سنوات السينما

كلينت إيستوود في لقطة من الفيلم
كلينت إيستوود في لقطة من الفيلم
TT

سنوات السينما

كلينت إيستوود في لقطة من الفيلم
كلينت إيستوود في لقطة من الفيلم

The Good‪, The Bad and
(1966) The Ugly
ثلاثة أشرار رابعهم المخرج

أسس المخرج الإيطالي الراحل سيرجيو ليوني في «حفنة من الدولارات» (1964) عماد الفيلمين اللاحقين من سلسلة تجاوزت كل ما أنتجته إيطاليا وإسبانيا وألمانيا من أفلام وسترن أوروبية الصنع.
في «الجيد والسيئ والبشع» (مباشرة بعد الجزء الثاني «لأجل دولارات قليلة أكثر») استكمل حكاية محورها المال وبطلها كلينت إيستوود وأسلوبها تلك المشاهد المتأنية في رسم صورة المكان والحدث الكامن في طياته.
حكاية ثلاثية الأطراف تقع في رحى الحرب الأهلية الأميركية، حيث يسعى أنجل آيز (لي فان كليف) لمعرفة سر كنز مدفون ينتمي إلى القوّات الانفصالية، لكن بلوندي (إيستوود) هو الوحيد الذي يعرف المكان الحقيقي للذهب بعدما أسرّ إليه جندي جريح بمكانه. والأحداث تبدأ عملياً عندما يجد توكو (إيلاي والاك) بلوندي على حافة الموت عطشاً. يكاد يتركه لمصيره لولا أنه سمع بلوندي يهذي بوجود كنز مدفون. سينقذه من الموت ويحاول استنطاقه لسرقة الثروة، لكن بلوندي ليس سهلاً خداعه. هذا كله قبل أن يقعا في قبضة أنجل آيز الذي يحاول بدوره، الحصول على المال المدفون في مقبرة.
لا أحد يعرف أي قبر بين مقابر ضحايا الحرب. كل القبور تتشابه وتصطف بيضاء فوق تربة صحراوية جافة. يتوزّع المتنافسون الثلاثة في أماكنهم المتباعدة استعداداً لمنازلة أخيرة. إيقاع ليوني الرتيب يتدخل لإحياء المناسبة. لقطات على وجه الطيب (إيستوود) والبشع (والاك) والسي (كليف). موسيقى إنيو موركيوني تحضّر لحفلة الرصاص المتوقعة. لمبارزة من المفترض أن تنتهي بنجاة واحد أو بمقتل الجميع. يختار الفيلم مقتل آنجل آيز والإبقاء على والاك وبلوندي.
المشهد الطويل التالي للمبارزة يبلغ ذروة الشعر لدى ليوني:
يدا توكو مربوطتان وراء ظهره وحول عنقه حبل معقود وهو مرفوع فوق نصب أحد القبور. النصب بالكاد يحتمل ثقله ويهتز كلما تحرّك توكو من مكانه. حصته من الغنيمة تحت قدميه لكنه لا يستطيع الوصول إليها. إذا هوى ذلك النصب خنقه الحبل وإذا لم يفعل مات واقفاً. في كل الحالات حصته من الذهب قريبة وبعيدة منه في توازن غريب اختلقه ليوني بجدارة لا تخلو من الشر بدورها.
لكن بلوندي طيّب الحاشية وسيتبرع لمنح توكو نصف حياة: سيطلق النار على الحبل فيقع توكو أرضاً. لن يفك قيده بل سيتركه لشأنه ويمضي غير لاوِ على شيء وصراخ توكو يطارده ولا يصل إليه. الآن نرى والاك مرمياً على الأرض لكنه ما زال مربوط اليدين وما زال غير قادر على الفوز بغنيمته التي خطط لقتل بلوندي من أجلها.
في مجموع لحظاتها هي فكرة لمشهد نهائي لم تخطر على بال فيلم من قبل. ليوني في فيلمه اللاحق «حدث ذات مرة في الغرب» يستخدم الفكرة مرة أخرى لكن عوض الصليب يضع الرجل المشنوق فوق كتفي شقيقه الصغير الذي يكاد يسقط من الإعياء.
الفيلم، من زاوية أخرى، يمشي في ظلال الصراع الأكبر المتمثل بالحرب الأهلية الواقعة بين طرفين كلاهما، حسب ليوني، على خطأ. أنجل آيز ضابط اتحادي سادي وعنيف ومستعد لأي فعل للهرب بالثروة بعد قتل منافسيه، لكن الجيش الاتحادي يمر بظرف صعب ويحتاج إلى بطل ينفّذ مهمّة صعبة. المهمّة تُسند إلى بلوندي الذي ينقذ الجيش من الورطة بنسف جسر سيستخدمه الجيش الانفصالي للهجوم على الجيش الاتحادي.
الثلاثية التي ينتمي إليها هذا الفيلم جيدة (أفضلها على أفلام ليوني الوسترن الأخرى) وأفضل ما فيها هو هذا الجزء الثالث منها.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).