«الطفولة الأبدية»... سبعون عاماً من التحليق والسيريالية المؤنسة

نصوص تُجاور الرسوم وكأنها فصول أدبية
نصوص تُجاور الرسوم وكأنها فصول أدبية
TT

«الطفولة الأبدية»... سبعون عاماً من التحليق والسيريالية المؤنسة

نصوص تُجاور الرسوم وكأنها فصول أدبية
نصوص تُجاور الرسوم وكأنها فصول أدبية

لا يحتاج أبطال الفنانة المصرية إيفيلين عشم الله إلى بساط سحري ليطوف بهم بين عوالم السحر والجمال، فقد منحتهم صاحبتهم سر التحليق البعيد عن الأرض وضجرها، عبر البهجة والغناء والحكايات، لا فرق هنا بين بشر وحيوانات أو حتى مخلوقات مُهجنة، جميعها مفردات لوحات إيفيلين عشم الله التي لا يمكن أن تفرغ أي منها من حكاية، حكايات تؤنسك، وتختبئ في ثنايا خيالك كما تفعل حكايات الجدّات، وقصص الأساطير.
وتستضيف قاعة «كريمسون» للفن بالقاهرة هذه الأيام الأعمال الجديدة للفنانة إيفيلين عشم الله، ويستمر حتى منتصف فبراير (شباط) من العام الحالي، ويحمل المعرض اسم «إيفيلين عشم الله - طفولة أبدية»، الذي يحتفي بسبعين عاماً من الفن الذي لم تتوقف إيفيلين عن مُعايشته بقلب فتاة صغيرة، وهو المعرض الذي يتم بتنظيم مشترك من «أرتيولوجي إيجيبت» ومبادرة «وحدات الحياة الدولية للفنون».
وتعد الفنانة إيفيلين عشم الله، مواليد 1948. واحدة من أبرز الفنانات التشكيليات اللاتي استطعن خلق أسلوب فني يخص تجربتهن، فعالمها السيريالي تُوظفه دائماً لصالح البهجة، والانتصار للإنسان، ولعل تلك المبادئ التي تنثال في أعمال الفنانة المصرية على مدار مشروعها الفني الطويل، تتجدد في معرضها الحالي، رغم أن عشم الله كانت ترسمها خلال فترة الجائحة وما فرضته من مفردات بعيدة عن البهجة التي تنبض بها لوحات المعرض، تقول إيفيلين: «نعيش وسط عالم يُطل بوجهه القبيح، وسط رُعب لا يُفرق بين قرية أو مدينة، وهنا يأتي دور العقل الباطن بكل ما يختزنه من بهجة».
في واحدة من لوحات المعرض، التي يبلغ عددها 28 لوحة، تُطل فتاة شابة في حوار حميم مع سيدة عجوز تتكئ على عصا وكأنما نبتت له أوراق خضراء، في حوار دائم تصنعه عشم الله بين الكائنات الحيّة، تقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مؤمنة في مشروعي بوحدة الكائنات، كلنا واحد، الإنسان والنبات والحيوان، جميعنا حلقات في حيوّات مُتصلة غير منفصلة»، وتُرافق تلك اللوحة عبارة مكتوبة داخل إطار دائري يبعث حرارة الشمس وهي «طقوس التحوّلات والوقت» وهي عبارة تختزل الكثير من فلسفة صاحبتها المشغولة بالوقت وآثاره، بأبعاده النوستالجية والإنمائية، كما في رسائل النبات والزهور التي تخطف الأنظار. ولعل هذا التكامل بين استخدامات الخط وفنياته في اللوحات، يدعم ثيمة الحكائية التي تُميز مشروع إيفيلين عشم الله، فالنصوص المكتوبة تتماهى مع النصوص البصرية وكأنها فصول من أعمال أدبية، منها لوحة تظهر جنينين على مشارف الخروج إلى الحياة، يقول أحدهما: «ستلدنا أمنا قريباً وسنكبر معاً»، فيما يرد الآخر: «سنأكل بلحاً طازجاً مسكراً وسنستظل بفيء تلك الشجرة»، ليتكامل المعنى بالشجرة الوارفة التي نبتت فوق رأس الأم، تستظل بها هي وأحلام جنينيها في جوفها.
وتستمر الأحلام كنغمة يطيب الاستماع لها ومطالعة تفاصيلها الشجيّة، فهنا لوحة يبدو أن صاحبتها ذات الحس الشعبي القريب من القلب تتأمل مواطن الجمال في حياتها، تتدخل النصوص المكتوبة لتنطق بما في عقلها الباطن، تُعدد «شمس الشتاء... زهرة الصبار... ريحانة... رائحة البحر... غصن من الفل»، وتجعل إيفيلين عشم الله للخطوط ملامح مُلونة وكأنها امتداد لنسيج الرسم، في ثنائية تصنع بها إيفيلين تصميماً فنياً عامر بالتفصيلات النصيّة والبصرية.
وينسجم أبطال المعرض في حركات خفة لافتة، أقرب للبهلوانية أحياناً، فروحهم الوثابة تغريهم بالقفز لمجاورة الشمس، التي تجعل لها إيفيلين ملامح أقرب للوجه البشري، فالكل واحد في مشروعها الفني: «منذ طفولتي في مركز دسوق (دلتا مصر) وكنت أشاهد فعاليات مولد الدسوقي الشهير، كان عامراً بالألعاب كما في السيرك، احتفظت بها في ذاكرتي، تماماً كما أحتفظ بمشاهد الحقول والفلاحين، وحتى الحشرات، والأشجار أتذكرها عندما كنت أقضي فترات إجازتي في إحدى القرى»، بحسب إيفيلين عشم الله، التي تسكب ذاكرتها الحيّة، لتُجاور كائناتها الفانتازية والمُهجنة، فترى طيور بهيئة ديناصورية، تتناغم مع كلمات أغنيات قديمة كما «يا حلو صبح»، التي يسري معها خلفية صوتية للراحل محمد قنديل في نسمات صباح دافئ، وسنبلة تتحدث وتغني تحمل وجهاً طفولياً، تقترب به الفنانة إيفيلين عشم الله من النقاء، وتُطوره عبر خطوطها الجريئة وألوانها المبهجة لحالة بصرية وعاطفية غنية.



مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثل في مصطبة لطبيب ملكي لدى الدولة المصرية القديمة، تحتوي نقوشاً ورسوماً «زاهية» على جدرانها، بالإضافة إلى الكثير من أدوات الطقوس والمتاع الجنائزي.

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، كشفت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية المشتركة التي تعمل في جنوب منطقة سقارة الأثرية، وتحديداً في مقابر كبار رجال الدولة القديمة، عن مصطبة من الطوب اللبن، لها باب وهمي عليه نقوش ورسومات «متميزة»، لطبيب يُدعى «تيتي نب فو»، عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني، ويحمل مجموعة من الألقاب المتعلقة بوظائفه الرفيعة، من بينها: «كبير أطباء القصر»، و«كاهن الإلهة سركت»، و«ساحر الإلهة سركت»، أي المتخصص في اللدغات السامة من العقارب أو الثعابين وعظيم أطباء الأسنان، ومدير النباتات الطبي.

جدران المصطبة تتضمّن نقوشاً ورموزاً جنائزية بألوانها الزاهية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعد هذا الكشف إضافة مهمة إلى تاريخ المنطقة الأثرية بسقارة، ويُظهر جوانب جديدة من ثقافة الحياة اليومية في عصر الدولة القديمة من خلال النصوص والرسومات الموجودة على جدران المصطبة، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد.

من جانبه، أوضح رئيس البعثة، الدكتور فليب كولمبير، أن المصطبة تعرّضت للسرقة في عصور سابقة، حسب ما ترجح الدراسات الأولية، لكن الجدران ظلّت سليمة وتحمل نقوشاً محفورة ورسوماً رائعة الجمال، ونقشاً على أحد جدران المقبرة على شكل باب وهمي ملون بألوان زاهية. كما توجد مناظر للكثير من الأثاث والمتاع الجنائزي، وكذلك قائمة بأسماء القرابين، وقد طُلي سقف المقبرة باللون الأحمر تقليداً لشكل أحجار الغرانيت، وفي منتصف السقف نقش يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

رموز ورسوم لطقوس متنوعة داخل المصطبة (وزارة السياحة والآثار)

بالإضافة إلى ذلك عثرت البعثة على تابوت حجري، الجزء الداخلي منه منقوش بالكتابة الهيروغليفية يكشف اسم صاحب المقبرة.

وكانت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية قد بدأت أعمال الحفائر في الجزء الخاص بمقابر موظفي الدولة، خلف المجموعة الجنائزية للملك بيبي الأول، أحد حكام الأسرة السادسة من الدولة القديمة، وتلك الخاصة بزوجاته في جنوب منطقة آثار سقارة، في عام 2022.

وكشفت البعثة قبل ذلك عن مصطبة للوزير وني، الذي اشتهر بأطول سيرة ذاتية لأحد كبار رجال الدولة القديمة، التي سُجّلت نصوصها على جدران مقبرته الثانية الموجودة في منطقة أبيدوس بسوهاج (جنوب مصر).

ويرى عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذا الاكتشاف «يكشف القيمة التاريخية والأثرية لمنطقة سقارة التي كانت مركزاً مهماً للدفن خلال عصور مصر القديمة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المصطبة المكتشفة تعود إلى طبيب ملكي يحمل لقب (المشرف على الأطباء)، كان يخدم البلاط الملكي في الأسرة الخامسة (تقريباً في الفترة ما بين 2494 و2345 قبل الميلاد)، وجدران المصطبة مزينة بنقوش زاهية الألوان تجسّد مشاهد يومية وحياتية وأخرى جنائزية؛ مما يوفّر لمحة عن حياة المصريين القدماء واهتماماتهم بالموت والخلود».

ويضيف العالم المصري أن المصاطب تُعد نوعاً من المقابر الملكية والنخبوية التي ظهرت خلال بدايات عصر الأسرات الأولى، قبل ظهور الشكل الهرمي للمقابر.

المصطبة المكتشفة حديثاً في سقارة (وزارة السياحة والآثار)

وتضم النقوش داخل المصطبة صوراً للطبيب الملكي وهو يمارس مهامه الطبية، إلى جانب مناظر تعكس الحياة اليومية مثل الصيد والزراعة، ويلفت عبد البصير إلى أن «النقوش تحتفظ بجمال ألوانها المبهجة؛ مما يدل على مهارة الفنانين المصريين القدماء وتقنياتهم المتقدمة».

ويقول الدكتور حسين إن هذا الاكتشاف يعزّز فهمنا لتاريخ الدولة القديمة، ويبرز الدور المحوري الذي لعبته سقارة مركزاً دينياً وثقافياً، مؤكداً أن هذا الاكتشاف «يُسهم في جذب مزيد من الاهتمام العالمي للسياحة الثقافية في مصر، ويُعد حلقة جديدة في سلسلة الاكتشافات الأثرية التي تُعيد إحياء تاريخ مصر القديمة وتُظهر للعالم عظمة هذه الحضارة».

تجدر الإشارة إلى أن وزارة السياحة والآثار أعلنت قبل يومين اكتشاف 4 مقابر يعود تاريخها إلى أواخر عصر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة، في منطقة سقارة بالجيزة، وأكثر من 10 دفنات من عصر الأسرة الـ18 من الدولة الحديثة.