«مواد حية» مستوحاة من شاي «الكمبوتشا»

يمكن استخدامها لتنقية المياه

TT

«مواد حية» مستوحاة من شاي «الكمبوتشا»

طور مهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا، وإمبريال كوليدج لندن، طريقة جديدة لتوليد مواد صلبة وعملية باستخدام مزيج من البكتيريا والخميرة على غرار شاي «الكمبوتشا». وتم الإعلان عن نتائج أعمالهم في دراسة نشرت بدورية «نيتشر ماتريال» في 12 يناير (كانون الثاني) 2021. والكمبوتشا، هو مشروب حلو حامض مخمر، أسود اللون، مصنوع من الشاي، مضاف إليه مزيج من البكتريا والخميرة، وباستخدام هذا المزيج، المعروف أيضاً باسم سكوبي (مزرعة تكافلية للبكتيريا والخميرة)، تمكّن الباحثون من إنتاج السليلوز المضمن بالإنزيمات التي يمكنها أداء مجموعة متنوعة من الوظائف، مثل استشعار الملوثات البيئية، كما أظهروا أنه يمكنهم دمج الخميرة مباشرة في المادة؛ مما يخلق «مواد حية» يمكن استخدامها لتنقية المياه أو لصنع مواد تغليف «ذكية» يمكنها اكتشاف التلف.
يقول تيموثي لو، الأستاذ المشارك في الهندسة الكهربائية وعلوم الكومبيوتر والهندسة البيولوجية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمعهد بالتزامن مع نشر الدراسة «نتوقع مستقبلاً إمكانية زراعة مواد متنوعة في المنزل أو في مرافق الإنتاج المحلية، باستخدام علم الأحياء بدلاً من التصنيع المركزي كثيف الموارد». ومنذ سنوات عدة، طور مختبر لو طريقة لاستخدام بكتريا الإشريكية القولونية لتوليد أغشية حيوية مدمجة بمواد مثل الأسلاك النانوية الذهبية، ومع ذلك، فإن هذه المواد صغيرة جداً ورقيقة جداً؛ مما يجعل من الصعب استخدامها في معظم التطبيقات واسعة النطاق، وفي الدراسة الجديدة، شرع الباحثون في إيجاد طريقة لاستخدام الميكروبات لإنتاج كميات أكبر من مواد أكثر جوهرية.
وفكر الباحثون في تكوين مجموعة ميكروبات مماثلة للمستخدمة في شاي كومبوتشا، وهي مزيج من أنواع معينة من البكتيريا والخميرة، ومصانع التخمير هذه تحتوي عادة على نوع واحد من البكتيريا ونوع واحد أو أكثر من أنواع الخميرة، تنتج الإيثانول، السليلوز، وحمض الخليك؛ مما يعطي شاي الكمبوتشا نكهته المميزة. ويصعب تعديل معظم سلالات الخميرة البرية المستخدمة في التخمير وراثياً؛ لذلك استبدلها الباحثون بسلالة من الخميرة المختبرية تسمى السكيراء الجعوية (Saccharomyces cerevisiae)، وقاموا بدمج الخميرة مع نوع من البكتريا يسمى كوماجاتيباكتير ريتيكوس (Komagataeibacter rhaeticus)، والتي كان معاونيهم في إمبريال كوليدج لندن عزلوها سابقاً من شاي كومبوتشا، ويمكنها أن تنتج كميات كبيرة من السليلوز.
ولأن الباحثين استخدموا سلالة خميرة مختبرية، يمكنهم هندسة الخلايا للقيام بأي من الأشياء التي يمكن أن تفعلها خميرة المختبر، فعلى سبيل المثال، يمكن إنتاج الإنزيمات التي تتوهج في الظلام، أو استشعار الملوثات في البيئة، ويمكن أيضاً برمجة الخميرة بحيث تتمكن من تكسير الملوثات بعد اكتشافها.
وفي الوقت نفسه، تنتج البكتيريا الموجودة في المزرعة كميات كبيرة من السليلوز الصلب لتكون بمثابة سقالة، وصمم الباحثون نظامهم بحيث يمكنهم التحكم فيما إذا كانت الخميرة نفسها، أو مجرد الإنزيمات التي ينتجونها، مدمجة في بنية السليلوز، ويستغرق نمو المادة بضعة أيام فقط، وإذا تُركت لفترة كافية، يمكن أن تتكاثف لتشغل مساحة كبيرة مثل حوض الاستحمام. يقول تانغ «نعتقد أن هذا نظام جيد رخيص جداً، ويسهل صنعه بكميات كبيرة جداً، وهي مادة أكثر ألف مرة على الأقل من نظام الإشريكية القولونية».
ولإثبات إمكانات نظامهم، ابتكر الباحثون مادة تتضمن الخميرة التي تستشعر الاستراديول، والتي توجد أحياناً على أنها ملوث بيئي، في نسخة أخرى، استخدموا سلالة من الخميرة تنتج بروتيناً متوهجاً يسمى لوسيفيراز عند تعرضهم للضوء الأزرق، يمكن استبدال هذه الخمائر بسلالات أخرى تكتشف الملوثات أو المعادن أو مسببات الأمراض الأخرى.
ويمكن زراعة البكتريا في وسط زراعة الخميرة العادي، والذي استخدمه الباحثون في معظم دراساتهم، لكنهم أظهروا أيضاً أنها يمكن أن تنمو في الشاي مع السكر، ويتصور الباحثون أنه يمكن أن يستخدمها الناس في المنزل لإعداد مرشحات المياه أو غيرها من المواد المفيدة. يقول تانغ «يمكن للجميع فعل ذلك في مطبخهم أو في منازلهم، ليس عليك أن تكون خبيراً، أنت فقط في حاجة إلى السكر، وتحتاج إلى الشاي لتوفير العناصر الغذائية، وتحتاج إلى قطعة من الخميرة تتضمن البكتريا (سكوبي)».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً