المشهد

النجاح والفشل

المشهد
TT

المشهد

المشهد

‫* التقليد سهل والابتكار صعب. الاستنساخ هيّن والإبداع مضنٍ. في نهاية المطاف أنت منتمٍ إلى واحد من الطرفين. لا تستطيع أن تكون في الناحيتين معا أو فيهما على نحو شبه متساوٍ. ‬
‬* التقليد سهل لذلك هو منتشر بيننا. الإبداع صعب لذلك هو قليل عندنا. لكن إلى جانب هذا التناقض الطبيعي، هناك حقيقة أننا لا نقلد جيّدا، إلا في أحوال معينة. ولا نقلد في كل شيء مفيد. مثلا ليس لدينا هيئة أو مؤسسة عربية شاملة للفنون تقدم في مطلع كل سنة على منح جوائز في السينما أو في التلفزيون. ‬
‬* هذا بالضرورة سيكون تقليدا للأوسكار والبافتا وجوائز الاتحاد الأوروبي والسيزار الفرنسي والغولدن غلوبس العالمي لكنه غير موجود. وهو تقليد مفيد وضروري، لكنه معدوم الاحتمال لأسباب تتعلق أساسا بعدم وجود هذه المؤسسة وإذا ما تداعى إليها البعض من المخلصين للفكرة أو من المحبين للفن السينمائي أو التلفزيوني فإن هذا الإخلاص لن يقوى على النهوض في مواجهة التحبيذ والتشيع والشللية التي ستضرب أطنابها في كل فرع بداية من المبدأ ذاته حيث ستدور النقاشات حول التأسيس والأهداف ومن يتولى أي وظائف.
‬* يتكاثر عدد المسؤولين عن كل نجاح لكن الجميع يهرب من المسؤولية إذا ما حدث الفشل. ومشروع كهذا يتطلب نزاهة وعدم محاباة في التفضيل وعمليات التصويت. ويتطلب أيضا خروجا مشرفا ومنطقيا من حقيقة أن نصف العاملين في الصناعتين من مصر ما قد يؤثر في النتائج السنوية فتذهب نصف الجوائز إلى بلد واحد فيهدد بلد آخر بالانسحاب أو يثور إعلامه احتجاجا.
‬* الحديث في هذا الأمر سيدخل اتجاهات افتراضية طالما أن المسافة بيننا وبين إمكانية تحقيقه هي أضعاف المسافة الفاصلة بيننا وبين تحقيقه فعلا. لكن ما سبق هو مجرد دلالة على أن العمليات الشاملة، حتى من موقع أننا نشترك في لغة واحدة وثقافة عامة متشابهة، مستحيل بينما ممكن في دول أخرى. لا تقرأ مثلا أن بلجيكا هاجمت جوائز الاتحاد الأوروبي لأنه لم يمنحها جائزة، أو أن فنلندا عابت على لجان التحكيم لأنها خرجت من المولد بلا حمّص. الكل هناك يمارس المساواة بينما الكل هنا (أو لنقل معظمهم) سيمارس المصالح الخاصّة والفردية. ‬
‬* إذن المسألة ثقافية بحتة تنتمي إلى حالة من إلغاء المنطق والتعامل مع الأمور على أساس صحيح الأمر الذي تقل ممارسته في شتى الحقول الأخرى أيضا. فما الحل؟ لا التقليد ممكن ولا الإبداع سهل. ربما مكتوب علينا أن نتوجه إلى الاحتفاءات الأجنبية لنتحدّث فيها إلى الأبد. ربما عالمنا ليس مؤسسا، من البداية، على نحو يؤدّي إلى النجاح في هذه الأمور الفنية والثقافية. هل هذا ممكن؟
‬* لكن من واجب الإنسان أن يسعى بصرف النظر عن النتيجة. وتعليقا على ما ورد هنا قبل أسبوعين من حاجتنا إلى مجلة سينمائية (نعم حتى مجلة سينما لسنا قادرين عليها!) كتب لي صديق، بعدما وافق على المبدأ، يقول: «المسألة أنه إذا كنت تقرر أن أحدا لم يعد يقرأ، كيف ولماذا تدعو لمجلة سينمائية؟». الجواب هو أن هذه الدعوة هي الفعل الصحيح ووجود مجلة سينمائية، بصرف النظر عن التجارب السابقة، هو الفعل الأصح. إنه فقط عندما نحب أمرا ما إلى درجة الانصهار معه، نستطيع أن نلغي الخوف من الفشل ونحقق النجاح.‬



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز