«تركة» السراج الأمنية... «معضلة ثقيلة» تنتظر خلفه

أنشأ جهازاً جديداً ووضع على رأسه قيادات ميليشياوية

فائز السراج خلال لقائه وزير ماليته ورئيس ديوان المحاسبة (المجلس الرئاسي)
فائز السراج خلال لقائه وزير ماليته ورئيس ديوان المحاسبة (المجلس الرئاسي)
TT

«تركة» السراج الأمنية... «معضلة ثقيلة» تنتظر خلفه

فائز السراج خلال لقائه وزير ماليته ورئيس ديوان المحاسبة (المجلس الرئاسي)
فائز السراج خلال لقائه وزير ماليته ورئيس ديوان المحاسبة (المجلس الرئاسي)

في ظل تسارع وتيرة المسار السياسي الليبي لاختيار إدارة تنفيذية جديدة مؤقتة، تجددت التساؤلات حول مصير الميليشيات في العاصمة طرابلس، إضافة إلى جهاز أمني جديد استحدثه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج، ووضع على رأسه عبد الغني الككلي، أحد أبرز قيادات ميليشيات العاصمة.
وتوقع وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية المؤقتة حسن الصغير استمرار هذا الجهاز وغيره من «تركة» السراج، «وعلى رأسها القيادات الميليشياوية حتى بعد مغادرته منصبه». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التخلص من هذه المجموعات يتوقف على شخصية رئيس الحكومة الجديدة، وقدرته على التصدي لهذه الأجهزة وقياداتها».
ولفت إلى أن وزير الداخلية فتحي باشاغا المرشح بقوة لتولي رئاسة حكومة «الوحدة الوطنية»، في حال نجاح تشكيلها، «قد يُبقي على هذه الأجهزة مع تغيير مسؤوليها ليضمن ولاءها له». ورأى أن «هدف السراج من وراء هذه التعيينات هو ضمان استمراره في السلطة لحين إجراء الانتخابات العامة مع نهاية العام الجاري، خصوصاً إذا ما فشل ملتقى الحوار السياسي الراهن في إنهاء هذه المرحلة».
ونوه الصغير إلى «طبيعة المواقع التي تحصلت عليها قيادات الميليشيات في مجال الأمن الداخلي والقومي والحصانة التي توفر لهم خلال فترة إدارة السراج على الأقل من أي ملاحقة قانونية».
واستحدث السراج جهازاً أمنياً تحت اسم «جهاز دعم الاستقرار» ودفع بالقيادي البارز في الميليشيات عبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة» لرئاسته، مع تعيين نواب له أبرزهم أيوب أبو راس وحسن محمد حسن أو زريبة، وموسى أبو القاسم موسى.
وذهب عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب إلى أنه «لا توجد فرصة لهذه المجموعات بالصمود في ظل انتقال الحكم لأي سلطة جديدة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الأجهزة الأمينة تم استحداثها لكنها لم تفعّل بعد، وقد يكون أحد أهداف تأسيسها هو محاولة تحصين قياداتها من المساءلة القانونية بشكل عام».
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، عيّن رئيس المجلس الرئاسي قادة ميليشيات موالية له ومناهضة لوزير الداخلية باشاغا، على رأس مؤسسات أمنية رسمية، في خطوة أغضبت ميليشيات مصراتة، واعتبرت بمثابة ترضية للميليشيات التي دعمت السراج خلال المظاهرات الأخيرة التي شهدتها طرابلس.
وأصدر السراج قراراً بتعيين آمر ميليشيا «الدعم المركزي» عماد الطرابلسي نائباً لرئيس جهاز الاستخبارات والقيادي في ميليشيا «قوة الردع» لطفي الحراري نائباً لرئيس جهاز الأمن الداخلي.
ويرى المحلل السياسي محمد بوصير أن «الولاء داخل هذه الأجهزة دائماً يكون لمن يستطيع ترويضها ويسيطر على مقاليد الحكم»، لافتاً إلى أن «من سيجلس على رأس السلطة الجديدة ستكون لديه مهام عديدة، وسيضطر للقيام بترضيات مع أطراف وقوى مختلفة».
ولفت إلى أن الميليشيات المنتشرة في عموم البلاد «لا تعتمد على قوة مسؤول بعينه بقدر ما تعتمد على قوة سلاحها ونفوذها على الأرض، وبالتالي لا يمكن المساس بها».
أما عضو مجلس النواب في طبرق على التكبالي فحذر من «مغبة تصادم قيادات الميليشيات الموالية للسراج مع قيادات السلطة التنفيذية المقبلة، خصوصاً المنتمين منهم للغرب الليبي وفي مقدمتهم فتحي باشاغا والذي يعتمد على دعم ميليشيات مصراتة القوية».
ورأى أن «التصادم بين الميليشيات المتصارعة على النفوذ ينذر بكارثة على الشعب الليبي، وبالطبع مسؤولية ذلك تقع على نائب رئيس بعثة الدعم الأممي في ليبيا ستيفاني ويليامز المتعجلة في إنهاء ملف ليبيا بأي شكل». واستدرك: «للأسف قد تبقى الميليشيات وتستمر صراعاتها على الأرض مستقبلاً، وربما تتطور لتصل إلى مرحلة التفجيرات التي تشهدها بعض دول المنطقة العربية».
وخلص التكبالي إلى أنه «في مرحلة ما، وعند حدوث الاستقرار الحقيقي للدولة الليبية، لن تتم فقط محاسبة قيادات هذه الميليشيات لتورط أغلبها في جرائم جنائية وانخراطها في تجارة الهجرة غير المشروعة، لكن كل من تستر على هذه المخالفات سيحاكم أيضا لأنه هو الذي مكن لهم وعينهم ووضعهم في مراكز ومواقع أمنية رغم علمه الكامل بخلفياتهم وسجلهم كقيادات منفلتة ومتطرفة وعدم امتلاكهم لعلم أو خبرة».
وكانت منطقة أبو سليم في طرابلس، شهدت احتفالات صاخبة قال شهود عيان لوسائل إعلام محلية إنها جاءت بمناسبة صدور قرار تعيين آمر الأمن المركزي في «أبو سليم» عبد الغني الككلي رئيساً للجهاز الأمني الجديد.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».