بعد الإنجازات غير المسبوقة التي حققتها البحوث لتطوير وإنتاج اللقاحات ضد (كوفيد - 19)، تواصل الأوساط العلمية معركتها المستميتة لإيجاد علاج ناجع ضد الالتهابات التنفسية الناجمة عن الإصابة بالفيروس، ومنع تفاقمها حتى درجة التسبب بالوفاة. وكانت النتائج التي توصّلت إليها البحوث حتى الآن مخيّبة، حيث إن الدواء الوحيد الذي ثبتت فاعليته في خفض نسبة الوفيّات هو «دكساميتازون» الذي لا يقضي على الفيروس، بل يخفّف من حدّة الالتهابات التي تنشأ عنه في الحالات الخطرة.
لكنّ الاثنين الماضي نشر فريق من الباحثين البيانات العلمية الأولى حول فاعلية دواء «بليتيدبسين» الذي يعتقد أنه قد يشكّل المضاد الفيروسي الأقوى ضد (كوفيد - 19). وتفيد هذه البيانات الناتجة عن البحوث التي أجراها فريق من الأخصائيين بالأمراض الفيروسية في مستشفى «جبل سيناء» الشهير بمدينة نيويورك، والتي تخضع حالياً لمراجعة خبراء منظمة الصحة العالمية، بأن فاعلية هذا الدواء تضاعف مائة مرة فاعلية «ريمديسيفير»، وهو المضاد الفيروسي الأوّل الذي تمّت الموافقة عليه لمعالجة المصابين بـ(كوفيد - 19) ولم يظهر حتى الآن درجة عالية من النجاعة.
والمعروف أن «بليتيدبسين» هو دواء صناعي أساسه مادة تفرزها فئة من الحيوانات البحرية اللافقرية والمخنّثة، تعيش ملتصقة بالصخور وتكثر في البحر المتوسط. وكانت شركة «فارما مار» الإسبانية هي التي طوّرت هذا الدواء وتنتجه تحت اسم «آبليدينا» لمعالجة بعض أمراض سرطان الدم، ثم بدأت بإجراء تجارب مخبرية عليه ضد فيروس «كورونا» المستجدّ مطلع العام الماضي، حيث تبيّن أنه يخفّض الشحنة الفيروسية لدى المصابين الذين يعالجون في المستشفيات من حالات خطرة.
وفي مجهود مشترك أشرف عليه خبراء منظمة الصحة قام فريق الباحثين من مستشفى «جبل سيناء»، بالتعاون مع أخصائيين من جامعة كاليفورنيا ومعهد «باستور» في باريس، بتوثيق جميع بروتينات فيروس «كورونا» التي تتفاعل مع البروتينات البشرية، ثم أجروا تحليلات على الأدوية المعروفة التي يمكن أن تؤثر على هذه التفاعلات، وحددوا ٤٧ منها يمكن أن تساعد على ضبطها أو احتوائها. وتبيّن أن «بليتيديبسين» هو الأكثر فاعلية بينها من حيث قدرته على منع تكاثر الفيروس كما جاء في الدراسة التي صدرت أول من أمس الاثنين في مجلة Science.
وكان فريق الباحثين قد أجرى مقارنة بين مفعول «بليتيديبسين» ومفعول «ريمديسيفير» على نوعين من الجرذان مصابين بـ(كوفيد - 19)، وبيّنت النتائج أن الدواء الأول يحدّ من تكاثر الفيروس مائة مرة أكثر من الدواء الثاني، فضلاً عن أنه يخفّض بنسبة عالية مستوى الالتهابات في القصبات الهوائية.
ويستفاد من تفاصيل الدراسة حول مفاعيل الدواء المذكور أنه لا يستهدف الفيروس مباشرة، بل يؤثر على المادة البروتينية التي يحتاجها الفيروس للسيطرة على الآلة البيولوجية للخلايا واستخدامها ليتناسخ مئات آلاف المرات، فيعطّلها ويمنع الفيروس من التكاثر. ويخلص فريق الباحثين في استنتاجاته أن النتائج الإيجابية التي توصّل إليها، وبيانات التجارب السريرية التي قدّمتها الشركة المنتجة، تقضي بضرورة إعطاء الأولوية لمزيد من التجارب على دواء «بليتيديبسين» لمعالجة الإصابة بـ(كوفيد - 19).
ويقول خبراء منظمة الصحة إن العلاجات التي تستهدف مادة بروتينية معيّنة وليس الفيروس بحد ذاته، هي أكثر مقاومة في وجه الطفرات الجديدة لأن التحوّر الوراثي عند المريض أبطأ بكثير من التحوّر الفيروسي، وبالتالي فإن هذا النوع من العلاجات لا يتأثر كثيراً بالتحوّر الذي يطرأ على الفيروس.
ردود الفعل الأولى التي رصدتها «الشرق الأوسط» لدى خبراء منظمة الصحة بشأن بيانات الدراسة التي قدّمها خبراء مستشفى «جبل سيناء» حول هذا الدواء تشير إلى «أننا أمام دراسة أوليّة ممتازة قامت بها مجموعة من الباحثين الذين يتمتعون بصدقية عالية»، كما قال أحد الأخصائيين في قسم مكافحة الأوبئة. وأضاف «هي خطوة واعدة حقاً، ولا بد من الإسراع في إنجاز التجارب السريرية وتحديد مرحلة الإصابة التي يكون فيها الدواء أكثر نجاعة لوقفها، خاصة أنه لا يوجد حتى الآن أي دواء فعّال لمعالجة هذا المرض».
وتقول الأخصائية في العلوم الفيروسية ورئيسة قسم الأمراض السارية في مستشفى جنيف الجامعي إيزابيل سولا: «هذا الدواء يستهدف بشكل فعّال بروتين N الذي يعتمد عليه الفيروس لحماية تسلسله الوراثي وتجميع مستنسخاته الجديدة خلال المراحل الأولى من الإصابة، وبالتالي فإن فاعليته تبقى محصورة في هذه المراحل التي يتكاثر فيها بسرعة وعلى نطاق واسع، ولا تتعداها إلى المراحل التالية الأكثر خطورة من الإصابة».
ومن المزايا الأخرى التي يتمتّع بها هذا الدواء، استناداً إلى بيانات الشركة المنتجة، الأدلّة على عدم وجود آثار جانبية له عند تناوله بجرعات معتدلة كتلك التي استخدمت في التجارب التي أجريت عليه كما أظهرت التجارب العديدة على استخدامه في علاج سرطان الدم وأمراض أخرى.
وأفاد مصدر مسؤول في شركة «فارما مار» بأن المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لهذا الدواء على مرضى يعالجون في المستشفيات من (كوفيد - 19) ستبدأ مطلع الشهر المقبل في عدة دول، مشيرا إلى أن التجارب الأولى قد بيّنت أيضا أنه يمنع تكاثر الفيروس بغضّ النظر عن التحوّر البروتيني الذي يطرأ عليه في الطفرات البريطانية أو الجنوب أفريقية أو البرازيلية، أو الدنماركية التي ظهرت مؤخراً.
تفاؤل بدواء ضد السرطان لمعالجة الإصابة بـ«كوفيد ـ 19»
تفاؤل بدواء ضد السرطان لمعالجة الإصابة بـ«كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة