انقسام لبناني حول حق النازحين واللاجئين في الحصول على لقاحات

متحدثة باسم مفوضية اللاجئين لـ«الشرق الأوسط»: جميع المقيمين في لبنان مشمولون بخطة التلقيح

عناصر أمن يدققون في الوثائق التي تسمح للسيارات بالتجول خلال الإقفال العام في لبنان (أ.ف.ب)
عناصر أمن يدققون في الوثائق التي تسمح للسيارات بالتجول خلال الإقفال العام في لبنان (أ.ف.ب)
TT

انقسام لبناني حول حق النازحين واللاجئين في الحصول على لقاحات

عناصر أمن يدققون في الوثائق التي تسمح للسيارات بالتجول خلال الإقفال العام في لبنان (أ.ف.ب)
عناصر أمن يدققون في الوثائق التي تسمح للسيارات بالتجول خلال الإقفال العام في لبنان (أ.ف.ب)

تجدد السجال بين اللبنانيين حول ملفي النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين اللذين طالما شكلا مادة أظهرت عمق الانقسام الداخلي حول كيفية مقاربة القضيتين؛ لكن هذه المرة من بوابة وباء «كورونا».
فمع اقتراب موعد وصول لقاح «كورونا» إلى لبنان في النصف الأول من الشهر المقبل، أطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «اللقاح للّبناني أولاً» طالبوا فيها بإعطاء الأولوية للبنانيين في الحصول على اللقاح، وعدم شمول الدفعة الأولى من اللقاحات التي يفترض أن تتكون من مليونين و100 ألف جرعة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. وما لبث أن تم إطلاق حملة مضادة بعنوان «اللقاح للجميع» اتهم من غردوا ضمنها من يدعو لحصر اللقاح على اللبنانيين بـ«العنصري».
وشكل مناصرو «التيار الوطني الحر» أبرز من غردوا في إطار الحملة الأولى. وانضم عضو المكتب السياسي في «التيار» وديع عقل إليهم، في المطالبة بإعطاء اللقاح مجاناً، حصراً للبنانيين، بينما كتب الناشط في «التيار» ناجي حايك على صفحته على «تويتر»: «لا بلد في العالم يسمح بتلقيح أي شخص موجود على أرضه قبل تلقيح مواطنيه. أي أنه على الأمم المتحدة استكمال إيصال الطعم لجميع اللبنانيين، قبل أن نسمح بإيصال أي جرعة لأي غريب».
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مطلع الأسبوع، أن مليونين ومائة ألف لقاح «فايزر» يصل تدريجياً، بدءاً من بداية شهر فبراير (شباط)، على أن يصل بعدها مليون وسبعمائة ألف لقاح من شركات عالمية متعددة تباعاً إلى لبنان. ويفترض أن يدفع البنك الدولي بإطار قرض يمنح للبنان الجزء الأكبر من ثمن الدفعة الأولى من اللقاحات. إلا أنه وبحسب مصادر وزارية، فالأرجح أن يحصل النازحون السوريون على 600 ألف لقاح تمولها جهات مانحة تصل مع الدفعة الأولى من لقاحات «فايزر» من خلال وزارة الصحة اللبنانية. ولم يستبعد رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي أن تسلك الأمور هذا المسار، لافتاً إلى أن اللجنة ستعقد اجتماعاً اليوم مع رئيس اللجنة الوطنية للقاح ضد «كورونا» الدكتور عبد الرحمن البزري، لاستيضاحه حول هذا الموضوع وخطته لتوزيع اللقاحات، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من شروط قرض البنك الدولي البالغة قيمته 120 مليون دولار مساعدة المناطق التي يوجد فيها نازحون، ودعم المستوصفات التي يتطببون فيها، وبالتالي بعد أن تم تحويل جزء من هذا المبلغ لشراء لقاحات (كورونا) قد يكون الشرط أن يتم إعطاء جزء من اللقاحات للنازحين». وأضاف: «لمحاولة استيعاب الوباء في أي بلد يفترض أن يتلقى 70 في المائة من السكان اللقاح، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين. فنحن نعيش سوياً كلبنانيين وسوريين، وفي بلدتي بر إلياس هناك مثلاً 100 ألف نازح، وبالتالي قد ينقل الواحد منا العدوى للآخر أياً كانت جنسيته. نحن بالطبع نعتبر أن الأولوية يجب أن تكون للبنانيين؛ لكن من دون أن نغفل أن عدم تلقيح النازحين قد يؤدي لإصابة لبنانيين، لذلك نحن نعد خطة وطنية للتلقيح يجب أن تستهدف الجميع».
من جهتها، قالت المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، إن «جميع من في لبنان، بما في ذلك اللاجئون، مشمولون في خطة التلقيح الوطنية، وفقاً للمعايير العالمية في تحديد الأولويـة (على سبيل المثال لا الحصر: المرحلة الأولى تستهدف العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، وكبار السن المعرضين للخطر، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة). وأشارت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «وكالات الأمم المتحدة في لبنان، بما في ذلك (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية، و(الأونروا) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تعاون وثيق مع وزارة الصحة العامة والسلطات المعنية الأخرى، وعلى استعداد لتقديم الدعم العملي اللازم عند الحاجة»، مشددة على وجوب العودة للسلطات اللبنانية للحصول على استيضاحات إضافية بخصوص موعد حصول النازحين على اللقاح.
ويبلغ عدد مصابي «كورونا» من النازحين السوريين في لبنان 2529 وعدد الوفيات 104.
أما عدد المصابين بالفيروس في صفوف اللاجئين الفلسطينيين فيبلغ 4335، وعدد الوفيات 153. ويبدو أن اللاجئين الفلسطينيين سيكونون مشمولين أيضاً بالخطة الوطنية للتلقيح، من دون أن يتضح حتى الآن من سيتولى تمويل اللقاحات. وفي هذا الإطار، قالت المتحدثة باسم «الأونروا» في لبنان هدى السمرا لـ«الشرق الأوسط» إن «الوكالة تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة اللبنانية ومنظمة الصحة العالمية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، لضمان توفير اللقاحات مجاناً لجميع اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ومن سوريا، على أن يتم تحديد الأولويات للتلقيح بحسب المعايير الطبية لتجنب التمييز». وأشارت إلى أن «الدفعة الأولى من اللقاحات إلى لبنان ستصل على الأرجح في فبراير، من خلال وزارة الصحة العامة. وستكون المرحلة الأولى من التلقيح عن طريق الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الصحة، والتي تشمل العاملين في القطاع الصحي والمستهدفين من عمر 75 وما فوق، إضافة للمرضى الذين يعانون من أمراض قد تؤثر عليهم إذا ما أصيبوا بالعدوى» موضحة أن «(الأونروا) قدمت كل الأعداد المطلوبة». وأضافت: «في المرحلة الثانية سوف يستمر التنسيق مع الوزارة لتأمين اللقاح، وهناك أيضاً اتصالات حثيثة مع منظمة الصحة العالمية وباقي المؤسسات الأممية لتأمين اللقاح مجاناً للاجئين الفلسطينيين».



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».