«وحشة» رفيق علي أحمد سببها النساء الفاسدات

على «مسرح مونو» يقف وحيدًا ساعة ونصف الساعة دون كلل

رفيق علي أحمد في مشهد من المسرحية
رفيق علي أحمد في مشهد من المسرحية
TT

«وحشة» رفيق علي أحمد سببها النساء الفاسدات

رفيق علي أحمد في مشهد من المسرحية
رفيق علي أحمد في مشهد من المسرحية

لم يتغير رفيق علي أحمد كثيرا. عاد الحكواتي كما اعتدناه في مسرحياته السابقة «جرصة» و«زواريب»، وقبلهما «الجرس» وحده على المسرح، يروي قصصه الطالعة من قلب المجتمع اللبناني، بمواجعه وعثراته وتطلعاته، مستعينا بأدواته التجسيدية الطريفة، بنصه المنكه بالحكايا اليومية، مضيفا إليها هذه المرة شخصيات تاريخية، تستحق سيرها أن تستعاد، وهي تندغم في الواقع المعاصر.
بيروت مرة أخرى، بعذاباتها، وطرافتها، وجنون ناسها المطحونين بالكذب والحيل وحب الحياة، بزيفها وأرقها وأنفتها.
بيروت أيام زمان، صورها تمر على شاشة كبيرة. يصل أبو ميشال، إلى الخشبة يجر حاوية نفايات بلاستيكية، يتحدث عن بيروت التي صارت «خراب من جوا وعمار من برا».. بيروت التي تبدو على خلفية المسرح وكأنها مجموعة من النوافذ المضاءة في ليل هادئ ينام على أسرار كبار.
مقعد خشبي إلى اليسار وآخر إلى اليمين، يكاد المكان يكون فارغا إلا من ذكريات هذا الشريد الذي تركته زوجته وسافرت مع حبيبها لاحقة بأبنائها. ذهبت العائلة إذن، وخسر أبو ميشال البيت، ولم تبق له إلا الصور التي لا تزال تتأجج في دواخله. على مقعده، مستأنسا بالقط عنتر، يشرب ما تيسر، يأكل من نفايات، كان رفيق علي أحمد قد قرأها سابقا في مسرحيته «زواريب» وها هو يعيد التعرف إلى روح أصحابها، وسيرهم، ويتسلى بسرد مسالكهم.
مرت سنوات طوال، هجر فيها رفيق علي أحمد المسرح إلى التلفزيون، حاصدا نجاحات عدة، قبل أن يعود في مسرحيته «وحشة» على «مسرح مونو» ممثلا ومخرجا وكاتبا في آن، غير حائد عن نمطه وأسلوبه الذي بات نهجا له. هذه المرة يطل بعد أحداث عظام، وربيع عربي يقطر دما وحقدا، لكنه فضل أن يبقى في موضوعه الأثير، هذا المجتمع اللبناني الذي يستمد فساده من طبقة سياسية تستبيح كل ما هو في متناولها.
ليس مهما أن يكون أبو ميشال معروفا باسمه الحقيقي، هذا ما يقوله هو على الأقل: «مش مهم شو ما كان اسمي، محمد، جورج، سمعان، علي أو عثمان» فالقهر واحد، والألم يعم الجميع.
زليخة، فرعون، شهريار، هيرودس، كلها أسماء تصلح قصصها القديمة لفهم حاضر صار عصيا على الإدراك، وفي رحلته بين الشخصيات، يستعين رفيق علي أحمد بمجسمات، أدوات، وعدة مكتملة، تتمم مهمة الحكي. ساعة ونصف وحيدا على المسرح ليس بالأمر السهل. نص يبدو في بعض جوانبه جديدا، وفي البعض الآخر، كأنه يعاود الاقتباس من مسرحيات سبقت. لا تدعي «وحشة»، هذا العمل المونودرامي اللطيف الظريف، الغارق في النبش عن متاهات مجتمع فقد بوصلته.. لا تدعي جدة في الطرح، بقدر ما تحاول استعادة قصص سابقة بقوالب أخرى. هذه المرة النساء في المقدمة.. محنة الرجل الشريد بسبب ما اقترفته زوجته، تفتح أبواب جهنم، وتغري بالحكي، لكن أبو ميشال ينتظر نهاية المسرحية ليخبر بكلمتين سريعتين تبدوان عابرتين.. إنه لم يكن هو الآخر، رجلا عفيفا نظيفا، وإنه عاش حياة مليئة بالمغامرات قبل أن تصل حاله الزوجية إلى خواتيمها القاتمة. التهتك وفساد العلاقات الثنائية، هما العمود الفقري الذي تقوم عليه «وحشة» وإن بدا أن الشريد الحكواتي يستطرد في كل اتجاه، لكن يعود في كل مرة إلى الجانب النسوي الصارخ، وحكايات امرأة من هنا وأخرى من هناك.
كما «عفاف» التي لم يختر اسمها إلا ليدل سلوكها على عكس معناه، تتشابك قصص لأناس مقنعين بأحجبة نسجت من مراتب اجتماعية، وادعاءات دينية، ومناصب سياسية.
حيوية في الأداء، مرافقة موسيقية أحيانا، رقص، غناء.. بكل مهاراته وتقنياته وموهبته التمثيلية الفذة، وقف رفيق علي أحمد على المسرح هذه المرة أيضا، عائدا إلى جمهوره، بعمل يستكمل ما سبق، لكنه مع ذلك يبقى محببا، منتظرا، شيقا، ويستثير الإعجاب بقدرته على البقاء نضرا دون أن يدعي كبير تجديد.
«وحشة» مستمرة على «مسرح مونو» حتى 8 فبراير (شباط) المقبل.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».