شاشة الناقد

TT

شاشة الناقد

- توم هانكس في وسترن «واقعي»
• الفيلم: NEWS OF THE WORLD
• إخراج: ‪ بول غرينغراس‬
• الولايات المتحدة | وسترن (2020)
• تقييم: (***) جيد
في أحد مشاهد «أخبار العالم» يقول شاب للكابتن جيفرسن كِد (توم هانكس): «لم أكن أعرف أن هناك عملا كهذا». و«العمل» الذي يقصده هو وظيفة ومعيشة الكابتن إذ يدور على بلدات تكساس، في زمن يقع بعد الحرب الأهلية الأميركية بسنوات قليلة، ليقرأ على الناس «أخبار العالم». ليس كل العالم، بل تلك التي تهمهم أكثر من سواها والتي تدور حول أحداث ومفارقات بعضها جاد وبعضها طريف، وذلك لقاء 10 سنتات للفرد الواحد.
كابتن جيفرسن كان رب عائلة والآن أصبح رحّالة في سهوب تلك الولاية وآخر ما كان يريده لنفسه يقع في مطلع الفيلم: يلتقي بفتاة دون الثانية عشرة كانت خُطفت طفلة من قِبل هنود كيوا (شمال الولاية) ونشأت لا تعرف سوى لغة تلك القبيلة. يتوسم أنه سيستطيع نقلها إلى البلدة التالية في رحلته ليتركها فيها لكنه يجد نفسه ملزماً بتسليمها إلى شقيقة والدتها الراحلة على بعد أيام عدّة جنوباً. خلال الرحلة سيجد الكابتن نفسه مهتمّاً بالفتاة كما لو كانت ابنته الغائبة، وستشعر بدورها بأنها بحاجة إلى الأب الذي لم تعرفه. هذا لجانب أن زوج خالتها لا يرى فيها إلا يداً أجيرة عليها أن تعمل معه في الحقل ما يدفع كابتن جيفرسن للعودة إليها. ينظر إلى بؤسها وتنظر إلى ما يمثله من خلاص ويدرك كل منهما حاجته إلى الآخر.
شيئان لا يحتويهما هذا الوسترن: التشويق والصراعات العنيفة. صحيح أن هناك عصبة من ثلاثة أشرار تريد خطف الفتاة لبيعها وتطاردهما للغاية ما يجبر الكابتن على خوض معركة مسدسات بينه وبين الثلاثة، وصحيح أن هناك فصلاً من المشاهد تدور في بلدة يحكمها صاحب منجم غير راضٍ عن منهج كابتن المحرّض للعمال على المطالبة بحقوقهم، لكن هذا لا يجعل من «أخبار العالم» فيلم أكشن ولا يحتوي الفيلم أساساً على ذلك النوع من التشويق الذي يجعلك متابعاً لما سيقع بوتيرة اهتمام عالية. بالتالي، توقعات الفيلم رتيبة وإيقاعه هادئ. في المقابل، وفي غياب تحديات من النوع السائد، فإن للفيلم جاذبيّته لمن يود متابعة الممثلين هانكس وهيلينا زنغل في رحلتهما.
من المؤكد أن المخرج بول غرينغراس كانت لديه خيارات للاستعانة بممثلين أكثر خشونة وتناسباً للدور، لكن اختياره هانكس يضع الممثل في الأجواء الساكنة التي أرادها المخرج للفيلم، وذلك في ثاني لقاء بينه وبين هانكس (بعد «كابتن فيليبس»). الفيلم هو رسم واقعية بصرية لعالم الغرب الأميركي. كاميرا داريوش فولسكي تستوعب هذه الرغبة وتؤمنها ربما أكثر بقليل من المطلوب.

- سما أليس | Sous le Ciel D‪’‬ Alice
• إخراج: ‪روبرت كلوي مازالو‬
• فرنسا - لبنان - سويسرا | دراما (2020)
• تقييم: (****) ممتاز
واحد من الأفلام التي كانت مقررة لمظاهرة «أسبوع النقاد» خلال مهرجان «كان» المُلغى في العام الماضي. رقيق الحاشية لكن رقّته تفيض بالمشاعر الآسرة: أليس فتاة سويسرية تصل بيروت في أواخر الستينات وتتزوج من لبناني ثم تعيش معه ومع عائلته الكبيرة ويلات العامين الأوّلين من الحرب الأهلية. يبدأ الفيلم راسما صورة بهية لتوقعاتهما، ثم يتدرّج صوب الدكانة لاحقاً. يتطلب تقييماً أشمل لثراء منهجه.

- سكاي فاير | SkyFire
• إخراج: ‪سايمون وست‬
• الصين | كوارث (2021)
• تقييم: (***) جيد
يقدم المخرج الأميركي سايمون وست (الذي حقق سابقاً أفلاماً جيدة التنفيذ ضمن سياق السينما السائدة) على فيلمه الصيني الأول بثبات. فوق جزيرة تنتقل بعد قليل من بداية الفيلم من الدعة والهدوء إلى جحيم من الحمم والمخاطر، تقع أحداث هذا الفيلم الذي لا جديد في حكايته، إنما يؤمّن قدراً كافياً من التشويق المتوقع من مثل هذه الأفلام. حال ينفجر البركان يوالي المخرج توفير مشاهد متواصلة من التشويق.

- أرض لا أحد | No Man‪’‬s Land
• إخراج: ‪كونور ألن‬
• الولايات المتحدة | دراما وتشويق (2021)
• تقييم: (***) جيد
تقع الأحداث على جانبي الحاجز الذي بناه دونالد ترمب على الحدود المكسيكية وبديهياً أن الفيلم، وصانعيه، ليسوا من مؤيدي هذا الفصل الذي قسم عائلات وهيمن على مقدرات عديدين. للفيلم طابع يذكّر بأفلام الوسترن الكلاسيكية مع موضوع تدور أحداثه في الزمن الحاضر مع معارك بين طرفي النزاع، وأولئك الحالمين بأميركا والمدافعين عنها.

(*) لا يستحق
(**) وسط
(***) جيد
(****) ممتاز
(*****) تحفة


مقالات ذات صلة

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
TT

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن لثلاثين سنة مقبلة.

بالنسبة لجوستن (نيكولاس هاولت) في جديد كلينت إيستوود «محلّف رقم 2» (Juror ‪#‬2) هناك طريقة ثانية. بوصفه محلّفاً في القضية المرفوعة في المحكمة سيحاول بعثرة قناعات المحلّفين الآخرين من أن المتهم هو مذنب بالفعل، وذلك عن طريق طرح نظريات (وليس براهين) لإثارة الرّيب في قناعات الآخرين. ليس أن قناعات الآخرين ليست مدفوعة بقصر نظر أو أنانيات أو الرغبة في الانتهاء من المداولات والعودة إلى ممارسة نشاطات أخرى، لكن المحور هو أن جوستن واثق من أن جيمس (غبريال باسو) لم يقتل المرأة التي تشاجر معها والمتهم بقتلها. جيمس لا يملك الدليل، لقد شُوهد وهو يعنّفها في تلك الليلة الماطرة واعترف بأنه وصديقته كثيراً ما تشاجرا، لكنه أكد أنه لم يلحق بها في تلك الليلة المعتمدة ويدهسها. من فعل ذلك، ومن دون أن يدري، هو جيمس وهو في طريق عودته إلى البيت حيث تنتظره زوجته الحامل.

ليوناردو دي كابريو في «ج. إدغار» (وورنر)

بدوره، لم يُدرك في ذلك الظلام وفي تلك الليلة الممطرة فوق ذلك الطريق خارج المدينة ما صدم. ظن أنه غزالاً عابراً. نزل من السيارة ونظر حوله ولم يجد شيئاً ركب سيارته وانطلق مجدداً.

لكنه الآن يُدرك أنه صدم تلك المرأة التي يُحاكم صديقها على جريمة لم يرتكبها. لذا يسعى لإصدار قرار محلّفين ببراءته.

محاكمات مفتوحة

يؤسّس إيستوود (94 سنة) في فيلمه الجديد (وربما الأخير) لما سبق، ثم يُمعن في إضافة تعقيدات على الحبكة تتناول موقف جوستن المصيري، موقف باقي المحلّفين حياله ثم موقف المدعية العامّة فايث (توني كوليت) التي لا يُخالجها أي شك في أن جيمس هو القاتل. في بالها أيضاً أن فوزها في هذه القضية سيساعدها على الارتقاء إلى منصب أعلى.

إنه فيلم محاكمات وليس فيلم محاكمة واحدة. كعادته يُلقي إيستوود نظرة فاحصة وناقدة على كل ما يرد في أفلامه. على بطله الذي تشبّع بالقتل خلال الحرب العراقية في «قنّاص أميركي» (American Sniper)، ومن خلاله حاكم الحرب ومسؤولية من أرسله إلى هناك.

«محلّف رقم 2» خلال المداولات (وورنر)

في «بيرد» (Bird) قدّم سيرة حياة عازف الجاز تشارلي بيرد بايكر الذي سقط مدمناً على المخدّرات، ومن خلاله الطقوس التي تُحيط بأجوائه والمسؤولة عن مصيره.

نراه في «ج. إدغار» (J‪.‬ Edgar) يعرض لحياة ج. إدغار هوڤر، واحد من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه يمضي ليحاكمه باحثاً في استخدامه سُلطته لهدم الآخرين. وعندما تناول جزءاً من سيرة حياة المخرج جون هيوستن، ذلك الجزء الذي أمضاه في أفريقيا ببندقية اصطاد بها الفيلة، انتقد هذا المنوال ودوافعه وتبعاته.

أما في «سُلطة مطلقة» (Absolute Power) فخيّر المُشاهد ما بين الحكم على لص منازل أو الحكم على رئيس الجمهورية الذي شاهده اللص وهو يقتل عشيقته.

في الواقع كل أفلام إيستوود مخرجاً (من منتصف السبعينات وما بعد) كانت سلسلة من محاكماته للمجتمع. للسُلطة، للقانون، للسياسة، للإعلام وللمصالح التي تربطها مع بعضها بعضاً، ومن ثم الفرد الواقع ضحية كل ذلك التآلف.

في «محلّف رقم 2» يعمّق منظوره من دون أن يشعر المُشاهد بأي ثقل أو عناء. بالنسبة إلى إيستوود هو أستاذ في كيف يطرح الأفكار العميقة والحبكات المستعصية بأسلوب سهل تستطيع أن تأخذه كعمل تشويقي أو تذهب به لما بعد به متجاوزاً حبكته الظاهرة إلى تلك البعيدة.

المواقف في هذا الفيلم متعددة. جوستِن يضع عدداً من رفاقه المحلّفين في شكوك ويُثير غرابة عدد آخر. أحدهم يخبره بأنه يقرأه ككتاب مفتوح ملئ بالنظريات، لكن من دون براهين. يسأله لماذا. جوستن لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال.

رقصات التانغو

هو دراما محاكمات، كما كثير من الأفلام من قبله ومن بعده، «12 رجلاً غاضباً» (12Angry Men) الذي حققه سيدني لومَت في 1957 ويُشار إليه أحياناً بأنه أفضل فيلم محاكمات (نظرة موضع نقاش)، لكن على عكس معظمها من ناحية طروحاتها وأبعادها من ناحية، وعلى عكسها على نحو جامع من حيث تخطيه الشكل المستطيل المعتاد لأفلام المحاكمات. مثال، عوضاً أن يقضي إيستوود الوقت في قاعة المحكمة، يقطع قبلها وخلالها وبعدها لمشاهد خارجية داعمة. وعوض تقديم الأحداث كمشاهد استرجاعية (Flashbacks) يوردها ضمن تداول المحكمة كمشاهد موازية لما يدور متجنّباً مشاهد داخلية طويلة.

لا يترك إيستوود نافذة مفتوحة ولا يستخدم مواقف للتخفيف ولا يضيّع الوقت في سردٍ مُعاد أو موقف مكرر. هو أذكى من الوقوع في رقصات التانغو التي تسميها هوليوود اليوم أفلاماً.

فيلم إيستوود، كمعظم أعماله، عمل راقٍ وجاد. لا مزح فيه ولا عواطف ملتاعة عملاً بمقولة أرسطو «القانون هو سبب وجيه من دون العاطفة». إنه كما لو أن إيستوود استوحى من هذا التعريف كيفية معالجة هذا الفيلم وطرحه لولا أنه دائماً ما عالج أفلامه على هذا النحو بصرف النظر عما يسرد فيه. حتى فيلما الوسترن الشهيران له وهما «The Outlaw Josey Wales» و«Unforgiven» حملا لجانب إتقان العمل البُعد النقدي للتاريخ وللمؤسسة.