور دفعات من أجيال شبابية في مجالات أخرى مثل المسرح والفن التشكيلي والموسيقى والسينما، واكبها تأسيس دور نشر بعضها تخصص في أدب الشباب، وهو ما أحدث حراكا ثقافيا صاخبا وصل إلى مسامع القائمين على جائزة بوكر.



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.