هل يعيد اتصال ماكرون ـ بايدن إحياء المبادرة الفرنسية؟

إيمانيول ماكررون (إ.ب.أ)
إيمانيول ماكررون (إ.ب.أ)
TT

هل يعيد اتصال ماكرون ـ بايدن إحياء المبادرة الفرنسية؟

إيمانيول ماكررون (إ.ب.أ)
إيمانيول ماكررون (إ.ب.أ)

يتريّث الوسط السياسي في التعامل حول ما أشيع بأن الوضع في لبنان حضر بامتياز في الاتصال الهاتفي المطول الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الأميركي جو بايدن قبل أن يستقصي عن المعلومات من مصدريها الرسميين الفرنسي والأميركي للتأكد ما إذا كانت واشنطن على استعداد لفتح صفحة جديدة تدفع باتجاه تعويم المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، بخلاف التصلُّب الذي كان أبداه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأدى إلى منع تفعيلها، في الوقت الذي أقفلت طهران الباب في وجه المحاولات الفرنسية الرامية إلى تعبيد الطريق أمام ترجمتها إلى خطوات ملموسة تبدأ بتشكيل حكومة مهمة.
وتقول مصادر سياسية مواكبة لاصطدام المبادرة الفرنسية ومن خلالها محاولة تشكيل حكومة جديدة بحائط مسدود لـ«الشرق الأوسط» بأن الرهان على أن المنطقة ومن خلالها لبنان ستدخل مع انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة في مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة التي مرّت فيها إبان وجود ترمب على رأس الإدارة الأميركية، لا يزال يتوقع من بايدن القيام بخطوات ملموسة تؤشر إلى رغبته في إعادة تطبيع العلاقات الأميركية - الأوروبية بعد أن عصفت بها الخلافات بسبب إصرار سلفه على التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي وكأنها ملحقة بإدارته.
وتلفت هذه المصادر إلى أن ماكرون حاول باتصاله ببايدن أن يستكشف مدى استعداده لفتح صفحة جديدة يمكنه التعويل عليها لإعادة الروح إلى مبادرته التي طرحها لإنقاذ لبنان بعد أن حال سلفه ترمب بشروطه التي وضعها دون تطبيقها سواء بالعقوبات الأميركية التي استهدفت رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وثلاثة وزراء سابقين هم علي حسن خليل، غازي زعيتر ويوسف فنيانوس أو بوضع «فيتو» أميركي على مشاركة «حزب الله» في الحكومة العتيدة.
ورأت بأن كلمة السر حول الموقف الأميركي والتي استقاها ماكرون من بايدن تبقى حتى إشعار آخر محصورة بالرئيس الفرنسي ما لم يبادر إلى إعلام القوى السياسية الرئيسة بلبنان، ومن خلال الفريق الذي يعاونه في الملف اللبناني بما توافر لديه من معطيات تتعلق بالموقف الأميركي ليكون في وسعها أن تبني على الشيء مقتضاه، وقال بأن التواصل المرتقب بين باريس وبيروت سيحمل معه الخبر اليقين سواء لجهة استعداد بايدن لإعادة النظر في شروط ترمب لإنجاح المبادرة الفرنسية أو التمسّك بها وتحديداً بموقفه من «حزب الله» الذي ينسحب على مستقبل العلاقات الأميركية - الإيرانية.
وقالت بأن القوى السياسية التي أعاقت تشكيل الحكومة في ظل وجود ترمب في البيت الأبيض كانت تربط موقفها بعدم التجديد له لولاية رئاسية ثانية، مع أنها أضافت إليه تعليق المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، واعتبرت بأنها أودعت ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد انتخاب بايدن بيد طهران باعتبارها واحدة من أوراق التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة.
لكن هذه المصادر فوجئت بلجوء طهران إلى التصعيد مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وذلك من خلال الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون باتجاه مدينة الرياض والذي قوبل برد فعل غاضب غير مسبوق من المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن، أو عبر القذائف التي استهدفت المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية.
واعتبرت بأن التصعيد يحمل بصمات إيرانية أرادت من خلاله طهران توجيه رسائل متفجّرة إلى بايدن لاختبار رد فعله، وقالت إنها ما زالت تجهل الأسباب التي تروّج لها أخيراً لجهة أن ماكرون حاول من خلال اتصاله بنظيره الأميركي اختبار مدى استعداد الإدارة الأميركية الجديدة للتعاطي بواقعية مع «حزب الله» بما يخالف موقف ترمب منه.
وسألت ما الجدوى من الرهان على تبدّل موقف واشنطن من «حزب الله»، ما دام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري باقياً على موقفه بأن تتألف من سياسيين واختصاصيين من غير الحزبيين، وقالت بأن بايدن وإن كان ينصرف حالياً إلى تنظيف الإدارة الأميركية من إرث سلفه ترمب وصولاً إلى الانتهاء من تعيين فريق عمله، فإن التوقيت الذي سيختاره للالتفات إلى بؤر التوتر في المنطقة وأولها مستقبل العلاقات الأميركية - الإيرانية لن يأتي بالضرورة متطابقاً مع التوقيت اللبناني لإخراج لبنان من تأزمه.
ولفتت هذه المصادر إلى أن تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في استقراء الموقف الأميركي يبدأ من مراقبة ما يمكن أن يدور لاحقاً بين باريس وطهران باعتبار أن مجرد معاودة التواصل بينهما يعني أن ماكرون توصل إلى تفاهم مع بايدن يتيح له إحياء الاتصالات بين البلدين، وإنما على خلفية سياسية لا تمت إلى ما طُرح بينهما سابقاً وأدى إلى تعطيل مبادرته، إضافة إلى أن واشنطن ترفض، عندما تقرر بدء التفاوض مع طهران، جنوح الأخيرة إلى الدبلوماسية الساخنة بتشغيل أذرعها لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومع أن واشنطن لا تبيع موقفها من إيران مجاناً، فإن المصادر السياسية تراهن على قدرة ماكرون على انتزاع موقف من بايدن لا يعيد الاعتبار لمبادرته فحسب، وإنما لتهيئة الظروف للانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي لأن لا مصلحة في إيصاله إلى وضع يصعب على الحكومة الجديدة تجاوزه إلى بر الأمان.
وبكلام آخر، فإن بايدن قد لا يمانع بتسليف حليفه ماكرون ما ينقذ مبادرته وصولاً إلى تعزيز موقعه لمعاودة التفاوض مع طهران، في محاولة لاختبار مدى استعدادها لملاقاته في منتصف الطريق لإخراج لبنان من تأزمه، وهذا ما يتيح للقيادة الإيرانية، قبل حلول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، بأن تتقدم من المجتمع الدولي بشهادة حسن سلوك يمكنها التأسيس عليها للتصالح معه أولاً، ومن خلاله يمكنها فتح قنوات التفاوض مع واشنطن بدلاً من استمرارها في «احتجاز» الورقة اللبنانية التي لن تُصرف سياسيا تحت الضغط.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».