«الأوروبية لحقوق الإنسان» تضغط على تركيا للإفراج عن دميرطاش

«الأوروبية لحقوق الإنسان» تضغط على تركيا للإفراج عن دميرطاش
TT

«الأوروبية لحقوق الإنسان» تضغط على تركيا للإفراج عن دميرطاش

«الأوروبية لحقوق الإنسان» تضغط على تركيا للإفراج عن دميرطاش

واصلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضغوطها على تركيا من أجل الإفراج عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي (مؤيد للأكراد) صلاح الدين دميرطاش، بينما أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أن موضوع دميرطاش لا يجب النظر إليه من منظور واحد، لأنه متهم في كثير من القضايا.
وطلبت المحكمة من السلطات التركية أمس (الاثنين)، توضيح أسباب عدم التزام أنقرة بتنفيذ قراراتها السابقة الخاصة بالإفراج الفوري عن دميرطاش، نظراً لانتهاك حقوقه بإطالة فترة حبسه الاحتياطي دون توجيه اتهامات بحقه. ووجهت المحكمة 7 أسئلة إلى تركيا في مقدمتها سؤال عن سبب بقائه في القضية المعروفة بـ«احتجاجات كوباني» عام 2014، التي تتعلق بالأحداث التي شهدتها بعض مناطق جنوب شرقي تركيا، خلال احتجاجات على موقف أنقرة من حصار تنظيم «داعش» الإرهابي لمدينة كوباني (عين العرب) ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا، والتي وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 وأسفرت عن سقوط عشرات من القتلى والمصابين.
وتساءلت المحكمة، التي قضت أكثر من مرة آخرها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالإفراج الفوري عن دميرتاش، عما إذا كان حبسه مستنداً إلى «شبهة معقولة» وأسباب ووقت، وكذلك ما إذا كان ينتهك الحق في حرية التعبير، وعما إذا كان محتجزاً لأسباب سياسية، وعما إذا كانت المحكمة الدستورية العليا في تركيا وسيلة قانونية فعالة في قضية دميرطاش وما إذا كانت المادة 18 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يتم انتهاكها. وقال رمضان دمير، أحد محاميي دميرطاش، إن الدفاع عن الزعيم الكردي المعارض تقدم بطلب إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية للإفراج عنه بعد تأخر المحكمة الدستورية في تركيا في إصدار حكم حول استمرار حبسه. وأضاف، عبر «تويتر»: «هذه الأسئلة تُطرح لأول مرة في هذه القضية وهي مهمة للغاية». من جانبه، قال بينان مولو، وهو أيضاً محامٍ عن دميرطاش، إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سألت عما إذا كانت المحكمة الدستورية العليا في تركيا نظرت، أم لا، في استئناف دميرطاش المقدم في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وفي حكمها الذي أصدرته المحكمة الأوروبية بالإفراج عن دميرطاش في ديسمبر (كانون الأول)، أكدت أن تبرير السنوات الأربع التي قضاها في السجن كان غطاء للحد من التعددية والنقاش.
وأوضحت الغرفة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن حقوق دميرطاش، المتهم بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب تصل عقوباتها حال ثبوتها عليه إلى 142 سنة، قد انتهكت تحت 5 فئات مختلفة، بما في ذلك حرية التعبير. واعتبرت أن احتجازه السابق للمحاكمة وحبسه احتياطياً منذ 4 نوفمبر 2016 «رسالة خطيرة إلى جميع الموطنين أدت إلى تضييق نطاق النقاش الديمقراطي الحر»، مشيرة إلى أن المحكمة لا ترى أي دليل في قرارات اعتقال دميرتاش يربط بين أفعاله والجرائم المزعومة. ويتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حزب الشعوب الديمقراطية بأنه ذراع سياسية لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، واعتقلت السلطات المئات من نوابه وقياداته وآلاف من أعضائه منذ عام 2016 وحتى الآن، لكن الحزب، الذي يعد ثاني أكبر أحزاب المعارضة بالبرلمان التركي، ينفي وجود أي علاقة له بالإرهاب. في السياق ذاته، اعتبر نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، حمزة داغ، أنه لا يجب النظر إلى موضوع حبس كل من دميرطاش، ورجل الأعمال البارز الناشط الحقوقي عثمان كافالا، المتهم بالتجسس ودعم منظمة إرهابية والارتباط بحركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن، التي تنسب إليها سلطات أنقرة تدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، من منظور واضح، بل يجب أخذ كل قضية على حدة، وبالتالي فإن المطالبة بالإفراج عنهما يجب أن تراعي تعدد الاتهامات. وسبق أن رفض الرئيس رجب طيب إردوغان تنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية، معتبراً أنها «غير ملزمة» لبلاده.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟