جيش ميانمار يقبض على السلطة وسو تشي

«التعاون الإسلامي» تدعو إلى الحفاظ على أمن وسلامة «الروهينغا»

عربات لجيش ميانمار في العاصمة نايبيداو (أ.ب)
عربات لجيش ميانمار في العاصمة نايبيداو (أ.ب)
TT

جيش ميانمار يقبض على السلطة وسو تشي

عربات لجيش ميانمار في العاصمة نايبيداو (أ.ب)
عربات لجيش ميانمار في العاصمة نايبيداو (أ.ب)

منذ انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضية التي فازت فيها «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» التي تتزعمها أونغ سان سو تشي، يدلي جيش ميانمار بتصريحات عدت تنويهاً بما ينوي القيام به لقلب الموازين، وإرجاع البلاد إلى قبضة الحكم العسكري. وأمس، صدقت التوقعات، وقام الجيش بانقلاب، واعتقل سو تشي مع زعماء آخرين من حزبها، في مداهمات خلال الساعات الأولى من الصباح، الأمر الذي تمت إدانته من قبل قادة العالم.
واتخذت القوات مواقع في يانغون، حيث هرع السكان إلى الأسواق لتخزين المؤن، فيما اصطف آخرون أمام ماكينات الصرف الآلي لسحب نقود. وقامت البنوك لاحقاً بتعليق الخدمات بسبب ضعف الاتصال عبر الإنترنت. وأعلن الجيش، في بيان على محطة تلفزيونية تابعة له، أنه نفذ اعتقالات رداً على «تزوير الانتخابات»، وسلم السلطة لقائد الجيش مين أونغ هلاينغ، وفرض حالة الطوارئ لمدة عام.
وجاء تحرك الجيش قبل ساعات من موعد انعقاد البرلمان للمرة الأولى منذ الفوز الساحق لحزب الرابطة الوطنية في الانتخابات التي أجريت في نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي عدت بمثابة استفتاء على الحكم الديمقراطي الوليد لسو تشي التي طالبت الناس بالاحتجاج سلمياً على تحرك الجيش.
ويعطل الانقلاب مسار سنوات من الجهود المدعومة من الغرب لإرساء الديمقراطية في ميانمار التي كانت تعرف سابقاً باسم «بورما»، والتي تحظى فيها الصين بنفوذ قوي. وقال ميو نيونت، المتحدث باسم حزب الرابطة، لـ«رويترز» عبر الهاتف، إن سو تشي ورئيس ميانمار وين مينت وزعماء آخرين «اعتقلوا» في الساعات الأولى من الصباح. وتعطلت اتصالات الهاتف والإنترنت في العاصمة نايبيداو، ومدينة يانغون التجارية الرئيسية، وانقطع بث التلفزيون الرسمي بعد حملة الاعتقالات.
وفاز حزب سو كي بنسبة 80 في المائة من الأصوات في ثاني انتخابات فقط تجرى منذ أن وافق مجلس عسكري على تقاسم السلطة في 2011. ووصلت سو تشي إلى السلطة عقب فوز ساحق في انتخابات عام 2015، بعد خضوعها للإقامة الجبرية لعقود، وذلك في صراع من أجل الديمقراطية جعل منها أيقونة دولية.

وبعدما كانت منفية لوقت طويل في إنجلترا، عادت سان سو تشي (75 عاماً) إلى ميانمار في عام 1988، وأصبحت رمز المعارضة بوجه الديكتاتورية العسكرية. وأمضت 15 عاماً قيد الإقامة الجبرية، قبل أن يفرج عنها الجيش في 2010.
لكن مكانتها العالمية تضررت بعد فرار مئات الآلاف من الروهينغا بسبب عمليات عسكرية بإقليم راخين (غرب البلاد) في عام 2017، وصفت بأنها نموذج للتطهير العرقي، ورفضت سو تشي حينها إدانة الجيش على عملياتهم ضد الأقلية المسلمة. ورغم ذلك، لا تزال سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، تحظى بشعبية كبيرة داخل البلاد.
ونقل بيان للرابطة من أجل الديمقراطية، كتب سلفاً ونشر على صفحتها على «فيسبوك»، عن سو تشي قولها إن هذه الإجراءات ستعيد ميانمار «إلى عهد الديكتاتورية». ونسب إليها القول: «أحث الناس على عدم قبول ذلك... والاحتجاج على الانقلاب العسكري». وكتبت أن الجيش يحاول «إغراق البلاد من جديد في ديكتاتورية عسكرية، متجاهلاً وباء (كوفيد-19)»، مطالبة الشعب بـ«الرد بصوت واحد».
وسيطر الجيش بعد ذلك على مبنى بلدية رانغون، عاصمة البلاد الاقتصادية، وقطع عسكريون الطريق المؤدي إلى المطار الدولي، على ما أفاد به صحافيون في وكالة الصحافة الفرنسية. وجالت عدة شاحنات في شوارع رانغون لمؤيدين للجيش كانوا يلوحون بالرايات ويرددون أناشيد وطنية. وقال الناشط الطلابي سي ثو تون: «كانت بلادنا طائراً يتعلم الطيران، والآن كسر الجيش أجنحتنا».
وخرجت ميانمار منذ 10 سنوات فقط من نظام عسكري سيطر على السلطة مدة نصف قرن. وآخر انقلابين شهدتهما البلاد منذ استقلالها يعودان إلى العامين 1962 و1988. ويتهم الجيش اللجنة الانتخابية بعدم معالجة «المخالفات الهائلة» التي حدثت، على حد قوله، خلال الانتخابات التشريعية. ويتحدث عن وجود 10 ملايين حالة تزوير في الانتخابات، ويريد التحقيق في الأمر. وبحسب بيان صادر عن الجيش، أصبحت السلطات «التشريعية والإدارية والقضائية» بيد مين أونغ هلينغ، فيما أصبح الجنرال ميينت سوي رئيساً مؤقتاً للبلاد.
وقال الخبير من معهد «لاوي» في أستراليا، إبرفيه لومايو، لوكالة الصحافة الفرنسية: «العلاقة بين الحكومة والعسكريين معقدة»، مضيفاً أن هذا «النظام الهجين غير استبدادي تماماً، ولا ديمقراطي تماماً، وقد انهار بفعل ثقل تلك التناقضات». ورأى مين زاو أو، من المعهد البورمي للسلام والأمن، أن البلاد «جهدت في السنوات العشر الماضية لتسريع الإصلاحات... وهذه انتكاسة كبيرة لعملية التحول الديمقراطي».
وقد أدانت أستراليا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وماليزيا وسنغافورة والولايات المتحدة الانقلاب في ميانمار. ودعت واشنطن فوراً إلى الإفراج عن قادة الرابطة الوطنية. وحذرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في بيان، من أن الولايات المتحدة «ستتخذ إجراءات ضد المسؤولين» عن الانقلاب. وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، من جهتها: «ندعو العسكريين إلى احترام دولة القانون، والإفراج فوراً عن كل القادة المدنيين وجميع الموقوفين بشكل غير شرعي».
وندد الأمين العام للأمم المتحدة بشدة بـ«التطورات التي تشكل ضربة قوية للإصلاحات الديمقراطية في بورما». وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، يندد باحتجاز الزعماء السياسيين، ويحث الجيش على «احترام إرادة الشعب».
وقد يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة كانت مقررة سابقاً عن بورما بشكل طارئ، على أن يقدم موعدها إلى مطلع الأسبوع، نظراً للتطورات الأخيرة، كما قال لوكالة الصحافة الفرنسية دبلوماسي فضل عدم الكشف عن هويته.
وطالبت الصين جميع الأطراف باحترام الدستور ودعم الاستقرار. وقال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، على «تويتر»: «أدين الانقلاب والسجن غير القانوني للمدنيين، بمن فيهم أونغ سان سو تشي، في ميانمار». وأضاف أنه «يجب احترام إرادة الشعب، وإطلاق سراح الزعماء المدنيين».
وقال رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، إنه يجب إطلاق سراح جميع الأشخاص الذين اعتقلوا في المداهمات التي أجريت في أنحاء البلاد. وأكد وزير الخارجية الياباني، توشيمتسو موتيجي، أن طوكيو تدعم بقوة الديمقراطية في ميانمار، وتعارض أي تراجع عن هذه العملية.
ومن مقرها في مدينة جدة بالسعودية، جددت «منظمة التعاون الإسلامي» موقفها الثابت الداعم لشعب «الروهينغا» المسلم، ودعوتها إلى تأمين سلامته وأمنه، والاعتراف بحقوقه الأساسية «بما في ذلك حق المواطنة الكاملة، وتهيئة الظروف المواتية لعودة طوعية آمنة كريمة مستدامة لجميع اللاجئين والنازحين داخلياً من الروهينغا».
وأكدت المنظمة الإسلامية أنها تتابع من كثب التقارير الواردة عن التطورات الجارية في ميانمار، داعية المجتمع الدولي إلى تقديم مزيد من الدعم لمختلف الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة والمساءلة لصالح الروهينغا، والوقف الفوري لمختلف أشكال العنف ضدهم.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.