إيران... وترتيب الأولويات في قائمة بايدن

هددت إيران بعرقلة عمليات التفتيش النووي المقررة الشهر المقبل، وزيادة إنتاج الوقود الذي يمكن تخصيبه للاستخدام في صنع القنابل؛ وذلك بعد أن استولت على سفينة شحن تابعة لحليف أميركي، وسجنت مواطناً أميركياً آخر بتهمة التجسس.
لم يكن ذلك سوى بعض من الخطوات التي اتخذتها إيران في الأسابيع الأخيرة فيما يُنظر إليه على أنه جزء من استراتيجية نفد صبرها للضغط على الرئيس جو بايدن، الذي قال إنه يسعى لإلغاء العديد من الإجراءات التي اتخذها سلفه دونالد ترمب.
وتشمل هذه الانتكاسات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي تخلى عنه ترمب، والذي قيّد بشدة برنامج إيران النووي. فلطالما نظر خصوم إيران إلى هذا البرنامج باعتباره طريقاً نحو تصنيع الدولة لأسلحة نووية، لكن طهران تصرّ على أنه كان مخصصاً دوماً للأغراض السلمية فقط.
فرض ترمب العديد من العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران فيما وصفه باستراتيجية «أقصى ضغط» لإجبار الإيرانيين على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق. لكن إيران رفضت إعادة التفاوض، وبدلاً من ذلك كثفت نشاطها النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، في حين تواصل أيضاً برنامجها الصاروخي وتصرّ على سياساتها الإقليمية التي تعارضها الولايات المتحدة.
في ديسمبر (كانون الأول)، أقر البرلمان الإيراني تشريعاً يلزم الحكومة بالتخلي عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي في سلسلة من الخطوات المحددة سلفاً.
إن إيران تعمل على تحويل سياستها من الانتظار والصبر إلى العدوان والعمل. وفي هذا السياق، قال مهدي محمدي، المحلل المحافظ في إيران، في تغريدة على «تويتر» مطلع الشهر الحالي «لقد حان الوقت، ويمكن للعدو أن يرى الإشارات بوضوح شديد».
لكن لم يُظهر بايدن أي إلحاح خاص في إعادة التعامل مع إيران طيلة الأسبوع الماضي منذ تنصيبه، حيث كان منشغلاً بالعديد من الأزمات الأخرى في تداعيات سنوات ترمب، وأبرزها جائحة «كوفيد - 19» والمتاعب الاقتصادية لأميركا.
علاوة على ذلك، فإن التراجع من جانب الجمهوريين، واللوبي المؤيد لإسرائيل، وجماعات المعارضة القوية التي تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران تجعل العودة إلى الاتفاقية النووية بجرة قلم رئاسية أمراً صعباً سياسياً.
ومع ذلك، فقد تصاعد غضب القادة الإيرانيين من عدم اتخاذ إجراءات في الأيام الأخيرة بالنظر إلى فورة الأوامر التنفيذية التي أصدرها بايدن في عدد من القضايا الأخرى. منها الرئيس حسن روحاني ومعاونوه وبالاستعانة بالمقابلات ووسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات العامة، حثت أصوات عديدة الرئيس بايدن على التحرك بسرعة لإحياء الاتفاق دون فرض أي شروط مسبقة على إيران.
وبدورها، تعهدت إيران بأنها ستعود هي أيضاً إلى الوفاء بالتزاماتها للحد من التخصيب والسماح للمفتشين بالوصول. فإذا أصدروا أمراً، فستصدر إيران أيضاً أمراً في المقابل. وذكر روحاني في اجتماع لمجلس الوزراء متلفز في يوم تنصيب بايدن، أنه «إذا عادوا إلى التزاماتهم، فسنعود إلى التزاماتنا».
وقال بايدن وكبار مستشاريه السياسيين، بمن فيهم وزير الخارجية المعتمد منذ أيام، أنتوني بلينكن، إنهم يريدون عودة إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، قبل إلغاء أي عقوبات فرضها ترمب.
وفي مؤتمر صحافي الأربعاء، قال بلينكن «كان الرئيس بايدن واضحاً للغاية عندما قال إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها، فإن الولايات المتحدة ستفعل الشيء نفسه». وأضاف «لكننا ما زلنا بعيدين عن تلك النقطة».
وقد رفض المسؤولون الإيرانيون علناً هذا النهج، وأصروا على أن تلغي الولايات المتحدة أولاً العقوبات التي كانت الانتهاك الأولي للاتفاق، وعندها فقط ستعود إيران إلى الامتثال. وتعزز هذا الرأي الأربعاء في مقال رأي لسفير إيران لدى الأمم المتحدة، ماجد تاخت رافانتشي، نشر في صحيفة «نيويورك تايمز».
كتب السفير قائلاً «النافذة تغلق. إذا لم تفِ الإدارة الجديدة بالتزاماتها وألغت العقوبات في وقت قصير، فإنها بذلك ستقضي على إمكانية المشاركة في الاتفاق النووي».
وسعى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى تضخيم الضغط على بايدن الأسبوع الحالي خلال زيارة لروسيا، التي لا تزال، إلى جانب الصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تحترم الاتفاق وتسعى للحفاظ عليه. قال ظريف «مع تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، سمعنا كلمات، لكننا لم نشهد أي إجراء».
وكرر ظريف تهديد إيران بتقييد زيارات المفتشين النوويين الدوليين، وهو انتهاك صارخ للاتفاق، اعتبارا من 21 فبراير (شباط)، بموجب القانون الذي أقره البرلمان، الذي أعقب اغتيال محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين في نوفمبر (تشرين الثاني). وألقت إيران باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة في جريمة القتل.
ينبع حذر بايدن من الانفتاح مع إيران من الكراهية التي سادت العلاقات الأميركية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وأزمة الرهائن الأميركيين وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وهناك دعم قوي من الحزبين لاتخاذ موقف صارم تجاه إيران التي صنفتها وزارة الخارجية منذ عام 1984 دولةً راعيةً للإرهاب، وتعتبرها كل من إسرائيل والسعودية، أقرب حليفين للولايات المتحدة في المنطقة، تهديداً خطيراً.
في حين أن إيران لم تفعل شيئاً لإثارة مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة منذ انتخاب بايدن، فقد اتخذت خطوات لجذب انتباهه على الأقل. ففي 4 يناير (كانون الثاني)، استولى بحارة الحرس الثوري الإسلامي على سفينة كورية جنوبية وسط نزاع محتدم حول تجميد كوريا الجنوبية سبعة مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة بسبب العقوبات الأميركية.
قبل أيام قليلة من تنصيب بايدن، أعلنت وسائل إعلام إيرانية إدانة رجل الأعمال الإيراني الأميركي عماد شرقي بتهم تجسس غير محددة. وقد انضم شرقي إلى ما لا يقل عن ثلاثة مواطنين أميركيين آخرين من أصل إيراني محتجزين في إيران، وفقاً لقائمة أعدها مركز حقوق الإنسان في إيران، وهي مجموعة حقوقية مقرها نيويورك.
وفي إشارة إلى شكوك بايدن تجاه إيران، قال الجيش الأميركي الأربعاء، إن قاذفة «بي 52» حلقت فوق منطقة الشرق الأوسط للمرة الثالثة العام الحالي، وللمرة الأولى منذ أن بات بايدن قائداً عاماً للقوات المسلحة. بدأت عمليات «بي 52» التي تهدف إلى ردع إيران عن أي استفزازات عسكرية في عهد ترمب.
قد يكون بايدن أيضاً متردداً في إعادة التعامل مع إيران إلى أن تشير السياسات الداخلية لذلك البلد إلى بعض الوضوح. فروحاني الذي ساعد في التفاوض على الاتفاق النووي هو الآن في الأشهر الستة الأخيرة من ولايته النهائية، وقد تعرض لانتقادات شديدة من قبل المتشددين الذين يمكن أن يمارسوا المزيد من السلطة بعد الانتخابات في يونيو (حزيران).
في الوقت نفسه، يمكن أن يكون لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي تأثير على الانتخابات، مما يعطي دفعة للقوى الأكثر اعتدالاً ويؤثر على اتجاه الإدارة الإيرانية القادمة.
في سياق متصل، قال ناصر هاديان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران والمقرب من وزارة الخارجية الإيرانية «يمكن أن يغير ذلك الجو من إيران، ويمكن أن يكون مؤثراً ومهماً للغاية في السياسة الداخلية هنا».
ويقول آخرون، إن مظاهرات إيران بشأن نفاد الصبر تعكس إدراك القادة الإيرانيين بأن بايدن يواجه تحديات هائلة في كل مكان.
وفي هذا الصدد، قال هنري روما، المحلل الذي يغطي الشأن الإيراني لـ«مجموعة أوراسيا»، وهي شركة استشارية في المخاطر السياسية «أعتقد أن الإيرانيين أدركوا أنهم سوف يتنافسون مع أولويات بايدن الأخرى – (كوفيد)، والاقتصاد الأميركي، والمناخ».
استطرد روما قائلاً «عندما تدخل عالم الشؤون الخارجية، تكون في المراكز الخمسة الأولى، لكنها ليست رقماً واحداً. لديك أوروبا والصين وروسيا، ثم تأتي إيران».
فإيران تدرك أنها ليست أولوية قصوى وتحاول ترقية نفسها في القائمة.
*خدمة نيويورك تايمز