مؤتمر الشباب الإسلامي بمراكش يعدد ضوابط التغيير الإيجابي للمجتمعات

أكدت المداخلات العلمية لفعاليات «لمؤتمر العالمي 12 للندوة العالمية للشباب الإسلامي»، التي تختتم اليوم في مراكش، أن الانفتاح الإعلامي غير المسبوق عبر القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي، أفرز تغيرا كبيرا في الأنماط السلوكية والجوانب النفسية، والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية لدى شباب الأمة الإسلامية، في ظل ما يعانيه من بطالة وفراغ.
كما اتفقت مداخلات المشاركين، سواء في حفل الافتتاح أو خلال ندوات المؤتمر، الذي رفع شعار «الشباب في عالم متغير»، على الحاجة إلى بحث موضوع التغيير، والسعي لتجلية مفهومه ومعرفة سننه، مع إظهار دور المؤسسات الرسمية والخيرية للعلماء في الوقوف إلى جانب الشباب، وترشيدهم والسعي لتعزيز الانتماء الوطني لديهم، مع الحرص على الاستجابة إلى تطلعاتهم، وخلق الفرص الوظيفية والحياة الكريمة المناسبة لهم.
وفي سبيل مقاربة كل هذه الأسئلة والإشكالات، ركز مؤتمر مراكش على 4 محاور، شمل أولها «الشباب والتغيير»، وثانيها «الشباب والمتغيرات الاقتصادية»، وثالثها «الشباب والمتغيرات الثقافية والاجتماعية»، ورابعها «الشباب: آفاق مستقبلية».
ولم تقتصر مداخلات المحاضرين على التحليلات النظرية، بل قدمت نماذج من عدد من البلدان الإسلامية، كالنيجر وتشاد والأردن وفلسطين، أو تلك التي توجد بها أقليات مسلمة، كالصين، كما رصدت عددا من المشكلات والظواهر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي يعيشها الشباب المسلم وسبل الحد منها، ومكافحة ظواهرها السلبية، كالبطالة والفقر. كما تطرقت المحاضرات إلى الحراك الذي عرفه العالم العربي بشكل خاص في السنوات الأخيرة، من خلال تناول مشاكل الشباب، وعنف ما بعد الثورات، واستعراض ضوابط التغيير الإيجابي.
وذكر العلامة محمد بن الحسن الددو، في جلسة «مفهوم التغيير في الإسلام: ضوابطه وآلياته»، أن التغيير سنة كونية، مشددا على أن الإنسان مطالب بالسعي إلى تغيير نفسه نحو الأفضل، والتدرج نحو الكمال علما وعملا، وخلقا وإيمانا، وسلوكا ودعوة وإصلاحا. كما استعرض الددو ضوابط التغيير الإيجابي، خاصة عدم مناقضة السنن الكونية، وأن يكون التغيير بالأيسر والأخف، وبأقل تكلفة، وأن يميل إلى زيادة الإنتاج وإسعاد الآخرين.
من جهته، دعا الدكتور عبد الحي يوسف في جلسة «دور العلماء في ترشيد الحراك الشبابي»، إلى استعمال الرفق واللين، والحرص على بسط النظرة الشرعية الفاحصة في التعامل مع الحراك الشبابي، فيما دعا الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ إلى «الاعتراف بحق الشبان أن يكونوا فاعلين في مجتمعاتهم».
وتناول الدكتور يونس عبد الله ماتشينج التحديات التي يواجهها التعليم الديني في الصين، حيث أوضح أن التعليم الإسلامي في الصين يواجه تحديات داخلية وخارجية، خاصة ما تعلق منها بـ«العولمة والإعلام المفتوح الذي ينثر حممه الإلحادية وشبهاته الخبيثة عبر الفضاء المفتوح»، مع إشارته إلى الانفتاح الاقتصادي للصين الذي «يشكل هاجسا كبيرا للشباب الصيني المسلم، الذي أصبح فريسة للجشع المادي»، مؤكدا أن «التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد جيل مسلم واعي للتحديات التي تواجهها مدارس اللغة العربية في الصين في عصر الانفتاح الإعلامي غير المسبوق، بسبب محدودية انتشار هذه المدارس في البلد».
وأثار موضوع وبرنامج المؤتمر ورؤية الندوة العالمية للشباب الإسلامي أسئلة عدد من الإعلاميين الحاضرين، خاصة ما ارتبط منها بعلاقة العمل الخيري بالتوظيف السياسي. وهنا كان صالح بن سليمان الوهيبي، الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، واضحا في رأيه، منسجما مع ثوابت الندوة العالمية للشباب الإسلامي، حيث أكد على أن الندوة تركز على العمل الخيري، وأنها تفصل بين الخيري والسياسي، وبالتالي فهي ليست منظمة سياسية، أو توظف العمل الخيري لغايات سياسية.
كما حظي شعار المؤتمر بنقاش واسع، خاصة ثنائية الشباب والتغيير، وقد نبه الوهيبي في هذا السياق، إلى ضرورة عدم حصر التغيير في الجانب السياسي، ما دام أن هناك ما هو أبعد تأثيرا، ممثلا لذلك بالتغيير التقني الذي قلب المفاهيم والقيم في عصر عولمة غيرت من مضمون الولاء الذي لم يعد محصورا داخل أمة بعينها، بعد أن صار يخرج إلى حيز أوسع، مشيرا إلى أن «تشجيعنا لفريق إسباني أو إنجليزي لكرة القدم يمكن استساغته، غير أن السؤال يصير إشكاليا حين يتعلق الأمر بجانب القيم والفكر، لذلك دعا إلى النظر إلى التغيير في عمومه، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا»، ملاحظا أن «الشباب المسلم يعاني من حرمان كبير، اقتصاديا واجتماعيا، غير أننا نلومه حين يقع ضحية لهذا التوجه أو ذاك، مع أننا لم نوفر له نوفر له الدعم وأسباب النجاح».
يشار إلى أن الندوة العالمية للشباب الإسلامي دأبت على عقد مؤتمراتها كل 4 سنوات، بحيث يتناسب عنوان كل مؤتمر مع احتياجات الشباب المسلم لحظة التنظيم. وتنقلت المؤتمرات الـ11 السابقة بين عواصم إسلامية مختلفة، حيث نظمت في كل من الرياض (1972 و1973 و1976 و1979 و1986 و2002)، ونيروبي (1982)، وكوالالمبور (1993)، وعمان (1998)، والقاهرة (2006)، وجاكرتا الإندونيسية (2010).