لقمان سليم... الباحث والناشط السياسي الجريء

لقمان سليم (د.ب.أ)
لقمان سليم (د.ب.أ)
TT

لقمان سليم... الباحث والناشط السياسي الجريء

لقمان سليم (د.ب.أ)
لقمان سليم (د.ب.أ)

«مثقف لبناني جريء مولع بالتأريخ واللغة» هذا ما يكرّره أصدقاء لقمان سليم الباحث والناشط السياسي، ابن الضاحية الجنوبية لبيروت المعروف بمواقفه المناهضة لسياسة «حزب الله»، والذي أثار اغتياله أمس مخاوف من دخول لبنان عصراً جديداً من الاغتيالات.
سليم هو باحث وناشر وناشط سياسي لبناني، وُلد في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 1962، حاصل على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون في باريس، وعُرف في مجال التأريخ والنشر والبحوث والترجمة واللغة.
يصفه صديقه الصحافي علي الأمين سليم، بالباحث الذي يتمتّع بدرجة عالية من الثقافة العميقة، فهو ناشر ومؤسس «دار الجديد» 1990 التي أنتجت مجموعة مهمة من الكتب في مجال الأدب العربي والمحتوى الذي لطالما أثار الجدل، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ «سليم ينتمي إلى عائلة سياسية، وهو شخصية لبنانية بما للكلمة من معنى عميق؛ فوالدته المارونية ووالده المسلم أسهما في نشأته ببيئة وطنية».
وسليم هو نجل النائب السابق والحقوقي محسن سليم الذي كان عضواً في الكتلة الوطنية مع العميد ريمون إده، والمعروف بنضاله في سبيل حقوق الإنسان والدفاع عن الشرعية والدستور.
ويشير الأمين إلى أنّ «سليم كان ناشطاً سياسياً يُعبر عن رأيه بطريقة يصفها مَن لا يعرفه عن قرب بالمتهوّرة، ولكّن واقع الأمر أنّ سليم كان منسجماً مع نفسه ومع طبيعته التي تميل إلى قول الحقّ كما تراه من دون أن تقصد الجرأة، وإن كانت مواقفه دائماً تحمل جرأة عالية جداً».
كان سليم من أبرز معارضي «حزب الله» في البيئة الشيعية وتعرّض لكثير من حملات التخوين، وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019 حين كان حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) في أوجّه، تعرّض منزله الواقع في الضاحية الجنوبية في بيروت للاعتداء، وحمّل سليم حينها «حزب الله» المسؤولية. وقال في بيان أصدره آنذاك: «استدراكاً على أي محاولة تعرُّض لفظية أو يدوية لاحقة، لي أو لزوجتي أو لمنزلي أو لدارة العائلة أو لأي من أفراد العائلة، أو القاطنين في الدارة، فإنني أحمِّل قوى الأمر الواقع (حزب الله) ممثلةُ بشخص (أمينه العام) حسن نصر الله المسؤولية التامّة عما جرى وعما قد يجري»، مضيفاً: «اللهم إني بلغت اللهم فاشهد».
ويقول الكاتب مصطفى فحص إنّ ما قام به سليم من عملية تأريخ للحياة السياسية اللبنانية لم تستطع فعله مؤسسات الدولة اللبنانيّة والسياسيون. واهتمّ سليم بشكل خاص بموضوع المفقودين في الحرب اللبنانية والمقاتلين الصغار الذين دفعوا أثمان الحروب، كما أخرج مع مونيكا بورغمان فيلماً يسائل فيه القتلة المسؤولين عن مجزرة مخيّم صبرا وشاتيلا.
ويرى الأمين أنّ عملية اغتيال سليم «موقّعة» والفاعل «واضح وضوح الشمس»، معتبراً أنّ هذا النوع من الاغتيالات يبشّر بمرحلة جديدة تجعل المنفّذ غير قلق من تداعيات جريمته، لذلك التحدّي الأهم يكمن في كيفية تعامل السلطة اللبنانية مع هذا الحادث، للمحافظة على ما تبقى ولو بالحد الأدنى من مفهوم الدولة.
وفي حين لم يستبعد الأمين أن يكون اغتيال سليم بداية مرحلة اغتيالات للناشطين المعارضين أشار إلى أنّ طريقة تعاطي الأجهزة الأمنية والقضاء إمّا تعطي رسالة تدفع المسؤول عن الاغتيال إلى التفكير مرتين قبل تنفيذ اغتيال جديد، وإما تشجّعه على المزيد من الاغتيالات.
ويشير الأمين إلى أنّ اغتيال سليم هو رسالة تخويف للناشطين بالدم في بلد تُرك فيه الناس لمصيرهم فباتت آراؤهم تواجَه بالبندقيّة، آملاً ألا يكون المجتمع الدولي شاهد زور في هذا الاغتيال.
وكانت رشا الأمير، شقيقة سليم، قد قالت في حديث صحافي إنها «لا تتهم أحداً في اغتيال أخيها»، لكنّ «المسؤولين عن الجريمة معروفون، هم قاموا بتوجيه أصابع الاتهام لأنفسهم، من المعروف مَن هو المتحكم في هذه المنطقة» في إشارة إلى المنطقة التي وُجد فيها سليم مقتولاً، مذكّرةً بأنّ شقيقها كان قد سبق وتعرض لتهديدات متنوعة.
وأشارت الأمير إلى أنها لا تثق بقدرة القضاء اللبناني، منتقدةً تكاسل الأمن في الاستجابة لشكوى غياب شقيقها، وتقاعسه عن حمايته رغم تعرضه لتهديدات تمس سلامته الشخصية.
ويُشار إلى أنّ سليم لم يكن واحداً من وجوه انتفاضة «17 تشرين» ولكنّه كان قد تعرّض لحملة تخوين كبيرة بعد مشاركته في ندوة عُقدت وسط بيروت مكان خيام المتظاهرين حينها، تطرّقت إلى موضوع مفهوم الحياد في لبنان. وتعرّضت خيمة الندوة حينها لهجوم وحاول البعض إحراقها بحجّة أنها تروّج للتطبيع مع إسرائيل.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.