عين الفن تُطوّع الخردة لإبداع مجسمات مبتكرة

عبر معرض مصري يضم 11 قطعة متنوعة

عين الفن تُطوّع الخردة لإبداع مجسمات مبتكرة
TT

عين الفن تُطوّع الخردة لإبداع مجسمات مبتكرة

عين الفن تُطوّع الخردة لإبداع مجسمات مبتكرة

لعل أعيننا ترى في الجنازير والتروس والسيور الحديدية المُستهلكة، ومعها المفاتيح القديمة والأقفال التالفة وقطع الأسلاك المهملة، وكذلك أدوات الورش وآلات الحرفيين التي لم تعد صالحة للعمل، أن يكون مكانها الطبيعي هو مقالب القمامة، نظرا لعدم فائدتها أو جدواها، إلا أن عين الفنان المصري حسام حسين كانت لها نظرة أخرى، حيث يرى أن مواد المخلفات (الخردة) تضم جماليات مخفية لم تفقدها، رغم انتهاء وظيفتها.
يعد الفنان الأربعيني أحد المهتمين بفن التشكيل بالخردة، حيث يقوم بتطويع القطع الحديدية مع إضافة بعض المسامير والصواميل والبراغي إليها بمقاسات مختلفة، وإعادة تشكيلها من خلال لحام القطع ببعضها البعض، ليكون الناتج في النهاية مجسمات وتماثيل متنوعة الأحجام والأشكال، يستقي أفكارها من مشاهد الحياة الشعبية المحيطة به أو من خلال عالم السينما.
وفي معرضه الشخصي الأول، الذي يستضيفه غاليري «قرطبة» بالقاهرة، ويستمر حتى نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، ويعرض الفنان 11 تمثالا جديدا أبدعتها أنامله، كوّنها وشكّلها من الحديد الخردة، كما تظهر بينها تماثيل نحتها الفنان من الرخام والجرانيت، مقدما فنه للجمهور في محاولة لنشر أعماله، وكذلك تسليط الضوء على أهمية فكرة إعادة تدوير الخامات والمستهلكات.
يقول صاحب المعرض لـ«الشرق الأوسط»: «يستهويني أسلوب التشكيل بقطع الحديد الخردة، حيث إنني وجدت فيه عدة مميزات، حيث يمكن تطويعها لتنفيذ العديد من الأفكار الفنية، كما تخرجني قطع الحديد من نمطية إنتاج أعمال تقليدية، والخروج بها عن نطاق المألوف بما يعمل على جذب الأنظار إليها، كما أنني أرى أنها تحتوي على جماليات يجب إظهارها والتأكيد عليها، فقط تحتاج لمن يُبرز هذه الجماليات لعين المتلقي».
درس حسين النحت بكلية التربية الفنية، ومن خلال تعرفه على فنونه، اختار من بينها فن التشكيل بالخردة، ومن داخل ورشته الخاصة في محافظة الشرقية بدأ في التجريب والتوفيق واللحام بين قطع الخردة الحديدية، وكانت النتيجة العديد من التماثيل والمنحوتات الفنية المختلفة.
اختار الفنان أفكار معرضه من خلال التفاعل مع الفن المصري القديم، أو ما يعبر عن عراقة التراث والهوية المصرية، أو يستلهمها من واقع الحياة المعيشة، أو من خلال مشاهد الأفلام السينمائية التي يعشقها واتجه إليها مؤخرا، وبالتالي تتسم أعماله بالحيوية بعيدا عن القطع الصماء المعتادة.
من بين أعمال المعرض يظهر تمثال «الصعيدي»، نسبة إلى سكان صعيد مصر، كنموذج للشخصية المصرية الأصيلة التي ترعرعت على ضفاف نهر النيل. يقول الفنان: «التمثال بارتفاع 80 سم، نفذته باستخدام عدد من الجنازير والمسامير مختلفة الأحجام والصواميل، يظهر فيه الخطوط الحادة لتقاسيم الوجه مع بساطة التعبير، والملامح الطيبة التي تعبر عن معاني العزة والكرامة رغم معاناته الحياتية، حيث الحفاظ على شخصيته وكرامته ورجولته من وجهة نظره البسيطة، وحاولت التعبير عن ذلك من خلال شاربه وحواجبه غير المهندمة، وهي الملامح التي نقابلها بشكل يومي».
وفي إطار التأكيد على البيئة الشعبية في أعماله الفنية، يقدم حسين تمثالا آخرا باسم «الشربتلي» (بائع الشربات أو العصير)، الذي يتجول في الشوارع والميادين والحارات الشعبية لكي يبيع مشروب «العرقسوس» للمارة، يقول صاحب العمل: «ارتفاع التمثال 60 سم، من الحديد الخردة في وضع حركي أثناء صب كوب من العرقسوس، ويظهر التمثال بكامل تفاصيل الشخصية من الإناء والأكواب والزي المميز لهذه المهنة».
ومن عالم السينما، اختار حسين صنع أحدث أعماله وهو تمثال باسم «البيه البواب»، من وحي الفيلم الشهير الذي يحمل الاسم نفسه للفنان الراحل أحمد زكي، وهو عبارة عن شخص من قطع الحديد الخردة يجلس على أريكة من الخشب الطبيعي، واضعا قدما فوق الأخرى، ليدل على الشموخ والنرجسية، وهو ما يصل للمتلقي الذي يستعيد معه ن سمات شخصية بطل الفيلم السينمائي الشهير نفسها.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.