آيسلندا تخشى من ثورة بركان جديدة

العلماء يوظفون طرق الرصد الزلزالي وتشوه سطح البراكين وظهور الغازات للتنبؤ بقرب حدوثها

صورة أرشيفية للرماد المنطلق من بركان تحت نهر آيافيالايكول الجليدي في آيسلندا عام 2010
صورة أرشيفية للرماد المنطلق من بركان تحت نهر آيافيالايكول الجليدي في آيسلندا عام 2010
TT

آيسلندا تخشى من ثورة بركان جديدة

صورة أرشيفية للرماد المنطلق من بركان تحت نهر آيافيالايكول الجليدي في آيسلندا عام 2010
صورة أرشيفية للرماد المنطلق من بركان تحت نهر آيافيالايكول الجليدي في آيسلندا عام 2010

إلى الشمال من هذه المنطقة، وفي الجانب البعيد من طبقة «فاتناجوكال» الجليدية الصلدة التي لا يمكن اختراقها، تندفع الحمم والمقذوفات البركانية من صدع في باطن الأرض يقع على خاصرة «بارداربونغا» (Bardarbunga)، أحد براكين آيسلندا الكبيرة.
ووفقا إلى المقاييس البركانية يعتبر هذا الثوران سلميا، لأن الحمم تنتشر فقط عبر الأرض المحيطة كفقاقيع غازية تنبعث منها. وبالنسبة إلى الوقت الحالي، فإن هذه الغازات، لا سيما ثاني أكسيد الكبريت الذي يسبب مشاكل تنفسية وغيرها من التعقيدات، تمثل الهم الأساسي الذي يقلق الهيئات الصحية في العاصمة رايكيافيك التي تقع على مسافة 150 ميلا إلى الغرب، وفي الأماكن الأخرى من البلاد.
لكن في وقت قريب، فقد تنفجر قمة بركان «بارداربونغا» التي تقع تحت طبقة من الثلج تبلغ سماكتها نحو نصف ميل، وهذا من شأنه إطلاق أعمدة من الرماد الرملي إلى السماء، مغلقة السفر الجوي عبر أوروبا، نظرا إلى التلف الذي قد يسببه الرماد بالمحركات النفاثة، وبالتالي إطلاق سيل جارف من مياه الثلج المذاب الذي قد يكتسح الطريق الوحيدة التي تربط جنوب البلاد بالعاصمة. وكل هذا قد يحدث.. أو لا يحدث.

* أسرار بركانية
هذا هو السر الغامض للبراكين الذي بعد مضي أربعة أشهر على قيام «بارداربونغا» بإرسال الحمم لا يزال العلماء يتناقشون حول ما الذي سيحدث في المرة المقبلة، إذ لا يعرف أحد الحقيقة. فثوران البراكين هو من بين أكثر أحداث الأرض كارثية، ومعرفة متى سيحصل ذلك قد تشكل عاملا حاسما في إنقاذ الأرواح وخفض الخسائر التي قد تصيب البنية التحتية وغيرها من الممتلكات. وللعلماء أساليب عدة متينة لتقديم يد العون، لكنهم في النهاية يصلون إلى مجرد تحليل إمكانيات تفجر الأحداث بطرق متعددة «إذ من الصعب التنبؤ بالبراكين بها، نظرا لأنها لا تدلنا على إمكانياتها، فقد تقرر فجأة أن تقوم بشيء مختلف تماما»، كما يقول بول إينارسون عالم الجيولوجيا. ويدرس إينارسون الزلازل والهزات الأرضية التي ترافق عادة النشاط البركاني الذي تسببه الصخور الحارة المنصهرة، التي ترتفع من داخل الأرض مسببة ضغطا وشقوقا وتصدعات. والرصد الزلزالي مهم هنا للمساعدة في تقرير ما إذا سيحدث الثوران، ومتى، وكيفية تطوره، لكن العلماء يدرسون أيضا تشوه سطح البراكين وتمسخها، التي هي علامة على تزايد الضغط داخل الأرض، عن طريق استخدام وحدات من نظام «جي بي إس» ورادارات الأقمار الصناعية، كما أنهم يرصدون الغازات وغيرها من الدلائل، مثل ذوبان الثلج والجليد.
وتقول ستيفاني بريجاين، الباحثة الجيولوجية التي تعمل مع الدائرة الأميركية للمسح الجيولوجي في مرصد الزلازل في ألاسكا «على الصعيد المثالي فهذا خليط جميل من البيانات الخاصة بالعديد من العوامل، وقد تكون سهلة أيضا إذا ما تصاعدت جميعها معا، وبصورة دراماتيكية». وتضيف بريجاين إنه خلال العقد المنصرم تنبأ المرصد بنجاح في ثلثي الأوقات عن نشاط وثوران أكثر من عشرات البراكين التي جرى رصدها زلزاليا من أصل 130. وفي آيسلندا، موطن 35 زلزالا نشيطا، لاقى العلماء نجاحا مماثلا كما تقول. وفي آيسلندا علم العلماء أن شيئا ما يحصل في «بارداربونغا» الذي ثار آخر مرة عام 1910. فقد شرعت المقاييس الزلزالية في تسجيل سلسلة من الهزات الأرضية الصغيرة، التي وصل عددها في النهاية إلى الآلاف في الجانب الشمالي من البركان. وكان هذا دليلا واضحا بأن الصخور المنصهرة شرعت تتسرب إلى الشقوق الواقعة على عمق خمسة إلى ستة أميال من السطح.

* تدفق الحمم
وعلى الرغم من أن ذلك كان يحدث في جزء من البركان المغطى بالنهر الجليدي، فإن العلماء كان بمقدورهم معرفة أن الصخور المنصهرة كانت تتجه أفقيا في غالبيتها إلى الناحية الشمالية الشرقية عبر الشق هذا، نظرا لأن مراكز الهزات الأرضية كانت تتحرك أيضا. وفي 29 أغسطس (آب) باتت هذه الصخور في العمق، لكنها في ذلك التاريخ وصلت إلى السطح، إلى الخاصرة الشمالية من بركان «بارداربونغا». وهذه الصخور التي تدعى حمما متى بلغت سطح الأرض انقذفت كينابيع حمراء ساخنة.
واستمر هذا الثوران الذي هو خارج نطاق أو حدود إمكانيات أي إنسان تقريبا، منذ ذلك الحين. وقذف حتى نهاية العام الماضي نحو ملياري ياردة مكعبة من الحمم، وهو ما يكفي إلى ملء نحو ألف ملعب لكرة القدم، التي انتشرت وغطت مساحة تبلغ نحو 30 ميلا مربعا.
واستنادا إلى تقرير نشر في أواسط ديسمبر (كانون الأول) الماضي في مجلة «نيتشر»، فقد أنتجت الصخور المنصهرة المنتشرة في باطن الأرض ما يدعوه علماء البراكين بالسد الذي امتد 27 ميلا قبل ثورانها.
ويقول فرايشتاين سيغموندسون، العالم الجيولوجي في جامعة آيسلندا الذي نسق هذه الدراسة، إن التشكيل الزلزالي، فضلا عن بينات التشوه والتمسخ الواسع الذي حصل، أظهر تزايدا في عدد نوبات هيجان السد، وشرع ينطلق عبر الشق، الذي رغم عمقه فإنه أقل من ياردتين في العرض. ومن شأن هذه الصخور المنصهرة أن تواجه عائقا أو حاجزا ما، مما يُضيق من عرض هذا الشق، وبالتالي يسبب في تنامي الضغط حتى يصبح كبيرا، ليتغلب على هذا العائق، ويمضي في تحركه. «ويمكن التفكير بذلك على أنه جدول ماء شبه جوفي يصب في سد حتى يتمكن في النهاية من تحطيمه، أي هذا السد»، كما يقول سيغموندسون.

تصدع عميق

ومن أسباب القلق الكبيرة ما يحصل في كالديرا (الفوهة البركانية الكبيرة) لـ«بارداربونغا» الذي هو عبارة عن واد عميق عريض في قمة الجبل المليء بالصخور المنصهرة التي تصلبت بعد ذلك، والتي هي نتيجة نشاطات بركانية سابقة. فقد أظهرت قياسات «جي بي إس» والبيانات الزلزالية أن هذه الصخور المتصلبة التي تعمل كسدادة واقية شرعت تغطس، ربما نتيجة تسرب الصخور الساخنة المنصهرة في الأسفل عبر الشق شمالا. وهذا الهبوط والتداعي سريع للغاية، بمعدل قدم واحد يوميا، والسؤال هو: إلى متى يمكن لهذه السدادة أن تتحمل وتبقى، قبل أن تتصدع كليا بفعل الضغط؟
«لكن يبدو أن الوضع برمته ثابت نسبيا حتى الآن»، كما يقول إينارسون، «غير أنه من المؤكد أن السدادة قد لا تقاوم طويلا، وهذا ما يخشاه الناس. وإذا ما تحطمت السدادة فستندفع الصخور الساخنة في الأسفل، لتجد لها طريقا جديدا سهلا إلى السطح، وتتحد مع الثلج، وتتحول إلى بخار وصخور متفجرة، مما قد يسبب ثورانا وسحابة كبيرة من الرماد قد تعرقل حركة السفر الجوي، كما فعل ثوران بركان آخر في آيسلندا عام 2010. وقد تكون آثار ذلك كارثية على المنطقة المحيطة، حيث الثلج الذائب المنساب من فوهة البركان الكبيرة التي تصدعت جوانبها (كالديرا) سيسبب فيضانات واسعة.
وهذا ما حصل مرات عدة عبر تاريخ آيسلندا الجيولوجي، وتسبب في نشوء دلتا «سكافتافيل» الواسعة المخيفة، التي تشبه سطح القمر، لأن مياه الفيضانات جلبت كميات كبيرة من الرمال البركانية السوداء نزولا من الجبال. وقد تتعرض هذه الدلتا للفيضانات مجددا اعتمادا على متى يحصل الفيضان الذي قد يأخذ مسارا شمالا أو غربا، مع إمكانية وصوله إلى السدود الكهرومائية العديدة المقامة هناك وتدميرها، والتي تولد غالبية الطاقة الكهربائية في البلاد.

* خدمة «نيويورك تايمز»



نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.