الأغنية الوطنية... من رفاهية القصور إلى خنادق الحرب

ناهد عبد الحميد ترصد أبرز محطاتها في القرن العشرين

الأغنية الوطنية... من رفاهية القصور إلى خنادق الحرب
TT

الأغنية الوطنية... من رفاهية القصور إلى خنادق الحرب

الأغنية الوطنية... من رفاهية القصور إلى خنادق الحرب

لا يبدو «الغناء بين الفن والسياسة» عنواناً دقيقاً في التعبير عن مضمون هذا الكتاب الصادر في القاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة للباحثة د. ناهد عبد الحميد، فللوهلة الأولى تظن أنه يتعلق بالعلاقة الشائكة بين فن الأغنية وبحور السياسة بأمواجها المتلاطمة ومناطقها المحرمة، لكنك ما إن تبدأ في قراءة العمل وتتصفح الفهرست حتى تجده يتحدث عن منطقة أخرى أكثر دفئاً وأماناً هي الأغنية الوطنية مع بعض الإشارات الخاطفة لحكاية هنا أو واقعة هناك، عبر صفحات الكتاب التي تبلغ 279 صفحة من القطع الكبير. والغريب أيضاً أن الغلاف لا يعبِّر عن مضمون العمل، فهو يحتوي على صورة مكبَّرة لأم كلثوم رغم أنه لم تَرِد الإشارة إليها إلا في وقائع عابرة، على عكس محمد عبد الوهاب الذي تناولت المؤلفة تجربته في هذا السياق باستفاضة.

أنشودة دمشق

عاش موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فنياً فترة حكم ملكين وأربعة رؤساء في مصر وكان في مقام الابن المدلل لأمير الشعراء أحمد شوقي المقرب إلى القصر الملكي، وكانت الأغنية الوطنية ملمحاً بارزاً في تجربته سواء صدرت عن قناعة ذاتية أم استهدفت التقرب للحكام أم بغرض الاثنين معاً.
وتشير المؤلفة إلى «أنشودة دمشق» قصيدة أحمد شوقي الشهيرة التي لحّنها وغنّاها عبد الوهاب، ولم تغنَّ هذه القصيدة من قبل إلى أن وقعت ثورة سوريا ضد الاستعمار الفرنسي عام 1940 فتذكر عبد الوهاب القصيدة، واختار عدة أبيات منها:
سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمع لا يكفكف يا دمشقُ
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم أنه نور وحقُّ
وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مضرَّجة يدقُّ
ولم تطُل إذاعة الأغنية كثيراً، فقد قدمت السفارة الفرنسية في القاهرة احتجاجاً إلى وزارة خارجية الملك فاروق، وكان أنْ تم التحفظ على الأغنية في مكان أمين وظلت حبيسة أدراج أرشيف الإذاعة إلى أن أفرجت عنها ثورة 1952.
وعندما اشتدت في مصر حركة المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في الأربعينات وتصاعدت الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، لم تَسْلم الأحزاب السياسية من الوقوع في فخ الصراع فيما بينها، ولتهدئة الوضع بين الأحزاب المتصارعة، ظهرت إبداعات الأغنية الوطنية بلمسات نفس الثنائي: شوقي وعبد الوهاب في قصيدة قوية تدعو لنبذ الفرقة وتوحيد الصفوف:
إلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما
وَهَذي الضَجَّة الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ
وَتُبدون العَداوَة وَالخِصاما
وتوضح المؤلفة أنه منذ أواخر الستينات كان لافتاً أن أغاني عبد الوهاب الوطنية، بدأت تتناول القضايا القومية كما في قصيدة «فلسطين» 1948، لكن بتلحين مختلف، فتلحين الأخيرة يختلف عن تلحين قصيدة «حرية أراضينا» 1968، وهذا الفارق يظهر أكثر مع تطور التيار القومي وصعوده، والفارق الزمني بين القصيدتين الذي يصل إلى عشرين عاماً، فالأولى عقب نكبة 1948 والأخرى عقب هزيمة 1967.
وتورد المؤلفة واقعة شديدة الدلالة في هذا السياق تتعلق بالسيدة أم كلثوم وقصيدتها «سلوا قلبي» التي غنّتها لأحمد شوقي والتي جاء فيها هذا البيت الشهير:
(وما نيلُ المطالبِ بالتمني ولكن تؤخذُ الدنيا غلابا)
فعقب إذاعتها جاء مندوب الاحتلال الإنجليزي إلى استديو التسجيل معترضاً على الأغنية معللاً بأن هذه الجملة قد تثير الحميّة لدى القوى الداخلية وتدعوهم إلى التظاهر واستلهام المعاني الثورية ولكن أم كلثوم رفضت وأُذيعت القصيدة كاملة.
وبعد ثورة يوليو (تموز)، سارع مجلس قيادة الثورة إلى دعوة أم كلثوم وعبد الوهاب للغناء في حفل بنادي الفرسان 1954 لتكريم الرئيس جمال عبد الناصر بعد فشل محاولة اغتياله بميدان المنشية في الإسكندرية، حيث غنّت كوكب الشرق «يا جمال يا مثال الوطنية» وغنّى عبد الوهاب «تسلم يا غالي» وبدا كأن هناك تنافساً شديداً بين القطبين الكبيرين في مديح الزعيم كما في أغاني «ناصر ناصر، ناصر يا حرية»، و«ناصر كلنا بنحبك»، وأغنية «ارجع فأنت الأمل الباقي».

نجم والشيخ إمام

تنتقل المؤلفة إلى محطة أخرى مهمة في سياق الأغنية الوطنية المصرية والمتمثلة في الثنائي الشهير الشاعر أحمد فؤاد نجم، الملقب بـ(الفاجومي) والملحن والمطرب الكفيف «الشيخ إمام»؛ فمن يستمع إلى أعمالهما لا سيما في عقد السبعينات يستطيع أن يتلمس روح النقد والسخرية العالية وحالة العشق الوطني التي كانت تتلبسهما خلال أغانيهما، فضلاً عن التجاوب العفوي من الجماهير. إنهما، كما تقول المؤلفة، حالة فريدة في التاريخ المصري الفني والسياسي يمكن من خلاله تلمس بعض الملامح التاريخية في تلك الفترة.
وتنتقل المؤلفة إلى محطة أخرى في سياق الغناء الوطني فتتوقف عند تجربة المطرب محمد حمام كصوت وطني له دور مؤثر، وتذكر أنه في أثناء وعقب حرب يونيو (حزيران) 1967 كان يقوم (حمام) بالتدريب داخل معسكرات المقاومة الشعبية لتعبئة وشحذ همم الجنود، حيث كان يغني في الجبهة من خلال الحفلات التي كانت الشؤون المعنوية تنظّمها بل كان يغني في الخنادق وغنّى كثيراً للجنود المصريين في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
رغم أن هذا الكتاب بُذل فيه جهد كبير، فإن هذا الجهد بدا أحياناً خارج السياق ولا يحمل إضافة مهمة لجوهر العمل، مثل الفصل التي أوردت فيه المؤلفة عدداً من الآراء على لسان إعلاميين ونقاد حول مفهومهم ورؤيتهم للأغنية الوطنية.
وجاءت هذه الآراء محمّلة بعبارات إنشائية عامة لا تضيف كثيراً لموضوع الكتاب المعنيّ برصد أبرز محطات الأغنية الوطنية المصرية في القرن العشرين، وارتباطها بقضايا الواقع المصري والعربي على شتى المستويات.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.