الشرطة السودانية تفرق احتجاجات ضدّ الغلاء في القضارف

وقفة للمطالبة بإقالة حاكم الولاية بعد رفضه مطالب المزارعين

TT
20

الشرطة السودانية تفرق احتجاجات ضدّ الغلاء في القضارف

تزايد التوتر في مدينة القضارف السودانية، إثر احتجاجات شعبية منددة بالغلاء، تواصلت ليومين، وأطلقت الشرطة خلالها الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، بعد أن نفذ بعضهم عمليات حرق ونهب في سوق المدنية. وفي غضون ذلك يستعد مزارعو الولاية الزراعية الخصيبة لتنظيم وقفة احتجاجية غذا السبت، للمطالبة بإقالة والي الولاية في حال عدم استجابته لمطالب المزارعين والاعتراف بلجنتهم.
ونفذ طلاب المدارس أمس تظاهرات تندد بالغلاء، وندرة السلع الرئيسية، وأبرزها الوقود والخبز. إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، قبل أن يلتحق بها مواطنون آخرون، قاموا بإغلاق الطرق الرئيسية، وسيطروا على سوق البلدة، ونصبوا المتاريس على الطرقات، وأشعلوا إطارات السيارات، مرددين هتافات تطالب بإسقاط الحكومة الولائية.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، واستخدمت الرصاص المطاطي عند بدء عمليات التخريب ونهب المحال التجارية، والاعتداء على المؤسسات الحكومية، وعدد من البنوك، وبعد عمليات كر وفر ومطاردات، استطاعت قوات الأمن السيطرة على الأوضاع في وقت يتوقع فيه أن تستأنف الاحتجاجات مجدداً خلال الأيام القادمة.
وقال شاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن الأحوال هدأت في البلدة، التي تبعد نحو 400 إلى شرق العاصمة الخرطوم، موضحا أن قوات الأمن سيطرت على الأوضاع، بعد أن نشرت قوات كثيفة في وسط المدينة، وفرقت المحتجين مع استمرار حالات الكر والفر، التي استمرت طوال النهار.
وقالت حكومة ولاية القضارف، وفقاً لنشرة رسمية، إن قطع الطرق وحرق الإطارات ووضع المتاريس عليها «تعد عمليات شغب»، موضحة أن الشرطة اضطرت للتدخل لحماية الممتلكات، وتعزيز قواتها التي تعمل تحت إمرة وكيل النيابة، وأنها أدت واجبها في حفظ الأمن بمهنية عالية، ما مكنها من السيطرة على الأوضاع، وهددت باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة من أطلقت عليهم «المخربون».
من جهة أخرى، ينتظر أن تشهد القضارف تجمعا للمزارعين غداً السبت، للاحتجاج على السياسات المتبعة من حكومة الولاية، التي تعد إحدى أكبر الولايات الزراعية في البلاد، وتنتج النسبة الكبرى من الذرة والسمسم في البلاد.
وقال نائب رئيس لجنة المزارعين، أحمد عبد الرحيم العوض، لـ«الشرق الأوسط»، إن تجمع المزارعين يسعى للحصول على اعتراف السلطات بـ«لجنة المزارعين الشرعية»، ومشاورتهم في السياسات الزراعية بالولاية. موضحا أن السياسات التي اتبعتها حكومة الولاية، قضت بمضاعفة الرسوم على المحاصيل الزراعية، وفرض زيادات كبيرة في «رسوم المشاريع الزراعية»، التي بلغت هذا العام 117 ألف جنيه لألف فدان، بعد أن كانت في حدود 16 ألف جنيه فقط.
كما أوضح العوض أن حاكم الولاية رفض لقاء وفد لجنة المزارعين، وعدم الاعتراف بها والاستماع لمطالبها، ما دفعهم للتصعيد والمطالبة بإقالته، وعقد مؤتمر صحافي يشرحون فيه قضيتهم، مع مواصلة التصعيد والضغط الشعبي، الذي قد يصل إلى حدود الاعتصام المفتوح، وإغلاق المدينة وبورصة المحاصيل.
ونفى العوض وجود دوافع سياسية لموقفهم من حاكم والي الولاية، وقال إن قضيتهم تنحصر في مطالب مشروعة، تتعلق بقضايا المزارعين والزراعة في الولاية.
وتتميز ولاية القضارف بمساحاتها الزراعية الواسعة الخصيبة، التي جعلت منها واحدة من أكبر مناطق الإنتاج الزراعي في السودان، وعلى وجه الخصوص في إنتاج الذرة والسمسم، ما يجعل منها واحدة من أكبر مدن العالم إنتاجاً لهذه المحاصيل. فيما تعد «صومعة الغلال» بالقضارف واحدة من أكبر وأهم صوامع الغلال في السودان.
ويقول المزارعون إن الحكومة الولائية فرضت رسوما مضاعفة لثلاث مرات على المحاصيل، وزادت تجديد رسوم المشاريع بشكل مبالغ فيه، ما يمكن أن يهدد الإنتاج، ويؤثر على تنافسية إنتاج الولاية من المحصولات الزراعية في الأسواق العالمية، وأسواق الولايات الأخرى، التي لا تفرض رسوما على العمليات الزراعية.



الحوثيون يصدمون المجتمع اليمني بمنع تعليم اللغة الإنجليزية

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يصدمون المجتمع اليمني بمنع تعليم اللغة الإنجليزية

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء لتشييع ضحايا غارات أميركية (إ.ب.أ)

بينما يواصل مسؤولون يمنيون ونشطاء وخبراء تحذير أولياء الأمور في مناطق سيطرة الحوثيين من إلحاق أبنائهم بالمعسكرات الصيفية للتدريب على القتال، صُدم المجتمع بقرار الجماعة منع تعليم اللغة الإنجليزية في الصفوف الدراسية الأولى.

ونصّ التعميم الذي وزعته الجماعة على مكاتب التربية والتعليم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة على وقف تعليم مادة اللغة الإنجليزية في الصفوف من الأول إلى الثالث الأساسي بجميع المدارس الحكومية والخاصة، ابتداءً من العام الدراسي المقبل، وأمر بتكثيف تعليم اللغة العربية والتفسير الحوثي للقرآن الكريم حصراً.

القرار، وهو الأول من نوعه في تاريخ البلاد، كان محل رفض وتنديد من قبل مستويات اجتماعية وتوجهات مختلفة، بمن فيهم نشطاء مؤيدون للحوثيين.

ورفض «مرصد ألف لحماية التعليم» هذا القرار ورأى فيه انتكاسة خطيرة في مسار تطوير التعليم، ووصفه بأنه تراجع خطير عن مكتسبات التعليم، وانحراف عن المعايير التربوية الحديثة التي تعتمد على التأسيس المبكر للغات، باعتبارها من الركائز الأساسية لبناء شخصية الطالب وتمكينه من أدوات المستقبل.

صورة ضوئية لتعميم الحوثيين بمنع تعليم الإنجليزية
صورة ضوئية لتعميم الحوثيين بمنع تعليم الإنجليزية

وأكد المرصد، في بيانه، أن اللغة الإنجليزية لم تعد مادة ترفيهية أو اختيارية، بل أصبحت أداة أساسية للتواصل والمعرفة والانفتاح على العلوم الحديثة، خاصة في سياق عالمي متسارع يعتمد بشكل متزايد على التعليم متعدد اللغات في مراحله الأولى.

وأضاف أن حرمان أطفال اليمن من هذا الحق يمثل «تمييزاً تربوياً وجريمة» في حق جيل كامل يُفترض أن يكون أكثر استعداداً للمستقبل وأقدر على المنافسة والاندماج.

وحذر المرصد، الذي يُعنى بمراقبة تطور العملية التعليمية وحماية حقوق الطلاب، من أن الخطوة التي اتخذها الحوثيون ستعمّق من عزلة النظام التعليمي في مناطق سيطرتهم، وتزيد من الفجوة بينه وبين المعايير الإقليمية والدولية، ما سيؤدي إلى آثار بعيدة المدى على جودة التعليم ومخرجاته وفرص الطلاب في التعليم العالي وسوق العمل.

وطالب بمراجعة هذا القرار فوراً، ونبّه إلى ضرورة إشراك المختصين والخبراء في أي عملية تطوير أو تعديل للمناهج الدراسية، بعيداً عن الأجندات الآيديولوجية والسياسية التي تُقحم في مسار التعليم وتضر بمستقبل الأجيال.

استهداف ممنهج

انتقد عبده بشر، وهو عضو مجلس النواب في صنعاء، قرار الحوثيين، وخاطب وزير التعليم الحوثي وقال إنه ليس من حقه إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات. وأكد أن مستوى التعليم متدنٍّ، ولكن ليس بسبب تعلم اللغة الإنجليزية، وإنما بسبب الاستهداف الممنهج من قبل الجماعة للعلم والمعلم، وقطع المرتبات، وعدم قدرة ولي الأمر على توفير لقمة العيش لأبنائه، وبسبب العبث والاستهتار وتسييس التعليم.

الموقف ذاته سجله الناشط نايف عوض، الذي يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، وقال إن السكان هناك، منذ سبع سنوات، ينتظرون متى تجد الجماعة حلاً لمشكلة انقطاع مرتبات المدرسين، وإنهم يناشدونها توفير المنهج المدرسي، وإلغاء الرسوم المفروضة على الطلاب، ويطالبون بتوضيحات عن صندوق المعلم وأين مصير الجبايات التي تُؤخذ باسمه، ولم يطلبوا من الوزارة إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية كما جاء في مبررات القرار.

الحوثيون قطعوا مرتبات المعلمين وكثفوا من تجنيد طلاب المدارس (إعلام محلي)
الحوثيون قطعوا مرتبات المعلمين وكثفوا من تجنيد طلاب المدارس (إعلام محلي)

من جهته وصف القيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» زيد الذاري القرار بالمتخلّف، وقال إن مبرراته فارغة، وإنه يعكس طبيعة العقلية الجامدة التي تعيشها الجماعة وتنحصر في إطارها بعيداً عن بقية اليمنيين وحاضرهم ومستقبلهم.

أما المحامية والناشطة الحقوقية المعروفة هدى الصراري فنبهت بدورها إلى أن مجموعة التوجيهات التي أصدرتها الجماعة الحوثية ستؤثر بشكل مباشر على العملية التعليمية ومحتوى المناهج الدراسية في مناطق سيطرة الانقلاب، وخصوصاً في المراحل الأساسية المبكرة، من خلال تقويض التعليم الحديث والشامل، واستبعاد مواد كالعلوم والرياضيات والإنجليزية، وهو ما يعني حرمان الأطفال من المهارات الأساسية في التفكير النقدي والمنطقي، والقدرة على مواكبة العصر.

عزل الطلبة

وفق ما أكدته هدى الصراري، فإن القرار الحوثي سيؤدي إلى عزل طلاب تلك المناطق من اليمن عن العالم، ويضعف فرصهم في التعليم الجامعي والعمل مستقبلاً.

وانتقدت الصراري «تسييس التعليم وتطييفه»، وقالت إن حصر الدراسة على المواد في اللغة العربية والقرآن الكريم «يعكس توجهاً آيديولوجياً هدفه غسل أدمغة الأطفال وتوجيه التعليم لخدمة أجندة مذهبية وطائفية». وحذّرت من تدمير البنية المعرفية للأجيال القادمة؛ لأن الخطوة ستخلق أجيالاً غير قادرة على الإبداع أو التنافس أو الانفتاح على العلوم والمعارف، وفق تعبيرها.

ويشارك الصراري في هذا الموقف كثير من الناشطين الذين رأوا في القرار خطراً وجودياً على التعليم، واتهموا الحوثيين بالسعي من خلاله إلى فرض آيديولوجيا خاصة على المناهج، وتفريغ التعليم من محتواه العلمي والإنساني لصالح التعبئة الدينية والمذهبية. وهذا في تقديرهم تهديد لمستقبل البلاد العلمي والثقافي والاجتماعي.

انقلابيو اليمن حولوا المدارس إلى معسكرات للتعبئة الطائفية (إعلام محلي)
انقلابيو اليمن حولوا المدارس إلى معسكرات للتعبئة الطائفية (إعلام محلي)

وفي السياق نفسه، بينت الأستاذة في جامعة زيوريخ، إلهام مانع، أن القرار الصادر عن سلطة الحوثيين هدفه إعادة هيكلة المناهج الدراسية للصفوف من الأول إلى الثالث، ويعكس جهداً أوسع نطاقاً من قبل الحوثيين لإعادة تشكيل النظام التعليمي بما يتماشى مع نظرتهم الدينية والسياسية للعالم.

وأكدت مانع أن الخطوة الحوثية ترسخ مناهج التربية الإسلامية للتركيز على حفظ القرآن والأحاديث النبوية والمضمون الفقهي وفق مذهب الحوثيين، ومواجهة ما سُمي بـ«التأثير الثقافي الأجنبي».

وأشارت الأكاديمية اليمنية إلى أن القرار طلب من جميع الكوادر التعليمية الالتزام بالقرار «وبنبرة آيديولوجية» واضحة تعكس محاولة الحوثيين إعادة تشكيل التعليم بما يتماشى مع معتقداتهم.