عاصفة المطر والثلج مستمرة في مفاقمة معاناة نازحي إدلب

«الشرق الأوسط» تجول في مخيمات شمال غربي سوريا

سيول تغمر مخيماً للنازحين في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
سيول تغمر مخيماً للنازحين في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

عاصفة المطر والثلج مستمرة في مفاقمة معاناة نازحي إدلب

سيول تغمر مخيماً للنازحين في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
سيول تغمر مخيماً للنازحين في إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

تسببت عاصفة مطرية مصحوبة برياح شديدة بدأت منتصف الشهر الحالي، بغرق ودمار مئات الخيام للنازحين شمال غربي سوريا، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة وتشرد آلاف النازحين وسط تدني وضعف الخدمات الإنسانية من قبل المنظمات والجهات المسؤولة، في وقت لا تزال العاصفة مستمرة تتخللها عاصفة ثلجية وكتلة هواء باردة فاقمت معاناة النازحين.
«أم ياسين» أرملة تضم أسرتها 7 أفراد بينهم أطفال، وهي نازحة من منطقة خان شيخون جنوب إدلب وتقيم في «مخيم الأمل» في مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، قالت: «قبل يومين وبشكل مفاجئ بدأت الأمطار الغزيرة بالهطول واستمرت لأكثر من 4 ساعات دون توقف، وأعقبها تشكل السيول وأخذت من موقع المخيم طريقاً لها مما دفعت عشرات الأسر لمغادرة الخيام تحت الأمطار هرباً من الغرق، مما أدى بالنهاية إلى غرق ما يقارب 100 خيمة وتضرر خيام أخرى وتلف ممتلكات الناس داخل الخيام التي غمرتها المياه».
من جهته، قال محمود عواد مدير «مخيم البركة» قرب بلدة أطمة الحدودية: «كنا ناشدنا الجهات المسؤولة كثيراً قبل قدوم فصل الشتاء بتوفير ممرات ومصارف للمياه بعيداً عن المخيمات لحمايتها من الغرق، لكننا لم نتلقَ أي استجابة، وتسببت السيول التي تشكلت خلال اليومين الماضيين بغرق مخيمنا ومخيمات أخرى تأوي أكثر من ألفي نسمة بعضهم قضى ثلاث ليالٍ في العراء، وعائلات أخرى بحثت عن أقارب لها في مخيمات قريبة منهم ولجأت إليهم، وبادرنا وشباب المخيم إلى حفر خنادق ومصارف يدوياً وتصريف المياه».
ويضيف، أن خسائر النازحين في المخيم والمخيمات القريبة التي غمرتها مياه الأمطار «كبيرة جداً، حيث لم تعد هناك أغطية وحاجات أخرى صالحة للاستعمال فضلاً عن تلف وتمزق العديد من الخيام بسبب الرياح ونحتاج إلى مساعدات طارئة بشكل عاجل، حيث معظم الأسر المتضررة لم يعد لديهم أغراض صالحة للاستعمال».
أما زاهر الحموي، وهو ناشط في المجال الإنساني، فيشير إلى أنه «بلغ عدد المخيمات المتضررة جراء العاصفة المطرية والرياح الشديدة خلال الأيام الماضية 145 مخيماً منها مخيمات اللبن والمختار والسبيل بالقرب من قرية كفر يحمول، ومخيم السلام بالقرب من الشيخ بحر، ومخيمات الغرباء، والتكافل، والأمانة ومخيمات الكرامة» بالقرب من بلدة أطمة، ومخيم عطشان والأمل والخير بالقرب من سرمدا، و(مخيم الدويلية) بالقرب من كفر تخاريم ومخيمات أخرى شمال إدلب».
ويضيف أن أكثر من 400 ألف نازح تضرروا جراء العاصفة المطرية ويواجهون حالياً ظروفاً إنسانية صعبة للغاية، لافتاً إلى أنه بات بحاجتهم كل المقومات المعيشية كالأغطية والفرش وأدوات الطهي بعدما تبلل ما كان لديهم وأشياء أخرى جرفتها السيول وتعيش حالياً معظم الأسر لدى أقاربها في مخيمات أخرى لم تنَل منها السيول، إلا أن هذا ليس حلاً وبحاجة إلى تدخل المنظمات الإنسانية والإغاثية واستبدال الخيام وتقديم المساعدات الطارئة
من جهته، يشير مسؤول الدفاع المدني في أطمة إلى وصول «مناشدات من عدة مخيمات في المنطقة بأن واحداً مع تزايد حدة العاصفة المطرية، لكن ضعف إمكانياتنا حال دون تقديم العون والمساعدة لكل المخيمات وقمنا بتسليك المياه من بعض المخيمات وفتحنا مصارف مائية ومساعدة النازحين قدر الإمكان بنقلهم من المخيمات الغارقة بالمياه إلى أماكن أخرى»، في وقت قال الناشط الميداني سامر الأحمد إن معظم مخيمات النازحين في شمال غربي سوريا أقيمت ضمن أراضٍ زراعية وبشكل عشوائي دون أدنى تسوية بالرمل والبحص لتفادي الغرق، وحتماً بذلك ستكون عرضة لمخاطر الغرق والانجراف أمام السيول والأمطار الغزيرة.
ويعود سبب ورغبة النازحين في إنشاء المخيمات بالأراض الزراعية والوديان لقربها من المدن والخدمات، خصوصاً أن المناطق الوعرة والجبلية غير مجهزة بطرق أو ممرات لبناء المخيمات، وحتماً ذلك يشكل صعوبة في وصول الخدمات لها، كمياه الشرب والمساعدات الإنسانية والإسعافات الأولية للنازحين.
وقال مسؤول فريق «الاستجابة»، إن المخيمات التي تضررت جراء العاصفة المطرية يجري الآن تقديم بعض الخدمات لها كفتح طرق ومصارف للمياه لتفادي خطر السيول، لا سيما أن فصل الشتاء في بدايته، ذلك ريثما تبادر المنظمات الإنسانية والجهات المسؤولة في إدلب نقل المخيمات إلى مناطق مرتفعة بعد فتح الطرقات.
ويجري الآن تقييم الأضرار من قبل منظمتهم ضمن المخيمات في القطاعات التي تشرف منظمات على تقديم المساعدات لها وهناك خطة طارئة سيتم العمل فيها خلال اليومين القادمين لتقديم الأغطية والإسفنج وبعض مستلزمات النظافة وأدوات طهي الطعام للأسر المتضررة. وقال أحد المسؤولين، إن حجم الأسر المتضررة بلغت أكثر من ألفين أسرة ويتطلب ذلك تضافر جهود كل المنظمات الإنسانية والجهات الدولية لمساعدتها بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم جراء الفيضانات وغرق خيامهم.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.