الباب الشرقي... قلب بغداد القديم الذي بات مقصد الفقراء

تعد منطقة الباب الشرقي في بغداد التي استهدفها الهجوم الإرهابي، أمس المكان الأهم لتواجد فقراء العاصمة وعملهم في قلبها. ففيها تغيب التباينات الطائفية والقومية والإثنية التي فرضتها السياسة، وتحل محل ذلك مشتركات البحث عن لقمة العيش والحاجة إلى التبضع بأثمان بخسة.
في بغداد الخائفة دائماً، وجدت أبواب وأسوار تاريخية كثيرة لحمايتها من الأشرار وأطماع الغزاة على مر العصور. هناك في جانب الكرخ، أبواب الكوفة والشام وخراسان والبصرة التي اندثرت مع الزمن، وفي جانب الرصافة، باب الشيخ والباب الوسطاني وباب الآغا والباب الشرقي الذي شهد اعتداء أمس الذي خلف عشرات القتلى والجرحى. كان المكان الممتد حتى منتهى شارع الرشيد باباً لسور بغداد في عهد الدولة العثمانية التي ربضت على قلب البلاد لنحو أربعة قرون، وكان على شكل برج، كما يقول المؤرخون، ثم اتخذ كنيسة بعد الاحتلال البريطاني لبغداد عام 1917، ما لبثت أن هدمت عام 1937.
وعرفت منطقة الباب الشرقي في عقود سابقة، بوصفها قلب العاصمة النابض ومركزها الحضري الأكثر أهمية، لجهة وجود المباني الحديثة ودور السينما ومحلات بيع الملابس بمختلف أنواعها، إضافة إلى المطاعم والحانات والمقاهي الشعبية.
ولأهمية المكان الاستثنائية في الذاكرة البغدادية، اختير عام 1961، ليكون موقعا لنصب «الحرية» الذي صممه الفنان الراحل جواد سليم، إذ لا يبعد النصب عن مكان هجوم الأحزمة الناسفة سوى بضعة أمتار.
ولأن «في العراق تنتصر الأزمان القصيرة في كل شيء»، كما يقول أحد الكتاب، انتصر سوء الحظ مع حلول عقد التسعينات وحقبة الحصار الدولي، على مجد الباب الشرقي، وبات ملاذاً للفقراء وقليلي الحظ وباعة الملابس المستعملة واللصوص ومدمني الخمر.
ومنذ ذاك العقد التسعيني المخيف بجوعه وقسوته، اقتصر مجد منطقة الباب الشرقي على تواجد السلع العتيقة وتحول إلى مركز لبيع أنواع المواد المستعملة. وبات الاسم الذي كان يعج بكل ما يمت للمدنية بصلة اسم «سوق هرج» وحسب، يقصده الفقراء من الباعة والمتبضعين لشراء حاجاتهم بأسعار متواضعة. وصار لاحقاً مركزاً مهماً لبيع الملابس المستعملة وتوزيعها على عموم مناطق بغداد والمحافظات.
هجمة الأحزمة الناسفة ليست الأولى التي تستهدف باب الفقراء، إذ سبق وحدث ذلك كثيراً في سنوات العنف الممتدة منذ عام 2003، ولعلها لن تكون الأخيرة. وفي حين من الواضح أن هدف الإرهاب في مكان آخر غير الباب الشرقي، إلا أن ضربته انتصار آخر لسوء حظ المكان الذي كان يوماً قلب بغداد.